1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

نجاة الاقتصاد الألماني في تحفيز الطلب المحلي

٣١ مايو ٢٠٢٠

حرمت أزمة كورونا وعوائق التجارة الاقتصاد الألماني من أسواق خارجية اعتمد عليها في ازدهاره. ومما يعنيه ذلك العمل على بدائل مثل تحفيز الطلب المحلي وبناء تقنيات المستقبل، هل تواجه حكومة ميركل هذا التحدي أفضل من قبل؟

https://p.dw.com/p/3d13h
حملت صناعة السيارات الألمانية على مدى عقود لواء ازدهار الاقتصاد الألماني، إلى متى يمكنها القيام بذلك؟
صناعة السيارات الألمانية تواجه فترات صعبة في زمن كورونا وفي ضوء ضرورة إعادة هيكلة الاقتصاد الألمانيصورة من: picture-alliance/Winfried Rothermel

في آخر تقاريره توقع معهد ايفو/ IFO الألماني للابحاث الاقتصادية عدة سيناريوهات للاقتصاد الألماني هذا العام على ضوء  تبعات أزمة وباء كورونا. هذه السيناريوهات تفيد بأن نسبة تراجع أدائه في أحسن الحالات ستكون بحدود 4 بالمائة وفي الحالة الأسوأ بأكثر من 9 بالمائة.

وتوقع المعهد أن عودة العجلة الاقتصادية إلى الدوران بشكل تدريجي بعد إجراءات الحجر والإغلاق ستؤدي إلى تعافى الاقتصاد من تبعات الفيروس بحلول أواسط العام القادم. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل هذا التوقع في محله بعد الذي حصل في الأسواق العالمية من ركود وانهيارات وانقطاع في سلاسل الإنتاج والتجارة بسبب كورونا وقبلها بسبب الحروب التجارية التي أشعلها ترامب وإدارته حتى ضد حلفاء له مثل ألمانيا؟

هل ولى زمن البطولات في التصدير؟

ينتمي الاقتصاد الألماني حتى الآن إلى فئة أبطال العالم في التصدير إلى جانب اقتصاديات دول كالصين واليابان وهولندا وكوريا الجنوبية. وما تزال السيارات ووسائط النقل الأخرى ومكوناتها أهم الصادرات الألمانية بدون منازع. ومنذ عقود تسجل ألمانيا فوائض تجارية زادت خلال العام الماضي لوحده على 250 مليار يورو، وهو أمر لا يقيمه الكثير من الخبراء بالأمر الإيجابي كونه يعكس تبعية للخارج وخلل في الميزان التجاري.

وتدل المعطيات المتوفرة أن نحو 50 بالمائة من الناتج الاقتصادي الألماني يتحقق عن طريق الصادرات. ومما يعنيه ذلك أنه لا يكاد يوجد اقتصاد آخر يرتبط بشكل وثيق بالأسواق الخارجية كالاقتصاد الألماني. ورغم أن ألمانيا تاريخيا تعتمد على التصدير، فإن هذا الارتباط الوثيق ما كان ليحصل لولا زخم العولمة الصاعد الذي أدى إلى توسيع نطاق حرية التجارة العالمية.

غير أن الأسافين التي دقها ترامب في جسم العولمة وحرية التجارة وتبعات كورونا السلبية عليها على الاقتصاد العالمي تعيق وبشكل متزايد تدفق السلع الألمانية إلى الخارج وخاصة إلى السوق الأمريكية.

النزعات القومية بدلا من تحفيز العولمة

وفيما يتعلق بالأسواق الأخرى وفي مقدمتها أسواق فرنسا والصين وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا فقد تلقت بفعل جائحة كورونا ضربات قوية قلصت حجم وارداتها إلى حين، وعلى هذا الأرضية يمكن استبعاد توقع تعافي الاقتصاد الألماني في غضون عام أو في المدى المتوسط، إذا ما تمت المراهنة من قبل صناع القرار الألماني على دور الصادرات كما هو عليه الحال حتى الآن.

ويؤيد هذا الأمر استمرار الكثير من سلاسل النقل وإنتاج السلع الوسيطة وقطع التبديل التي ترسخت في زمن العولمة في زمن الليبرالية الجديدة التي رفع لواءها رونالد ريغان ومارغريت تاتشر في ثمانينات القرن الماضي. يُضاف إلى ذلك أن كورونا عززت التوجهات الوطنية والقومية لإعادة توطين منتجات وحيوية كان يتم استيرادها من الخارج قبل اندلاع أزمة كورونا وفي مقدمتها المنتجات الصحية.

عالم السرعة - تغطية جاصة: أوبل كابت - عروس الشوارع الألمانية

خشية من تركيز الدعم على الشركات الكبيرة

تمكنت ألمانيا حتى الآن من مواجهة تبعات كورونا بشكل أفضل من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى الرئيسية والولايات المتحدة. ومما لاشك فيه أن الاحتياطات المالية المتوفرة من الفوائض التجارية والضرائب العالية ساعدت على استيعاب تبعات كورونا التي تسببت بتوقف آلاف الشركات وتجميد عمل 10 ملايين شخص بشكل جزئي أو كلي.

وقد ضحت حكومة المستشارة ميركل حتى الآن بعشرات المليارات كقروض ومساعدات لدعم آلاف الشركات وتعويضات البطالة والضمان الاجتماعي لضمان الاستقرار وتحفيز الاقتصاد. غير أن المشكلة تبدو في التوجه الحكومي المتزايد لدعم الشركات العملاقة مثل شركة لوفتهانزا وشركات السيارات في وقت تقف فيه آلاف الشركات المتوسطة والصغيرة على حافة الإفلاس بسبب ضعف احتياطاتها المالية وصعوبة حصولها على القروض التجارية.

وتشمل قائمة المؤسسات التي تعاني أكثر من غيرها الأعمال والأنشطة الحرفية والخدمية ومؤسسات السفر والنقل والسياحة والمطاعم.

وتأتي أهمية دعم قطاع الأعمال الصغير والمتوسط كونه يستوعب أكثر من ثلثي العمالة، كما أن الضرائب والرسوم التي يدفعها تشكل المصدر الأساسي للموازنة. وما قرار الحكومة الألمانية الأخير بتخفيض ضريبة القيمة المضافة من 19 إلى 7 بالمائة بالنسبة لخدمات المطاعم سوى خطوة في الاتجاه الصحيح.

الوقت حان لتحفيز الطلب المحلي

غير أن تحفيز الاقتصاد الألماني يتطلب توسيع نطاق التخفيضات الضريبية والاقتطاعات الاجتماعية لتشمل مختلف القطاعات أو غالبيتها. فمثل هذه التخفيضات تزيد القدرة الشرائية للمستهلكين، لاسيما مع توقعات المزيد من ارتفاع الأسعار. ومن شأن تحسين هذه القدرة تحفيز الطلب المحلي على مختلف السلع والبضائع في السوق الداخلية الألمانية.

ومن شأن ذلك دفع الشركات إلى مزيد من الاستثمار والإنتاج والتسويق في هذه السوق بشكل يعوض عدد لا بأس به منها عن تراجع الصادرات. ويطالب خبراء بينهم مارسيل فراتسشر، رئيس المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية في برلين بمثل هذه التخفيضات منذ سنوات، غير أن حكومات المستشارة ميركل لم تستجب لذلك سوى على نطاق محدود شمل بعض الفئات من محدودي الدخل.

ويبدو أن خلفية ذلك تعود إلى استمرار مراهنة صنّاع القرار السياسي حتى وقت قريب جدا على زيادة الصادرات بدلا من تحفيض الأعباء الضريبية التي تعد من بين الأعلى في العالم والتي تتراوح بين  34 و 50 بالمائة حسب الحالة العائلية ومستوى الدخل.

ابراهيم محمد، الخبير في الشؤون الاقتصادية والسياسية
ابراهيم محمد: على ألمانيا العودة إلى الريادة في صناعة وسائل الاتصال والطاقات المتجددةصورة من: DW/P.Henriksen

العودة إلى الريادة ليست سهلة

وبالتوازي مع تخفيض الضرائب والاقتطاعات فإن الأمر الذي ينبغي القيام به بشكل أسرع وأكثر جدية يكمن في دفع عملية إعادة هيكلة الاقتصاد الألماني من خلال إحياء قطاعات كانت ألمانيا على طريق الريادة فيها كالطاقات المتجددة والاتصالات. غير أن الصين تمكنت من تولي هذه الريادة بفعل عدة عوامل منها الاعتماد على تقنيات وبراءات اختراع ألمانية تم نقلها وتطبيقها من قبل الشركات الصينية بدلا من الألمانية.

وتبدو الحكومة الألمانية وكأنها وعت أخيرا لأهمية إعادة إحياء الريادة المذكورة من خلال خطط وبرامج عدة أطلقتها خلال العامين الماضيين وفي مقدمتها مشاريع تحديث قطاعات النقل وشبكة الإنترنت والرقمنة في القطاعات التعليمية والإنتاجية. غير أن تنفيذ الكثير من هذه المشاريع لم يتحقق لأٍسباب عدة من أبرزها العوائق البيروقراطية والتنظيمية وغياب الكفاءات المطلوبة وسوء استخدام قسم من الأموال.

واليوم هناك حديث عن نية حكومة المستشارة ميركل ضخ أكثر من 100 مليار يورو لإعادة الهيكلة المطلوبة، لاسيما في مجالي الرقمنة والطاقات المتجددة. يبقى السؤال فيما إذا كان التنفيذ سيسير بالفعل بالسرعة المطلوبة، أم أن الأمور ستسير باتجاه تضييع المزيد من الوقت كما حصل خلال السنوات العشر الماضية. 

ابراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد