1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رشا حلوة: النساء والمونديال.. خرق مساحات مخصصة للرجال فقط

رشا حلوة
٦ يونيو ٢٠١٨

في مقالها* لـ DW عربية تسلط الكاتبة الصحفية رشا حلوة الضوء على الاهتمام بكأس العالم لكرة القدم مقابل قلة التفاعل مع كرة القدم النسائية من نواحي عديدة، ما يجعل المونديال منظومة، ترسخ التمييز على أساس جندري.

https://p.dw.com/p/2z1Za
arabisch Kolumnistin Rasha Hilwi
صورة من: DW/Rasha Hilwi

في إجابة على سؤالي: "لماذا تحب كرة القدم؟"، قال صديقي بانفعال: "لأن فيها كلّ مشاعر الحياة؛ الفرح، الحزن، الخوف، الألم، الترقب، الخيبة، القلق...". أعجبتني الإجابة، وأرددها في كلّ فرصة أتحدث فيها عن أحد الأشياء التي لا أفهم عنه شيئًا: كرة القدم. وبالعموم، أقنعت نفسي، بأنه ليس من الضرورة أن تفهمها كي تحبّ مشاهدتها من مرة لأخرى، خاصّة حين تكون المشاهدة بمثابة طقس اجتماعي عالمي مثل متابعة ألعاب المونديال.

أيام قليلة تفصلنا عن مباريات كأس العالم لكرة القدم 2018، وعلى مستوى شخصي، فأنا لا أعرف شيئًا عن المونديال ولا عن كرة القدم، كل ما أعرفه هو معنى البطاقات الحمراء والصفراء، وأعرف أن محمد صلاح لن يلعب في مباريات كأس العالم بسبب إصابته الأخيرة بكتفه (وأنا مثل العالم العربي كلّه، حزينة وسأبقى غاضبة على راموس مدى الحياة، لربما أكثر من غضبي على حبيبي القديم)، وأن المنتخب الإيطالي غير مشارك في المونديال، ومعرفتي بهذه المعلومة نابع من متابعة عدد كبير من النساء لمنتخب إيطاليا، والحزن على عدم مشاركته، هو أمر لا علاقة له بكرة القدم بتاتًا.

المهمّ، لا يمكن أن يختلف إثنان على حقيقة أن مباريات كأس العالم (المونديال) هي بمثابة مشهد كامل مُسيطّر بأغلبيته على يد الرجال، سواء في الملاعب أو تلك التي في الكواليس. وعلى الرغم من وجود فرق كرة قدم نسائيّة وكذلك مباريات كأس العالم للنساء، والتي انطلقت عام 1991، إلا أن التفاعل معها، سواء الإعلامي و/أو الجماهيري، كما والاستثمار فيها من نواحي عديدة، لا يرتقي لما يحصل في مباريات كأس العالم للرجال، مما يجعل المونديال كمنظومة، أيضًا مساحة ترسّخ التمييز على أساس جندري.

إلى جانب هذا، هنالك ازدياد بعدد مشجعات كرة القدم، لا بشكل موسمي مثل حالتي، إنّما اللواتي يتابعن ويعرفن تفاصيل اللعبة، لهن فريقهن المفضّل وأسبابهن لذلك، يخترقهن هذا المشهد الذكوري، ويحضرن بقوة وطبيعية ومع الكثير من المعرفة، مما يساهمن في إحداث تغيير ما يتعلّق بعلاقة النساء مع كرة القدم وتفكيكها من ارتباطها التاريخي والشعبي المتواصل مع الرجال، حتى في ظلّ وجود مشجعات ولاعبات وفرق كرة قدم نسائية وكأس العالم للنساء.

في حديث مع مها إسماعيل (38 عامًا، فلسطين) قالت: "حبّي لكرة القدم جاء من والدي، عندما كنت في الخامسة من عمري، أخذني معه لمشاهدة لعبة كرة قدم، ولأنه لم يكن هنالك مدرجات في الملعب آنذاك، رفعني على أكتافه لأرى الملعب واللاعبين، وعندما سجّل أحد اللاعبين هدفًا، صاح المشجعون فرحًا، وفي لحظة الفرح تلك، وقعت في غرام كرة القدم". تشجع مها منتخب "مانشستر يونايتد" الإنجليزي، وذلك لأنها تحبّ أسلوبهم في اللعب وتمريرهم للكرة في الملعب.

في إجابة عن سؤال حول هل تتعرض إلى استغراب مجتمعي ما لكونها مشجعة كرة قدم؟ قالت مها: "خلال سنوات التسعين، كان هنالك استغراب كبير، وكانت تتساءل الناس كثيرًا عن سبب حبي هذا. مع بداية الألفين، تم تسويق لاعبي كرة القدم على أنهم عارضي أزياء، فتعرّفت النساء أكثر عليهم وأحبتهم بسبب أشكالهم في ذلك الوقت، لأني عندما كنت أسأل بعض النساء عن تفاصيل اللعبة أو كيفية تسجيل الهدف، تكون الإجابة عادية بلا وصف لتفاصيل كما يفعل المشجعون عادة، لكن اليوم، ازداد عدد النساء اللواتي تحب كرة القدم وتعرفها عن كثب، ويحترفنها أيضًا، وبشكل ما، هنالك ازدياد واضح في عدد المشجعات واللاعبات أيضًا".

إن كرة القدم، مثل حقول حياتية عديدة، ليست محتكرة من قبل الرجال فحسب، إنما في كثير من الأحيان، تستخف من قدرة النساء على أن يتواجدن فيها، سواء وجود معرفي أو احترافها، النابع من التقليل بشأنهن والتمييز ضدهن على أساس جندري. هذا الاستخفاف ممتد أيضًا من التوظيف المجتمعي للمرأة في أدوار عيّنة، تبدأ منذ الطفولة والمدارس، فنجد أنّه "من الطبيعي" أن يلعب الأولاد في المدرسة كرة قدم، ومن الغريب، حسب المعايير المجتمعية، أن ترغب فتاة في أن تلعب كرة القدم، فعليها أن تنضم إلى حصص الرياضة المخصصة للفتيات، ويتم نفيّها وطردها على مبدأ بأنه عالم كرة القدم مثلًا ليس عالمًا للنساء.

وحتّى بوجود لاعبات محترفات ومسابقات دولية، فإن كرة القدم النسائية لا تحظى بالاهتمام الذي تجده مباريات الرجال، كما أن رواتب اللاعبات ونسبة المشاهدة والاستثمار الإعلاني والإعلامي، لا يقارن بين مباريات الرجال والنساء.

في حديث مع سيرين نابلسي (24 عامًا، لبنان)، مدرّبة كرة قدم، ومشجعة لمنتخب ألمانيا منذ الطفولة، حيث أُعجبت بطريقة لعب المنتخب والاستراتيجية بين اللاعبين، الذي برأيها ما زال يحافظ على مستواه منذ سنوات. بدأت علاقة سيرين مع كرة القدم عندما كانت تترك صف البنات في حصّة الرياضة بالمدرسة وتذهب للعب مع الأولاد، عن هذا تقول: "بداية، رفض الأولاد أن أنضم إليهم، إلى أن أحرزت هدفًا في المرمى، من ثم أصبحت موضع شجار بين الفريقيْن، على من سيضمني إليه؟".

تطوّع سيرين كمدرّبة كرة قدم لمجموعة فتيان وفتيات، حيث بالإضافة إلى التدريب، تسلط سيرين الضوء على المساواة بين الجنسين من خلال الرياضة، عن هذا تقول: "ليس من السهل تقبّل أن تكون الفتاة لاعبة كرة قدم، مما تردع هذه الحقيقة النساء من فعل هذه الخطوة، لكن بالمقابل، في لبنان مثلًا، نجد اليوم عددًا كبيرًا من الفتيات يتطوّرن في كرة القدم ويفزن باسم لبنان في الخارج، والتدريب لم يعد مقتصرًا على الرجل فقط. بالإضافة إلى أن المشجعات قادرات على إسكات كل من يحاول أن يخبرهن بأنهن لا يفهمن بكرة القدم، كمحاولة للتقليل من شأنهن".

استطاعت النساء أن تفرض نفسها كمشجعات ولاعبات كرة قدم، في الوقت الذي ما زالت العقليات الذكورية تضعها في خانات مصنّفة جندريًا ولها أدوار مجتمعية محددة، حتى في الرياضة، حيث أن هنالك رياضة يجب أن تبقى للرجال وأخرى للنساء، حسب هذه العقليات. لا زالت النساء أقلية في هذا الحقل، أقلية ليست نابعة من انعدام رغباتهن في خوض هذا المجال، معرفيًا واحترافيًا، إنما من مباني مجتمعية واقتصادية ما زالت تساهم بطردهن خارجها، خوفًا على مصالحها ومنظومتها الذكورية. لكن، كما التغيير الإيجابي الذي يحصل على مستوى علاقة النساء في كرة القدم، ستواصل النساء شقّ الطرق التي أُغلقت بوجوههن، ووضع بصماتهن فيها.

رشا حلوة

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات