1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

انتخابات الجزائر ـ المقاطعة تُفاقم الهوة بين الشعب والنظام

حسن زنيند
١٦ يونيو ٢٠٢١

شكلت نسبة المقاطعة القياسية السمة الأبرز في الانتخابات التشريعية الجزائرية في تكرار لسيناريو الاستفتاء على الدستور الذي شهد بدوره عزوف الناخبين، ما يُكرس القطيعة بين قطاعات واسعة من الشعب الجزائري ومؤسسات النظام.

https://p.dw.com/p/3v2bg
عبد المجيد تبون خلال حفل تنصيبه رئيسا (19 ديسمبر/ كانون الأول 2021)
عبد المجيد تبون خلال حفل تنصيبه رئيسا (19 ديسمبر/ كانون الأول 2021)صورة من: picture-alliance/AP Photo/T. Doudou

بعد عامين من إجبار الحراك الشعبي في الجزائر الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على التنحي (أبريل/ نيسان 2019) تتويجا لأسابيع من الاحتجاجات، لا تزال الجزائر في مفترق الطرق وفقا لمنطق "تغيير كل شيء حتى لا يتغير أي شيئ". وبهذا الصدد أوضح الصحفي الجزائري خالد درارني في تصريح نقلته شبكة "أ.إير.دي" الألمانية (12 يونيو/ حزيران 2021) "بعد عامين، نرى أنه لم يتغير شيء تقريبا". درارني نفسه تم اعتقاله عشية الانتخابات إلى جانب الصحافي إحسان قاضي والناشط السياسي كريم تابو، ليطلق سراحهم بعد أكثر من ثلاثين ساعة من الاعتقال. شكليا تسعى هذه الانتخابات المبكرة إلى تجديد المؤسسة التشريعية باختيار 407 من النواب في مجلس الشعب الوطني (مجلس النواب) لولاية مدّتها خمس سنوات. وتنافست 2.288 قائمة تضمّ أكثر من 22 ألف مرشّح على الفوز، منهم أكثر من 1.200 "مستقلّ"، في سابقة من نوعها. وحصلت هذه القوائم على دعم علني من النظام الذي يعمل جاهدا لتجديد شرعيته أمام حراك شعبي واسع يطالب بتغييرات جذرية.

نتائج الاقتراع كرست الاستمرارية بفوز جبهة التحرير الوطني (الحزب العتيد الحاكم)، في هذه الانتخابات رغم التراجع الكبير في شعبيته لكونه كان يمثل الواجهة السياسية لنسق حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وأعلن رئيس السلطة الوطنية المستقلّة للانتخابات محمد شرفي أن الجبهة حلّت في المركز الأول بحصولها على 105 مقاعد من أصل 407، تبعها المرشّحون المستقلّون الذين حصدوا 78 مقعداً. غير أن الجبهة سجّلت مع ذلك تراجعاً كبيراً إذ خسرت 50 مقعداً وبات تسيطر على أقلّ من ربع أعضاء المجلس الجديد. فيما استحوذ حليفها التقليدي حزب "التجمّع الوطني الديموقراطي" على 57 مقعداً (14%) وحلّ رابعاً. أمّا الحزب الإسلامي الرئيسي في البلاد، حركة مجتمع السلم، الذي سبق وأن أعلن تصدّره الانتخابات، فحلّ ثالثاً بـ 64 مقعداً. نتائج من شأنها أن تجعل المشهد السياسي يبدو أكثر غموضا، إذ لم تحصل أي قوة سياسية على أغلبية تمكنها من تشكيل الحكومة. وبالنظر لنسبة المشاركة المفزعة في مستوى تدنيها (23%)، سيكون هذا المجلس الأضعف من حيث الشرعية في تاريخ البلاد منذ استقلالها عام 1962.

 

المقاطعة ـ السلاح الأكثر فتكا في يد المعارضة

كما في الاستحقاقين السابقين في مرحلة ما بعد الحراك (الانتخابات الرئاسية والاستفتاء الدستوري)، شكلت نسبة المشاركة الرهان الرئيسيّ في الاقتراع، 23 % هي أدنى نسبة مشاركة في تاريخ البلاد وفق "السلطة الوطنية المستقلّة للانتخابات" التي كشفت عن هذه النتائج (الثلاثاء 15 يونيو/ حزيران 2021) وهو رقم تعتبره أطياف من المعارضة ومن رموز الحراك أقل بكثير من الواقع. وبمقارنة الأرقام الرسمية فقد وصلت نسبة المشاركة إلى 35.70% في الانتخابات التشريعيّة الأخيرة عام 2017 و42.90% في انتخابات 2012. أما نسبة مشاركة الجزائريّين المقيمين في الخارج فانهارت تماما ولم تتجاوز 5% وفق نفس المصدر. وعلى غرار المواعيد الانتخابيّة السابقة، فإنّ المقاطعة الشاملة كانت سيدة الموقف في ولايات منطقة القبائل (بجاية، البويرة وتيزي وزو) حيث لم تتجاوز 1%. وتعتبر القبائل منطقة متمردة تقليديًا ضد السلطة المركزية في العاصمة. وتميز الاقتراع بإغلاق العديد من مراكز الاقتراع، فيما نقلت مواقع التواصل الاجتماعي صور لبطاقات تصويت مرمية في الشوارع كما حدثت مواجهات محدودة بين مواطنين ورجال الأمن.

مسائيةDW  : الجزائر بعد رحيل القايد صالح.. إلى أين؟

"فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ" كتبت (12 يونيو) أن "الامتناع عن التصويت كان دائما السلاح الأكثر فتكا الذي تستعمله المعارضة والنقطة الأكثر إيلاما للنظام". صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" (12 يونيو) ذهبت في نفس الاتجاه وكتبت "خلال أشهر خرج الآلاف من الجزائريين بانتظام إلى الشوارع للمطالبة بمزيد من الديمقراطية والإصلاحات الأساسية. إلا أنهم يرون أن مطالبهم لن تتحقق بهذا الاقتراع فـ"غالبية السكان لا يريدون هذه الانتخابات"، تقول الصحيفة في استشهاد بأستاذ العلوم السياسية رشيد أوعيسى (جزائري الأصل) من جامعة ماربورغ الألمانية.

 

ثالث فشل انتخابي للرئيس عبد المجيد تبون

الهوة تزداد وتتفاقم بين مطالب الحراك الشعبي والمتمثلة في تغيير جذري لنظام الحكم، بعودة الجيش إلى الثكنات واكتفائه بمهامه الدستورية. حراك يطالب بدولة الحق والقانون والتحوّل الديموقراطي وسيادة الشعب واستقلال القضاء. أما النظام فانتهج خارطة طريق سماها بـ"الدستورية" مرت بثلاث محطات لحد الآن (الانتخابات الرئاسية، الاستفتاء الدستوري ثم الانتخابات التشريعية). أجندة يسعى من خلالها إلى طي صفحة عامين من اضطرابات سياسية تزامنت مع انهيار أسعار النفط وجائحة كورونا. الانتخابات الرئاسيّة لعام 2019، التي وضعتعبد المجيد تبون على كرسي الرئاسة لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 40%. تبون فشل في اقناع الناخبين الذين قاطعوا في أغلبيتهم كل الاستحقاقات في عهده لاقتناع الكثيرين منهم بأن السلطة الحقيقية توجد في يد الجيش وليس في صناديق لاقتراع.

ويبدو أن تبون نفسه استسلم للوضع ولم يعد يأمل في تعبئة الجزائريين لدرجة أنه صرح مباشرة بعد إدلائه بصوته (السبت 12 يونيو) وقال إنّه "بالنسبة لي، فإنّ نسبة المشاركة لا تهمّ. ما يهمّني أنّ من يصوّت عليهم الشعب لديهم الشرعيّة الكافية لأخذ زمام السلطة التشريعيّة". وهناك من المراقبين من يرى أن النقص في شرعية الرئيس سيضعه في مهب ريح المؤسسة العسكرية، وبالتالي سيرتبط مصيره بها أكثر من أي وقت مضى.

 

جنرالات الجيش مصرون على الاحتفاظ بالسلطة

 كتب موقع "أ.إير.دي" الألماني أن جنرالات الجيش الجزائري يسعى بكل الوسائل إلى الاحتفاظ بالسلطة كما فعلوا دائما، فهم لا يزالون يمسكون بخيوط اللعبة، وفقًا لمنتقدي النظام، ليس فقط بهدف السيطرة على الحياة السياسة ولكن أيضا للحفاظ على امتيازاتهم الاقتصادية. واستشهد الموقع برأي ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر الذي ذهب إلى القول إن الفساد المستشري يمكن أن يكون سببا في رفض التغيير. فالأشخاص الذين لديهم سلطة لا يريدون التغيير اعتقادا منهم أن ذلك يضمن امتيازاتهم بشكل أفضل. وأضاف "نحن نتحدث عن مليارات الدولارات التي يتم تبذيرها (..) التغييرات التي تحدث، تكون شكلية، يمكن أن يكون رئيسًا، أو رئيس حكومة، أو برلمان وما إلى ذلك، لكن جوهر النظام وشكله لن يتغيروا".

خليفة القايد صالح...خبير دبابات قريب من الميدان بعيد عن الإعلام

"دولة مدنية، ليس عسكرية" من أهم مطالب الحراك الذي يطالب الجنرالات برفع أيديهم عن السياسة، وهو يعتبر بالتالي أي انتخابات مجرد مسرحية تكرس نظام الحكم العسكري كما كان عليه الأمر منذ استقلال البلاد، رغم أن وزارة الدفاع شددت في أكثر من مناسبة أن الجيش الجزائري لن يتدخل في المسار انتخابي، إلا من حيث ضمان سيره في أمن وطمأنينة، بما "يسمح للشعب التعبير بكل حرية وشفافية عن اختياره الحر لمن يمثله في السلطة التشريعية دون ضغط أو إكراه" لكن شتانا بين الأقوال والأفعال.

 

مصير الحراك ـ إصرار على الاستمرار رغم القمع

استنفرت السلطات الجزائرية قوات الأمن بمختلف تشكيلاتها خلال الأسابيع التي سبقت الاستحقاق الانتخابي ومنعت بالقوة مسيرات الحراك الشعبي. رئيس أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة، حذر من "أي مخطط أو فعل يهدف الى التشويش على سير" العملية الانتخابية. ووظفت الحكومة (تنظر اليها المعارضة كواجهة مدنية للحكم العسكري) كل الوسائل لكسر شوكة الحراك. سواء بمنع المسيرات أو تكثيف الاعتقالات والمتابعات القضائية ضد المعارضين. وتدعي الحكومة في روايتها الرسمية أنها استجابت للمطالب الرئيسية لـ"الحراك المبارك الأصيل" الذي أدى إلى تنحي عبد العزيز بوتفليقة وما تسميه بـ"العصابة"، وترى بالتالي، أنه لم تعد هناك أي شرعية لمواصلة الحراك السلمي الذي بات في خدمة أجندات "أطراف أجنبية" معادية للجزائر. حركة القمع الواسعة ضد نشطاء الحراك، تظهر في عدد نشطاء الرأي الذين يقبعون خلف القضبان والذين لا يقل عددهم عن 222 سجين، اعتقلوا بسبب نشاطهم في الحراك أو بسبب الدفاع عن الحريات الفردية، حسب اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين. وباتت السلطات تشترط طلب ترخيص لكل مظاهرة والحصول على موافقة مسبقة. ولمنع الاحتجاجات في الجزائر ذهبت إلى حد تعليق عمل خطوط القطارات وقطع الإنترنت. وهكذا أصبح كل من يتجرأ على الاحتجاج معرض للاعتقال.

ولفهم آفاق الحراك، حاول الباحثان إيزابيل فيرنفيلس ولوكا ميهه من مؤسسة SWP للعلوم والسياسة في برلين (14 فبراير/ شباط 2020)، استشراف مصير هذه الهبة الشعبية وحظوظ انتصارها. وأكد الباحثان أن أهم إنجازات الحراك هو التعبئة الجماهرية وإعادة تسييس المجتمع الذي ظل بعيدًا عن المشاركة السياسية لسنوات عديدة بسبب حظر التظاهر وقمع الأجهزة الأمنية، إضافة إلى صدمة الحرب الأهلية في التسعينيات وسياسة الريع التي اتبعتها الدولة بسبب الطفرة النفطية. وحذر الباحثان قبل عام من مخاطر "تحول المسيرات الأسبوعية إلى غاية في حد ذاتها. فهي توفر مداخل للنظام من أجل المراوغة والاستقطاب والتلاعب. هناك بالفعل خلاف عميق حول كيفية التعامل مع عروض النظام للحوار (..) وأخيرًا وليسب آخر، تفاقم الأزمة الاقتصادية التي قد تجعل المطالب الاجتماعية والاقتصادية تطغى على المطالب السياسية".

مصطفى البوشاشي يحذر من رموز النظام الجزائري و خطورة المادة 102

الجزائر الجديدة ـ تراجع واسع للحريات والحقوق

اتجهت السلطات الجزائرية الأشهر الأخيرة لرفع وتيرة القمع وهكذا صنفت "حركة استقلال منطقة القبائل" و"حركة رشاد" ضمن قائمة "المنظمات الإرهابية" ( 18 مايو/ أيار2021). وعرف ضغط السلطات أوجه عشية الانتخابات باعتقال الصحافيين الجزائريين البارزين خالد درارني وإحسان القاضي لأكثر من ثلاثين ساعة، إضافة إلى الناشط السياسي المعارض كريم تابو وذلك "بشكل تعسفي من دون سبب واضح"، كما أوضح درارني في تدوينة له على الفيسبوك. وسبق لدرارني أن أدين بالسجن بتهمة "التحريض على التجمع غير المسلح" و"المساس بسلامة وحدة الوطن"، وذلك بعد تغطيته تظاهرة للحراك في آذار/ مارس 2020. وأفرج عنه بعد ذلك مؤقتا في انتظار محاكمة جديدة، ووُضع تحت الرقابة القضائية.  وتحول درارني إلى رمز لحرية التعبير ومطالب الحراك بعد حملة تضامن دولية واسعة.

 كما تم اعتقال الصحافي إحسان القاضي مدير "راديو.إم" وموقع "مغرب ايمارجان". وأوضح القاضي في بيان أنه جرى استنطاقه حول "عمليات تمويل محددة"، لا سيما التمويل المشترك لجائزة حول الصحافة الاستقصائية وحول تدريب صحافيين يعملون معه عام 2015 في إطار مشروع تعاون مع "الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية". واستطرد إحسان القاضي أن "المضايقات الأمنية والقضائية التي أتعرض لها والتي تأتي في نفس سياق سجن خالد درارني مؤخرا وكذا حجب مواقعنا الالكترونية، يجب أن تتوقف". وتتهم السلطات القاضي بنشر معلومات "من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية" ويُتابع بموجب فصل قانوني يدين كل من "يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية أو يعتد بها للمساس بمؤسسات الجمهورية، أو لإضعاف الدولة"، والمقصود هنا سنوات الحرب الأهلية بين 1992 و2002 التي تعرف باسم "العشرية السوداء". ومن آخر فصول هذه السياسة إعلان الحكومة سحب الاعتماد من ممثلي القناة الإخبارية الفرنسية "فرانس 24" بالجزائر بدعوى "التحامل المتكرر من قبل هذه القناة على الجزائر ومؤسساتها". وقد جاءت الجزائر في المرتبة 146 (من بين 180 دولة) في التصنيف الدولي لحرية الصحافة الذي وضعته منظمة "مراسلون بلا حدود" عام 2021. 

حسن زنيند