1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رسالة المستمع د. غازي فيصل

٨ يوليو ٢٠٠٨

ملاحظات حول اتفاقية التعاون الإستراتيجي بين واشنطن وبغداد

https://p.dw.com/p/EYjM

صدر إعلان المبادئ حول العلاقة الإستراتيجية الطويلة الأمد للتعاون والصداقة بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية والمتضمن ثلاث خطوات لتطبيع العلاقات بين البلدين. وهذه العلاقة ستخدم ، وفق تعبير الاتفاقية: " مصلحة الأجيال القادمة من أجل عراق حر، ديمقراطي، تعددي، فدرالي، وموحد ". وتتضمن علاقة التعاون مجموعة من القضايا، في مقدمتها التعاون في الحقول السياسية، الاقتصادية، الثقافية، والأمنية. بمعنى آخر، تلتزم واشنطن بتوفير الحماية السياسية والدعم للحكومة العراقية التي أسست تحت سلطة الاحتلال الأمريكي غير المشروع للعراق والذي يشكل انتهاكاً خطيراً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي لم يسبق له مثيل في تاريخنا المعاصر. كما تعطي الولايات المتحدة أهمية استثنائية لعلاقات التعاون الاقتصادية في إطار التزامها بإعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية للعراق ودعم اندماجه في المنظمات المالية والاقتصادية الإقليمية والدولية، وتشجيع تدفق الاستثمارات الأجنبية عليه، خصوصا الاستثمارات الأمريكية، إلى جانب تعهد واشنطن بدعم جهود العراق للحصول على شروط تجارية إيجابية وتفضيلية في السوق العالمية بما في ذلك الانتساب إلى منظمة التجارة العالمية ووضع الدولة الأكثر تفضيلا مع الولايات المتحدة، والهدف الحقيقي استحواذ الشركات النفطية الأمريكية على حقول النفط العراقية العملاقة التي تقدر احتياطياتها بين 240-300 مليار طن ويصل عمرها لأكثر من 200 عام قادمة. وتناول الجانب الأمني تعهداً أمريكياً لتوفير ضمانات والتزامات أمنية للعراق لمنع أي اعتداء خارجي ينتهك سيادته وسلامة أراضيه، أو مياهه، أو مجاله الجوي. إلى جانب دعم العراق في جهوده لمكافحة الجماعات الإرهابية وتدمير شبكاتها اللوجستية ومصادر تموينها وهذا الدعم سيوفر تمشيا مع آليات وترتيبات سيجري تأسيسها في اتفاقات التعاون الثنائي العسكري المذكورة في هذه الوثيقة، حيث تشير المعلومات المتداولة على منح الولايات المتحدة الحق بالسيطرة على السيادة الجوية للعراق حتى 29,000 قدم وبإقامة 50 قاعدة عسكرية دائمة لمختلف الأغراض على الأراضي العراقية، مع التعهد بتوفير الحصانات للجيش الأمريكي ولشركات الحماية الأمنية الأمريكية البالغ عديد قواتها 150000 بعدم خضوع منتسبيهم للمسائلة أمام ألقضاء والقوانين العراقية في حالة القيام بتنفيذ حملات الاعتقالات أو قتل المواطنين العراقيين تحت ذريعة الحق الشرعي في الدفاع الذاتي عن النفس التي راح ضحيتها أكثر من 1000000 مواطن عراقي، إضافة لتمتع الجيش الأمريكي بالحق بإجراء نشاطاتَ عسكريةَ في العراق بدون إسْتِشارة حكومةِ بغداد المنقوصة السيادة. إن الحكومة العراقية، التابعة لسلطة الاحتلال الأمريكي طالبت مجلس الأمن العام الماضي تمديد انتداب القوة المتعددة الجنسيات في العراق وفقا للفصل السابع للأمم المتحدة لمرة أخيرة تنتهي في 31 ديسمبر 2008 وكشرط لهذا الطلب، سينتهي وضع العراق بموجب الفصل السابع وتصنيفه كدولة تهدد السلام والأمن الدوليين، وسيعود إلى الوضع القانوني والدولي الذي كان يتمتع به قبل صدور قرار مجلس الأمن رقم 661 (في أغسطس1990). بناء على هذه المبادئ أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بدء المفاوضات الثنائية بين جمهورية العراق والولايات المتحدة بهدف التوصل لاتفاقات بين الحكومتين لتنظيم علاقات الهيمنة السياسية والثقافية، الاقتصادية والأمنية، قبل 31 يوليو 2008. وبينت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، ان رايان كروكر سفير واشنطن في بغداد قد بدأ " محادثات حول إطار عام أساسي لتطبيع العلاقات مع الحكومة العراقية، بما فيه الاتفاق على وضع القوات الأمريكية ". وحثت الكونجرس والشعب الأمريكي على: " دعم هذه الجهود التي يبذلها كبار مسؤولينا الدبلوماسيين والعسكريين في هذه المحادثات، التي نرى أهمية كبيرة لها فيما يتمخض عنه مستقبل العراق من نجاح، ينعكس إيجاباً على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأمنها "، حيث ينتشر اليوم في العراق 151,000 جندي أمريكي ، ومن المعروف أن ما يزيد على 115 دولة من شتى دول العالم، توصلت لعقد الاتفاقيات المنظمة لوجود القوات الأمريكية فيها، وبما يتناسب وظروف كل بلد، إضافة إلى أخذ هذه الاتفاقيات بالمتطلبات الخاصة بوجود القوات الأمريكية هناك. أن النقاش داخل الولايات المتحدة، كما تشير وزيرة الخارجية الأمريكية: "يدور حول مستقبل وجودنا العسكري في العراق، وكذلك حول تشكيل هذه القوات ومهمتها المستقبلية هناك، وعليه فإننا بحاجة إلى تحديد الأسس الرئيسية لوجودنا العسكري في المحادثات "، بما فيها الأسس، المتعلقة " بالتفويض والاختصاصات اللازمة التي تمكّن قواتنا من القيام بمهامها الأساسية على نحو فاعل". فالولايات المتحدة بحاجة ماسة، وفق تصور كوندوليزا رايس إلى: " تحديد إطار رئيسي يمكّن من إقامة علاقة وطيدة وراسخة مع العراق، من شأنها التعبير عن مصالحنا السياسية والاقتصادية والثقافية المشتركة ". والمثير للاستغراب اعتبار كوندوليزا رايس أن " حسن التطبيق المتعارف عليه بشأن هذا النوع من الاتفاقيات، لن يقتضي المصادقة عليه من قبل مجلس الشيوخ "، بمعنى آخر أن السلطة التشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك الحق الدستوري بإجازة الحرب وتعمل نحو تحقيق السلام، لا تمتلك اليوم فرصة مناقشة أو إقرار اتفاقية إستراتيجية خطيرة تتطلب نشر القواعد والقوات المسلحة الأمريكية للاستمرار في حرب عدمية على العراق التي كلفت لحد الآن واشنطن أكثر من 3.5 تريليون دولار وعرضت الاقتصاد العالمي لأزمات خطيرة آخرها ارتفاع أسعار النفط والغاز والمواد الغذائية بصورة جنونية مما يدفع حياة البشرية نحو كوارث عديدة تهدد مستقبل الأمن في عالمنا المشترك. إن اتفاقية التعاون الإستراتيجية تمثل محاولة من الإدارة الأميركية لاستبدال الانتداب الذي تمارسه على العراق وفق قرار الأمم المتحدة المرقم 1709 والصادر بعد الاحتلال عام 2003 لتنظيم العلاقة بين البلدين بموجب وثيقة تلزم الحكومة العراقية بوصفها تمثل الشرعية الدستورية لاحتلال العراق، للتوقيع على الاتفاقية ألتي تُعد مخالفة لاتفاقية فيينا الدولية التي تنص على: أن الدول يجب أن تكون لديها الحرية في توقيع الاتفاقيات، أي أن الاتفاقيات التي توقعها الحكومات الموضوعة تحت الوصاية أو تحت الانتداب أو تحت سلطة الاحتلال لاتتمتع بالأهلية ولاتكون ملزمة للدولة بعد الاستقلال. كما تلزم اتفاقيات جنيف وفيينا دول الاحتلال بأن لا تغير قوانين الدول الخاضعة للاحتلال وهذا مالم تلتزم به واشنطن خلال السنوات الخمس الماضية. فالعراق اليوم لايتمتع بحقوق سيادية ولا بحرية التعامل وبناء العلاقات مع الدول بسبب خضوعه لسلطة الاحتلال ألعسكري الأمريكي وبفعل وجود أكثر من ربع مليون أجنبي من المدنيين يحكمون العراق. الاتفاقية نفسها في الفقرة الرابعة من المادة الرابعة تنص: على أن السلطات الأميركية هي التي تتولى الجانب الأمني في العراق وهي التي تتولى السلطة على المواطنين العراقيين فتستطيع أن تعتقل من تشاء، يضاف إلى ذلك أن سلطات الاحتلال أو السلطة الأميركية لها الحماية والحصانة من القانون العراقي أي أنها تمارس ما تشاء من السلطات دون أن تكون مسؤولة أمام السلطات العراقية أو القضاء العراقي. كما تنص الفقرة الأولى من المادة السادسة على عدم جواز تعديل هذه الاتفاقية إلا بموجب موافقة خطية من الولايات المتحدة والعراق على التعديل، أي أن هذه الاتفاقية تعد سارية المفعول ولا يجوز تعديلها من جانب العراق إلا بموافقة الطرفين. كما لا تشير الاتفاقية إلى عدد الجنود ولا إلى المعدات أو الصلاحيات ولا تشير إلى القانون الذي سيكون ملزما للجيش الأمريكي. ويجري النقاش اليوم في الكونغرس لإلزام الإدارة الأميركية لإجبار العراق على دفع الأموال والكلف للجيش الأمريكي بدلاً عن دافع الضرائب الأميركي. لذا تعد هذه الاتفاقية غير مقبولة وفق المعايير القانونية والسياسية في الاتفاقيات الدولية، كما لا تستوفي المستلزمات لا من حيث الصياغة ولا من حيث السيادة ولا من حيث الإلزام الذي تتوافر عليه الاتفاقيات. إن توفير الأمن للعراقيين يجب أن يمر من خلال تحرير العراق من الاحتلال، ألذي ببقائه عبر القوة العسكرية أو عبر اتفاقية التعاون الاستراتيجي، غير المشروعة وغير المتكافئة لن يكون هناك أي أمن لشعب العراق والأمة ألعربية.