1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رشا حلوة: مظاهرات برلينية.. مشاهد احتفالية للتعبير عن قلق

رشا حلوة
٣٠ مايو ٢٠١٨

في مقالها* لـ DW عربية تنقل الكاتبة الصحفية رشا حلوة مشاهداتها من مظاهرات برلينية مناهضة لليمين الشعبوي، وتتساءل عن أسباب استمرار القلق من تنامي مظاهر الكراهية للاجئين والأجانب في ألمانيا، رغم الرفض الشعبي الواسع لها.

https://p.dw.com/p/2ya5V
arabisch Kolumnistin Rasha Hilwi
صورة من: DW/Rasha Hilwi

عند صباح الأحد، 27 أيار/ مايو، دعا اليمين الشعبوي، متمثلا في حزب البديل من أجل ألمانيا إلى مظاهرة في برلين ضد سياسة الحكومة الألمانية تجاه اللاجئين والهجرة، وبالمقابل، دعت مجموعات عديدة في برلين، منها النوادي الليلية (clubs)، مؤسسات المجتمع المدني، أحزاب وحركات سياسية، وغيرها إلى مظاهرة مناهضة لليمين الشعبوي وسياساته العنصرية والداعية للكراهية.

عند الحادية عشر صباحًا، خرجت 13 مظاهرة من مناطق مختلفة في برلين، امتدت من دائرة مقر المستشارة الألمانية ولغاية البرلمان، في الشوارع وعلى قوارب في النهر، تلاحق مسار مظاهرة "حزب البديل من أجل ألمانيا". حمل الناس أعلام من ورق لونها ذهبي لامع، بالإضافة إلى أعلام المثلية الجنسية ولافتات تصرّ على هوية برلين الحاضنة والمتقبلة لكل الناس والجنسيات والألوان، ففي البيان الذي دعت إليه النوادي الليلة، كُتب: "ثقافة النوادي الليلة هي كلّ شيء غير نازي، وكل ما يكرهه النازيون. نحن تقدميون، كوير، نسويون، شموليون، مناهضون للعنصرية، متنوعو الألوان. في حلبات الرقص لدينا ناس من جميع الخلفيات، مع رغبات متنوعة، وهويّات متغيرة وأذواق رفيعة. وعلى النقيض من ذلك، يجسّد حزب البديل من أجل ألمانيا صورًا قمعية، عنصرية وغير نسوية للمجتمع".

في حديث مع كارل أسايان من لبنان عن المظاهرة، قال: "ما رأيته في المظاهرة، هو ببساطة أناس جاؤوا لإظهار رفضهم لكل أشكال الكراهية. كان جميلًا رؤية عائلات مع أطفالهم، ألمان وغير ألمان وناس من هويات جنسية متنوعة، يتظاهرون سوية ضد كراهية الأجانب. سمعت بعض الناس من الجهة الأخرى، أي من مظاهرة اليمين الشعبوي، يهتفون: "ليس جميعنا نازيون". ولكن الأمر لا يتعلق فقط بهذا، أن لا تكون نازيًا لا يبرئك من كافة التهم، فالأمر متعلق بتقبل كل الناس بغض النظر عن أي شيء، وأن تضع نفسك مكانهم قبل إطلاق الأحكام عليهم، وبلا أحكام سيكون الأمر أفضل بكثير، وهذا ما يهمّ".

وصلتُ إلى بوابة "براندبورغ" عند حوالي الساعة الثانية ظهرًا، مع وصول مظاهرة قادمة باتجاه البوابة ومن ثم أخذت مسارًا باتجاه اليمين، حيث التقت بمظاهرة اليمين الشعبوي مع فصل أمني مشدد بين المظاهرتين، من الجهة المعاكسة ناس يحملون الأعلام الألمانية، ومن الجهة الأخرى، أي التي أقف معها، ناس يرفعون لافتات كُتب عليها: "العنصرية ليست بديلًا"، ومع التصفير والتصفيق، صرخ الناس: "النازيون إلى الخارج". من هذه النقطة إلى غيرها، مظاهرات بأعداد كبيرة تصل إلى نقاط تجمع اليمين الشعبوي، تحيطها، وتهتف ضد ما يمثلونه من قيّم كراهية وعنصرية، هذا الغضب الصارخ النابع من رفض وقلق، والذي تجسّد بالمدينة بأشكال وألوان عديدة، رافقه أجواء احتفالية وموسيقى من العالم؛ تعابير ثقافية منبثقة من هويّة برلين وأناسها.

في حديث عن المظاهرة مع غمدان الزعيتري من اليمن،  قال: " شكّلت المظاهرة المناهضة لليمين الشعبوي صدمة كبيرة غير متوقعة بسبب عدد الحضور وخاصة أن معظم المشاركين من مدينة برلين. الحضور الكبير يمثّل وجه برلين المتنوّع والذي يعيش فيها 185 جنسية من مختلف أنحاء العالم ولا مجال للأحزاب اليمينية المتطرفة لاختراق المجتمع البرليني، وهذا يعبّر بشكل واضح بأن برلين وهي العاصمة للجمهورية الألمانية ترفض الدعاية المغشوشة لليمين الشعبوي على قضية اللاجئين والإسلام".

على الرّغم من ما جلبته المظاهرة المناهضة لليمين الشعبوي، من مشاعر إيجابية مفادها الرفض لأفكار اليمين الشعبوي، إلا أن المحرّك الأساسي للمظاهرة هو القلق من هذه الأفكار، بدءًا بالقلق بفوز حزب البديل لألمانيا بنسبة 13% في البرلمان الألماني. في حديث مع حسن صابر من مصر، مقيم في برلين، قال: "رأيتهم في المظاهرة ولديَّ حالة من الخوف، على الرغم من أن عددنا في المظاهرة المناهضة أكثر، لكن هنالك خوف من حضور الأفكار التي تبثّ الكراهية والعداء والعنصرية بشكل علني، وهذه الأفكار يجب مواجهتها سياسيًا. لدي إحساس بأن المواجهة مع اليمين (الشعبوي) ليست سهلة، خاصة أن نجاحهم يعتمد على تضليل الناس وصرف نظرهم عن المشاكل الحقيقية، وعلى أن مشاكلهم سببها اللاجئين والمهاجرين. عددنا كان أكثر من عددهم، لكن المسألة تكمن في التأثير لا في العدد. في نهاية المطاف، عددهم أقل لكن أفكارهم موجودة في العلن، وهذا ما كان مرعبًا".

منصات عديدة كانت منثورة في المدينة، في شوارعها وداخل النهر، بالأساس في منطقة وسط المدينة، حيث التجمعات الرئيسية؛ هنالك منصات داخل عربات سيارات، شغّل ديجيهات موسيقاهم، ومنها لفرق موسيقية غنّت ضد الكراهية والعنصرية، وكذلك للخطابات، وعلى إحداهن، وقف أنس الباشا من سورية، ليحكي موقفه وقصته بالألمانية. في حديث معه حول خطابه، قال: "تحدثت عن جرائم بشار الأسد في سورية، وتطرقت إلى دعاية اليمين التي مفادها بأن هنالك مناطق آمنة في سورية، وبأنهم سوف يقدمون طلبات لترحيل اللاجئين مع بداية 2019. هنالك بعض وسائل الإعلام تساعد دعاية اليمين (الشعبوي) هذه بأن هنالك "أمان" في دمشق. الأمان لا يعني فقط عدم سقوط صواريخ على المدينة، فعدم الأمان يعني أيضًا امتلاء السجون بالمعتقلين وتعذيبهم. اليمين المتطرف يزداد يومًا بعد يوم، لكن عندما أرى المظاهرات المناهضة له في الشوارع، هذا يطمئنني، لأنه لن يأتي اليوم الذي سأضطر فيه للجوء من ألمانيا إلى بلد آخر".

بعد انتهاء يوم الأحد، تساءل الكثير عن الخطوات القادمة، وهل المظاهرات، حتى بالأعداد الكبيرة التي كانت، كافية لأن تحمي مستقبل ألمانيا من ازدياد مظاهر العنصرية والكراهية ضد اللاجئين والمهاجرين؟ في حديث مع ستيلا ميرس، فنانة مقيمة في برلين، قالت: "من المهم أن نواجه العنصرية والفاشية ضمن حركات أوسع، وتضيف بأن كون الفنانين أصبحوا أكثر تنظيمًا من الناحية السياسية، هي أمر مهم. كانت مظاهرة مناهضي اليمين الشعبوي، الأكبر من نوعها التي شاهدتها في برلين حتى الآن، وهذه إشارة بأن حزب البديل في ألمانيا يقلقنا جميعًا وبأننا نريد مجتمعا مرحبا وحاضنا. لكنني أرى أن هنالك مشكلة أيضًا على المستوى الطبقي/ الاقتصادي الألماني، وهذا مُستغل من قبل اليمين(الشعبوي). لذلك، ما لم يعجبني في المظاهرة هي ببساطة هتافات الكراهية المعاكسة، أستطيع أن أفهم الهتاف "كل برلين تكرهكم"، ولكنني لا أعتقد بأن هذا سيساعد. من المهم الحديث عن هذه الأزمة عبر منصات عديدة، وكذلك البحث بشكل معمق في الأسباب التي جعلت الناس تنتخب اليمين(الشعبوي)، وبالطبع، كل هذا يستغله السياسيون للتحريض ضد اللاجئين والأجانب".

تفاصيل كثيرة كانت مثلجة للصدر خلال المظاهرة المناهضة لليمين الشعبوي، منها التي تسنى لي رؤيتها وأنا أتنقل من مكان إلى آخر، ومنها تلك التي شاهدتها عبر الصور والفيديوهات التي نشرها الأصدقاء والصديقات، على أمل أن يحمل هذا الاحتجاج رؤية سياسية وثقافية مستقبلية، تؤمن مساحات بلا قلق وتتسع بالفعل للجميع.

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات