1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

لماذا تخسر أفريقيا وأمريكا اللاتينية المواهب الكروية الشابة؟

١ ديسمبر ٢٠٢٢

تكشف قوائم المنتخبات المشاركة بمونديال قطر عن فجوة بين عدد اللاعبين في أندية أفريقية وفي أمريكا اللاتينية وبين اللاعبين في أندية أوروبية. ويدل ذلك على ازدهار الدوريات الأوروبية على حساب الدوريات الأخرى.

https://p.dw.com/p/4KEeD
FIFA Fußball WM 2022 in Katar | Belgien - Marokko
متوسط منتخب المغرب سفيان امرابط، لاعب فيورنتينا الإيطالي، في صراع على الكرة مع نجم المنتخب البلجيكي كفين دوبروينصورة من: Fadel Senna/AFP/Getty Images

ينتشي عشاق المستديرة في إنجلترا وربما في البرازيل عند مشاهدتهم نجوم منتخباتهم ممن يلعبون في أندية إنجليزية أو برازيلية، بيد أن هذا ليس الحال لعشاق منتخب السنغال المُلقب بـ "أسود التيرانغا".

وبحسب بيانات نشرها موقع "ترانسفير ماركت" المتخصص في تحديد القيمة السوقية للاعبين، فإن متوسط ​​لاعبي منتخب إنجلترا المشارك في مونديال قطر قد أمضوا 95 بالمائة من حياتهم الاحترافية في أندية الدوري الإنجليزي.

وتتشابه هذه النسبة مع مثيلاتها في منتخبات دول أوروبية ذات دوريات وبطولات محلية قوية للغاية مثل ألمانيا وإسبانيا، بيد أن الحال ليس كذلك في الأندية والمسابقات بأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وتكشف البيانات عن أن اللاعب في منتخبات أمريكا اللاتينية المشاركة في مونديال قطر وهي الأرجنتين والبرازيل والإكوادور وأوروغواي، قد قضى ما يقرب من نصف حياته الاحترافية خارج البلاد.

في المقابل، فإن اللاعبين في المنتخبات الأفريقية المشاركة في المونديال وهي السنغال وغانا والمغرب والكاميرون وتونس، قد قضوا أكثر من 80 بالمائة من حياتهم الاحترافية خارج البلاد.

وبدورهم، قال باحثون متخصصون في متابعة البطولات المحلية في البلدان الأفريقية وأمريكا اللاتينية  في مقابلات مع DW إن هذه النسب تظهر ديناميكية غير متكافئة في عالم كرة القدم حيث تتمتع كبرى البطولات الأوروبية بقوة مالية للاحتفاظ بالمواهب الكروية الشابة واستقطاب المواهب الكروية من البلدان النامية.

في المقابل، تدور الأندية المحلية في البلدان الأقل ثراء في حلقة مفرغة، إذ لا تمتلك موارد مالية سواء للاحتفاظ بالمواهب الكروية التي لديها أو تطوير بنيتها التحتية لكي تصبح أكثر جاذبية للاعبين الشبان الذين يفرون إلى أوروبا بحثا عن فرص أفضل.

Dataviz World Cup Diaspora Age Distribution AR

ضعف البنية التحتية الكروية في أفريقيا

يعد المنتخب السنغالي المتوج بلقب بطل كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم، المثال الأبرز على ذلك، إذ قضى لاعبو منتخب "أسود التيرانغا" المشارك في مونديال قطر، أقل فترة من حياتهم الاحترافية في أندية محلية مقارنة بباقي لاعبي المنتخبات الأخرى.

يشار إلى أن نصف لاعبي منتخب السنغال لم يلعبوا أبدا مع أي فريق سنغالي منذ أن تخطوا عامهم السادس عشر، فيما لم يستمر لاعبو الأندية المحلية في اللعب بالدوري السنغالي بعد أن أكلموا عامهم العشرين.

ولا يعد منتخب السنغال المثال الوحيد في هذا الصدد، إذ يمكن ملاحظة الأمر ذاته عند رصد قائمة تشكيلات المنتخبات الأفريقية الأربعة الأخرى المشاركة في مونديال قطر.

وأرجع غراد أكيندس، الأستاذ في جامعة حمد بن خليفة في قطر والمتخصص في الإدارة الرياضية الاحترافية، هذا الأمر إلى عدة عوامل بدأت في الظهور منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما بدأ تألق المنتخبات الأفريقية في البطولات الدولية وبدأ اللاعبون الشبان في جذب انتباه الأندية الأوروبية.

لاعبو المنتخب الانكليزي يحتفلون بهدفهم في مرمى إيران في دور المجموعات في مونديال قطر 21.11.2022
غالبية لاعبي منتخب انجلترا يلعبون في اندية انجليزيةصورة من: Javier Garcia/Shutterstock/IMAGO

وقال إن "هذا تزامن مع بداية معاناة كرة القدم الأفريقية بسبب نقص التمويل، ما نجم عنه عدم قدرتها على إعالة نفسها. فيما ظهرت في الوقت نفسه أكاديميات كروية بل وانتشرت في كافة أنحاء العالم بهدف اكتشاف المواهب الكروية الصغيرة وإرسالها إلى أوروبا. وقد أدى ذلك في نهاية المطاف إلى ضعف جودة الكرة المحلية في أفريقيا".

ويعد نجم منتخب السنغال ساديو مانيه، المتوج بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا لعام 2022، أفضل مثال على ذلك، حيث قضى سنواته المهنية الأولى في أكاديمية Generation Foot الكروية التابعة لنادي "ميتز" الذي يلعب في دوري الدرجة الثانية بفرنسا، وعندما بلغ عامه التاسع عشر، غادر السنغال للعب في فرنسا ثم انتقل إلى ليفربول ولينضم لاحقا إلى بايرن ميونيخ.

ولا يعد مانيه، الذي منعته الإصابة من المشاركة في كأس العالم، الاستثناء الوحيد، إذ تتشابه ظروفه مع اثنين من رفاقه في منتخب السنغال وهما بابي سار لاعب توتنهام وإسماعيلا سار نجم واتفورد.

ويبدو أن التواجد في الأندية الأوروبية للاعبين الأفارقة يساهم في تزايد شعبيتهم في بلدانهم، حيث يفضل عشاق الساحرة المستديرة في بلدان أفريقية مثل السنغال والكاميرون مشاهدة نجوم منتخباتهم وهم يلعبون في كبرى الدوريات الأوروبية.

وفي ذلك، قال أكيندس "هذا الأمر يعني أن كرة القدم الأفريقية لم تشهد تطورا، إذ أصبحت بمثابة منشأ لتصدير المواد الخام لجني بعض الأموال، لكن في المقابل يتعين عليها دفع الكثير لشراء المنتج في شكله النهائي. إن الأمر يشبه تصدير البلدان الأفريقية للنفط ثم شراء المطاط بعد ذلك." وقال إن هذا الأمر يصب في صالح أصحاب حقوق  البث التلفزيوني في إفريقيا.

وعلى الصعيد الوطني، اعتمدت المنتخبات الأفريقية على الكثير من اللاعبين الذين يلعبون في الخارج، فيما تزايد ذلك عقب قيام الفيفا عام 2004 بالسماح للاعبين بتغيير المنتخبات التي سيلعبون لصالحها حتى ولو كانوا قد مثلوا دولا أخرى على مستوى البطولات الشبابية.

Dataviz World Cup Diaspora African squads AR

ويعد منتخب غانا المثال الأبرز على ذلك إذ تتضمن تشكيلة الفريق المشارك في مونديال قطر المؤلف من 26 لاعبا، أربعة لاعبين انضموا إلى المنتخب مؤخرا فيما لم يكن قد ارتدوا قميص "النجوم السوداء" من قبل وهم: طارق لامبتي المولود في انجلترا والمهاجم إينياكي ويليامز الذي اختار تمثيل منتخب غانا وخلع قميص إسبانيا وأيضا إليشا أووسو المولود في فرنسا ودينيس أودوي المولود في بلجيكا. ويرى خبراء أن احتمال المشاركة في مونديال قطر كان الحافز الأكبر لهؤلاء اللاعبين لاختيار تمثيل منتخب غانا.

من جانبه، طرح ويكليف نجوراي، الأستاذ والباحث الرياضي بجامعة تكساس، تساؤلا مفاده "ماذا عن اللاعبين الذين بذلوا الكثير من الجهد خلال التصفيات ولم يتم اختيارهم للتواجد في قطر؟" . وأضاف "هذا يبعث رسالة إلى المواهب المحلية بأنه لكي تحصل على فرصة للانضمام إلى المنتخبات الأفريقية يجب مغادرة البلاد، لأنه من السهل اختيارك للعب في المنتخب عندما تحترف في الخارج".

ماذا عن أمريكا اللاتيية؟

وفي حالة المقارنة بين أفريقيا وأمريكا اللاتنية، فإن معظم لاعبي منتخبات البرازيل والأرجنتين والإكوادور وأوروغواي قد لعبوا فترات أطول في أندية محلية في بلدانهم. إذ لم يلعب سوى ثلاثة لاعبين في أندية محلية بعد بلوغهم عامهم السادس عشر.

منتخب الكاميران
يشكل اللاعبون المحترفون خارج البلاد التشكيلة الأساسية في منتخب الكاميرونصورة من: Sebastian Frej/IMAGO

فقد بدأ لاعب وسط أوروغواي رودريغو بنتاكور  مسيرته مع نادي بوكا جونيورز الأرجنتيني في بوينس آيرس فيما اختار جيريمي سارمينتو تمثيل الأكوادور رغم أنه مثل إنجلترا على مستوى منتخب الشباب، فيما يأتي ليونيل ميسي، الحائز على جائزة الكرة الذهبية سبع مرات، على رأس القائمة إذ غادر الأرجنتين وهو في سن 13 عاما للانضمام إلى برشلونة.

ورغم أن كرة القدم في أمريكا اللاتينية قد تكون أفضل حالا من كرة القدم الأفريقية، إلا أن الأندية في أمريكا اللاتينية تعاني من ضغوط اقتصادية مماثلة لما تتعرض له الأندية الأفريقية.

فرغم أن بطولات الدوري في أمريكا اللاتينية أفضل وأقوى، ما يعني تزايد قدرة الأندية في الاحتفاظ بالمواهب الشابة لفترة أطول، لكن هذه الأندية لا يمكنها الاستمرار في ذلك؛ إذ احترف معظم لاعبي منتخبات أمريكا اللاتينية المشاركة في مونديال قطر في المتوسط وهم في سن الحادي والعشرين.

وعلى غرار أفريقيا، تؤثر هذه الديناميكية على العلاقة بين المشجعين والأندية المحلية في أمريكا اللاتينية حتى في البلدان الرائدة في عالم الساحرة المستديرة مثل البرازيل أكثر بلد تُوج بلقب كأس العالم، خمس مرات، والتي كانت في الماضي تفتخر بأندية يمكنها منافسة الأندية الأوروبية.

وفي سياق متصل، قال لرودريغو كوخ، الأستاذ في جامعة "ريو غراندي دو سول" في جنوب البرازيل والباحث في العلاقة بين كرة القدم والثقافة الشبابية في البرازيل: إن الشباب في البرازيل لم يعد لديهم نفس الارتباط بالأندية المحلية كما كان الحال مع الآباء.

Dataviz World Cup Diaspora Latin American squads AR

وأكد أن هذا الأمر يعد عنصرا هاما في تعزيز ولاء الشباب للأندية المحلية،حيث ينتقل تشجيع الفريق من الآباء إلى الأبناء، مضيفا "لا يمكنني وصف هؤلاء الشباب بأنهم مشجعو أندية برازيلية وإنما أصبحوا من عشاق المشاهير".

وقال إن الشبان في البرازيل لم يعودوا يشجعوا ناديا واحدا بعينه، بل باتوا يشجعون الأندية التي يلعب فيها نجومهم المفضلون، مضيفا أن نادي باريس سان جيرمان بات من بين الأندية الأكثر شعبية في بلاد السامبا بفضل وجود نيمار.

وأضاف "ربما لا يحدث الأمر في أمريكا اللاتينية بنفس الوتيرة الجارية في أفريقيا، لكننا في منتصف الطريق للتحول. لا يزال لدى الأندية المحلية مشجعون مخلصين خاصة فيما يتعلق بالجماهير الشعبية... لكن في المقابل يوجد المزيد والمزيد من عشاق الساحرة المستديرة الذي يشجعون أندية عالمية".

ويبدو أن مقبل الأيام قد يحمل تأثيرا جليا لذلك على أرض الواقع، إذ يمكن أن نرى الأطفال في البرازيل الذين يلعبون في الشوارع والمدارس يقسمون أنفسهم إلى فرق تحمل أسماء فرق غير برازيلية مثل ريال مدريد وباريس سان جيرمان بعد أن كانوا يختارون أسماء أندية برازيلية.

رودريغو مينيغات شوينسكي  / م ع