1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عمليات "فلسطينية" من لبنان.. "انتهاك للسيادة ومطالبة بمنعها"

٣١ أكتوبر ٢٠٢٣

مع كل ضجيج الحياة اليومية في أزقة مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان المكتظة والمزدحمة بشرا وحجرا، يكاد صوت المراسلين من غزة يطغى على كل هذا الضجيج. فيما تبدو الأصداء في المشهد السياسي والشارع اللبنانيين قاتمة.

https://p.dw.com/p/4YCda
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المكتظة
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المكتظةصورة من: Mohamad Chreyteh/DW


لا تكاد تمر من أمام بيت او دكان إلا ويتناهى إلى مسمعك آخر الأخبار، أو ترى مجموعة من الأطفال والنساء والرجال يتجمعون مشدوهين أمام تلفاز المقهى لمتابعة مجريات الحرب في غزة وإسرائيل.

تحتل غزة الفضاء السمعي والبصري في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والممتدة من عمر اللجوء الأول سنة 1948، حينها بالكاد مضى على استقلال لبنان خمس سنوات نتيجة عقد شفهي لتقاسم السلطة بين مسلميه ومسيحييه، عرف باسم "الميثاق الوطني".

شكل هذا اللجوء، وغالبيته المطلقة من المسلمين، تحديا هائلا لميثاق بالكاد استطاع تنظيم العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في   لبنان. وسرعان ما تحول من ضغط اقتصادي إلى عسكري مع تشكل مجموعات "فدائية" فلسطينية تنفذ عملياتها ضد إسرائيل من جنوب لبنان، فينتهي الأمر برد عسكري يدفع ثمنه اللبنانيون.

 التوتر العسكري، أضاف بعدا طائفيا للصراع اليساري- اليميني وقتها، فجاء "اتفاق القاهرة" سنة 1969 (في ظل حكم الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر) ليعطى "الشرعية" لعمليات المقاتلين الفلسطينيين من جنوب لبنان ضمن منطقة اصطلح على تسميتها بـ "فتح لاند" نسبة لحركة فتح.

أحداث ما عرف باسم "أيلول الأسود" سنة 1970 بين الجيش الأردني بقيادة الملك الراحل الحسين بن طلال من جهة، وفصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" بقيادة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من جهة أخرى، نقلت المنظمة بكل ثقلها العسكري والسياسي إلى  لبنان، وصارت لاعبا مؤثرا في مسار الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975، وشكل عرفات فيها رافدا أساسيا لـ "الحركة الوطنية" التي شكلها اليسار اللبناني في غرب بيروت ذات الغالبية المسلمة، بمواجهة "الجبهة اللبنانية" التي ضمت أحزاب اليمين المسيحي.

جانب من مخيم شاتيلا للاجئبين الفلسطينيين
جانب من مخيم شاتيلا للاجئبين الفلسطينيين صورة من: Mohamad Chreyteh/DW

استمر هذا الواقع يلقي بثقله على الحرب الأهلية اللبنانية إلى أن انتهى بالاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وإجبار عرفات ومقاتليه على مغادرة بيروت إلى تونس. وذلك في أعقاب تطورات دراماتيكية، إذ اتهمت إسرائيل منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات التي كانت تتخذ من بيروت مقرا لها، بالتخطيط لإعتداءات داخل إسرائيل. وفي 6 يونيو/ حزيران 1982 هاجمت إسرائيل لبنان. وانتهت الحرب في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه واضطرت منظمة التحرير(عرفات ومقاتليه) إلى مغادرة بيروت إلى تونس. وفي مايو/ أيار عام 2000 أنهت إسرائيل احتلالها في جنوب لبنان ونفذت انسحابا أحادي الجانب من المنطقة.

غزة توحّد فلسطينيي لبنان المشتتين

لم يكد يمر يومان على الهجوم الدموي غير المسبوق الذي نفذته "حماس" ضد إسرائيل، حتى أعلن "الجهاد الإسلامي" مسؤوليته عن عملية تسلل من  الحدود اللبنانية   جنوبا وتنفيذ اشتباك مع جنود الجيش الإسرائيلي. توالت منذ ذلك الحين العمليات العسكرية التي يشنها "حزب الله" عند الحدود مع إسرائيل، كما تبنت مجموعات فلسطينية مسلحة تابعة لكل من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" عمليات إطلاق صواريخ من جنوب لبنان   باتجاه شمال إسرائيل.

على الرغم من الخلافات الفلسطينية-الفلسطينية خصوصا بين منظمة "فتح" من جهة، وكل من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" من جهة أخرى والتي تجلت مؤخرا في معارك دامية شهدها مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بالقرب من مدينة صيدا جنوب لبنان واستمرت لعدة أسابيع، إلا أن الجو الفلسطيني العام في مخيمات لبنان اليوم متفق حول "التضامن" مع غزة.

ويقول مصدر فلسطيني مسؤول من داخل أحد مخيمات مدينة صور، فضل عدم الكشف عن اسمه، "لا نقول إن كل الفلسطينيين موحدون في تأييد التصعيد من لبنان، لكن الجو العاطفي الآن يطغى وكله مؤيد لما يمكن أن يخفف عن أهلنا في غزة".

ويذكر أن حركة    حماس  هي مجموعة مسلحة فلسطينية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية. ويشار إلى أنّ حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية تصنف على أنها منظمة إرهابية، وهناك دلالات على تبعيتها لإيران.

لبنان ومعضلة السلاح الفلسطيني

شكل التبني الصريح للعمليات من قبل   فصائل فلسطينية  تتلقى دعما إيرانيا مباشرا وتنسق مع "حزب الله"، سابقة لم يشهدها لبنان منذ سنوات طوال. وأعاد ذلك إلى الاذهان مخاوف واعتراض لبناني على ظهور "فتح لاند" أخرى بما تعنيه من انتهاك للسيادة اللبنانية، يضاف اليه مصادرة "حزب الله" أساساً لقراري الحرب والسلم متجاوزا إرادة السلطات الدستورية المنتخبة.

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان
اللاجئون الفلسطينيون في لبنان صورة من: Mohamad Chreyteh/DW

وفي هذا الإطار، يرى مارك ضو، النائب في البرلمان اللبناني عن الكتلة التغييرية لثورة "17 تشرين"، لـ DW ان ما يحصل "كله بتنسيق كامل وتحت مظلة "حزب الله" لتحريك الجبهة الجنوبية وتوجيه رسائل من خلال اشراك فصائل فلسطينية في المواجهة".

ويتهم ضو، "حزب الله" بأنه يكرس "فتح لاند" مرة أخرى "لأن فتح لاند ليست جغرافية، بل هي فكرة (تتمثل في) القيام بعمل عسكري من دون التنسيق مع  القيادة اللبنانية السياسية   والجيش اللبناني، بما يختلف والأجندة الوطنية اللبنانية. وهذا بالضبط ما يفعله حزب الله منذ امساكه بملف الحرب والسلم من خارج إرادة الدولة اللبنانية. هو نفس الخطأ التاريخي الذي أوجد فتح لاند (في الستينات) في ظل غياب سياسة وطنية تحمي لبنان".

من ناحيته، يعتبر ناجي حايك، نائب رئيس "التيار الوطني الحر" وهو الحليف المسيحي الأقرب لحزب الله"، انه بغض النظر عما إذا كانت هجمات الفصائل الفلسطينية منسقة مع "حزب الله" أم لا، فإن المنطقة التي تنفذ فيها العمليات "منطقة عسكرية ويجب على الجيش اللبناني وحزب الله ان يكونا على علم بإطلاق فصائل فلسطينية للصواريخ وأن يقوما بإيقاف ذلك لأن هذه المجموعات غير المنضبطة يمكن ان تجرنا (اللبنانيين) إلى حرب مع إسرائيل نحن بغنى عنها".

ويرفض حايك "هذا السلاح الفلسطيني المتفلت الذي يمكن أن يهدد سلامة اللبنانيين عند استخدامه خارجيا وداخليا أيضا"، ويشدد على أن "لا بيئة لبنانية حاضنة لهذا السلاح فيما غالبية القوى السياسية اللبنانية ترفض العودة إلى "فتح لاند" جديدة."

الصحافي والمحلل السياسي اللبناني داود رمال، القريب من "حزب الله"، ذهب أبعد من ذلك ووصف، لـ DW، ما تقوم به "حماس" بأنه "استباحة ساحة الجنوب" واتهم حماس بـ "تجاوز ليس السيادة اللبنانية والدولة اللبنانية فقط، انما المجتمع أيضا"، لكنه رفض تحميل الحزب مسؤولية هذه العمليات، مشددا على أن حزب الله "لا يستطيع منع أي مقاوم ضد إسرائيل" وهو "ليس حرس حدود لإسرائيل"، مشددا على أن منع هذه العمليات هي  "مسؤولية الدولة اللبنانية".

ورغم تأييده لأعمال "حزب الله" يؤكد رمّال أن ما تقوم به الفصائل الفلسطينية "وتحديدا حماس هو انتهاك للسيادة اللبنانية  ويتعارض مع الاجماع اللبناني الرافض لاستباحة الجنوب من قبل أي فصيل غير لبناني"، مضيفا ان ذلك مرفوض أيضا من أهالي الجنوب، ومن ضمنهم "جمهور حزب الله ".

العلم الفلسطيني في أزقة مخيم اللاجئين في لبنان
العلم الفلسطيني في أزقة مخيم اللاجئين في لبنان صورة من: Mohamad Chreyteh/DW

وقال ان "الممارسات التي نشهدها اليوم إذا لم تضبط ستجعل الامور أسوأ مما كانت عليه قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، لأن دخول العامل الفلسطيني إلى المواجهة عبر الجبهة الجنوبية هو خارج إرادة اللبنانيين وستكبد لبنان والمخيمات الفلسطينية أثمانا باهظة جدا في الأرواح والممتلكات".

لا يتفق حايك مع رمّال على تحييد حزب الله فيما يخص العمل الفلسطيني المسلح من جنوب لبنان، "هناك مسؤولية يتحملها  حزب الله، لكن المسؤولية الكبرى لضبط الفصائل الفلسطينية تقع على عاتق الجيش اللبناني الذي يجب ان يطبق القرار الدولي رقم 1701، خصوصا لجهة منع ضرب الصواريخ".

من جهته يبدي النائب مارك ضو معارضة أوضح من خلال اعتباره كل  العمليات العسكرية  التي تتم انطلاقا من الجنوب اللبناني "ينسقها ويسلحها ويحركها حزب الله بكل منطقة الجنوب، وهو على دراية بها ومسؤول عنها".

وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس الاثنين(30 اكتوبر/ تشرين الأول) الحالي، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي أنه يعمل على "تجنيب لبنان دخول الحرب".

وكان ميقاتي قد أكد في وقت سابق (منتصف العام الحالي)، التزام لبنان بمندرجات القرار الدولي رقم 1701 والتنسيق بين الجيش وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان  "اليونيفيل" للحفاظ على الاستقرار في الجنوب وعلى طول الحدود اللبنانية".

وبموجب القرار 1701 الصادر عن مجلس الامن الدولي تم نشر القوات الدولية في جنوب لبنان ووضع حدا للعمليات الحربية بين حزب الله واسرائيل في صيف 2006 بعد نزاع استمر 33 يوما وتسبب بمقتل 1200 شخص في الجانب اللبناني و120 شخصا في الجانب الاسرائيلي.

وفي أحدث قرار لمجلس الأمن الدولي يقضي بتجديد التفويض لبعثة"الونيفيل"أكد مجلس الأمن، في نهاية شهر أغسطس/ آب 2023، في قراره رقم 2695 من جديد دعوته لجميع الدول إلى تقديم الدعم والاحترام الكاملين لإنشاء منطقة "خالية من أي أفراد مسلحين وأصول وأسلحة" باستثناء تلك التابعة للحكومة اللبنانية واليونيفيل جنوب نهر الليطاني، وأدان المجلس استمرار احتفاظ الجماعات المسلحة بالأسلحة خارج سيطرة الدولة اللبنانية في انتهاك للقرار 1701.

وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأغلبية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ "منظمة إرهابية".

محمد شريتح - بيروت