هل ينهي التقارب السعودي-الإيراني "داعش" ويحل أزمة سوريا؟
٤ سبتمبر ٢٠١٤بعد سنوات من الجفاء الديبلوماسي بين البلدين، زار مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الرياض، في لقاء يتوقع أن يكون فاتحة زيارات بين مسؤولي الدولتين. وقد جذبت هذه الزيارة اهتمام وسائل الإعلام بشكل كبير، حيثُ أشار محللون إلى أن الرغبة قي القضاء على تنظيم "داعش" قرّبت بين وجهات نظر السعودية وإيران، وحتّمت التنسيق بينهما رغم الخلافات الكثيرة.
فالانتصارات الكبيرة التي حققها تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا، وتهديداته التي طالت عدداً من دول المنطقة كإيران والسعودية، فضلاً عن قتله لمواطنين أمريكيين، كلها عوامل تساعد في تحالف مجموعة من الأقطاب المتصارعة في المنطقة من أجل القضاء على هذا التنظيم الإرهابي. ومن هذه الأقطاب، تلك التي يتواجد في مدارها النظام السوري الذي أكد سابقاً جاهزيته للتعاون مع كل الجهود الرامية لإنهاء "داعش"، ممّا قد يُحدث تحوّلات هامة في المنطقة.
تقارب لإنهاء خطر "داعش"
ففي علاقة بالخطر الذي يمثله تنظيم "داعش" في المنطقة، اعتبر محمد بن عبد الله آل زلفة، العضو السابق في مجلس الشورى السعودي، أن السعودية تتخوّف من تنظيم "داعش" لسببين اثنين: الأول هو تشويه هذا التنظيم الإرهابي لصورة الإسلام الحقيقية البعيدة عن سلوكيات القتل والتدمير، والثاني هو استقطاب "داعش" لمجموعة من المتطرّفين من داخل السعودية.
وأشار محمد بن عبد الله، في تصريحات لـ DWعربية إلى أن إيران معنية أكثر من السعودية في الفترة الحالية باحتواء خطر "داعش"، وذلك راجع أساساً حسب قوله لخروج "داعش" عن سيطرة النظام السوري، ولسقوط جيش نظام نوري المالكي في أجزاء مهمة من العراق. وكلا النظامين مدعومين من طرف إيران حسب المتحدث.
كما اعتبر ابن عبد الله في هذا السياق أنّ النظام السوري كان يستفيد من محاربة "داعش" للثوار الراغبين في إسقاط النظام، وهو ما كان يروق لإيران التي كانت صامتة عن جرائم "داعش" في سوريا، حسب قول المتحدث. إلّا أن وصول قوات "داعش" إلى العراق جعل إيران تبحث عن شركاء في المنطقة يساهمون في الحد من خطر "داعش"، ومن هؤلاء الشركاء توجد المملكة العربية السعودية.
وظهر محمد صدقيان، مدير المركز العربي للدراسات الأمنية بالعاصمة الإيرانية طهران، متفائلاً بشكل كبير بهذه الزيارة التي تعيد إلى الأذهان التقارب السابق بين البلدين في عهد الرئيس محمد خاتمي، فنتائج الزيارة إيجابية للطرفين وستدفع بالعلاقات بينهما مستقبلاً إلى مزيد من التعاون، لا سيما أن تنظيما إرهابيا كـ"داعش" لا يستهدف شعباً أو نظاماً بعينه، بل يهدد جميع من في المنطقة.
وأعرب محمد صدقيان، في تصريحاته لـ DWعربية عن اقتناعه بأن يخدم هذا التعاون منطقة الشرق الأوسط ككل، للثقل الكبير الذي تمثله السعودية وإيران. وبالتالي فأي توحيد لجهود الدولتين، سيتيح إمكانيات أكبر للقضاء على التهديدات الإرهابية وبث روح الاستقرار في بلدان في المنطقة تعيش مخاضاً عسيراً.
مستقبل بشار في ظل هذا التقارب
تأكيد نظام الأسد على رغبته المشاركة في أي عمل دولي ضد "داعش"، طَرَح بعض التكهنات عن إمكانية تقارب سعودي-سوري لتحقيق هذا الهدف. إلّا أن محمد بن عبد الله، ينفي هذه الإمكانية بشكل تام ويقول: "السعودية لن تتحالف أبداً مع نظام قتل شعبه ودمّر مدنه حتى ولو كان الهدف هو القضاء على فئات خارجة عن القانون".
كما أشار إلى أن المباحثات الإيرانية-السعودية بخصوص الوضع السوري يجب أن تنصب حول إيجاد بديل لنظام الأسد، معرباً في هذا السياق، عن اقتناعه بإمكانية مساهمة السعودية في إيجاد حل يضمن كرامة الشعب السوري، شرط قيام إيران بجهد أكبر يجعلها تتخلّى عن دعمها الكبير للنظام السوري.
في الجانب الآخر، نفى محمد صدقيان، أن تكون إيران حليفة للنظام السوري بقدر ما هي حليفة لوحدة الجيش السوري وللوحدة الوطنية السورية في مواجهة بعض المشاريع الاجنبية، حسب قوله.
ورغم أن صدقيان أكد وجود اختلافات عميقة بين وجهتي نظر إيران والسعودية بخصوص مستقبل سوريا، صارت تفرض المزيد من الجلوس على طاولة المفاوضات، إلا أن اقتناع الطرفين بعدم نجاعة الخيار العسكري، يستطرد صدقيان، سيفتح أمامهما الطريق للاتفاق على مرحلة انتقالية تخدم بالدرجة الأولى الشعب السوري.
مصلحة الولايات المتحدة في هذا التقارب
احتجاز وقتل رهائن أمريكيين، ثم الهجوم على عدة أطياف من الشعب العراقي، جعل واشنطن تفكر بشكل جدي في ضرب مراكز "داعش" داخل الأراضي السورية. غير أن هذا التدخل الأمريكي المرتقب، يبقى متأخراً بشكل كبير حسب محمد بن عبد الله: "تعاملت الولايات المتحدة منذ البدية بتراخٍ مع الوضع السوري، ممّا منح الفرصة للتنظيمات الجهادية من أجل الانتشار بشكل كبير في الأراضي السورية" يقول المتحدث.
وأضاف محمد بن عبد الله أن السعودية لها مجموعة من الملاحظات على طريقة التعامل الأمريكية في المنطقة، لدرجة أنّ علاقات البلدين توترت في فترة من الفترات. وبالتالي، فأوباما يُدرك اليوم أنه بحاجة بشكل أكبر إلى السعودية من أجل القضاء على "داعش"، يشير المتحدث، لا سيما مع تهديد هذا التنظيم الإرهابي لحلفاء الإدارة الأمريكية في المنطقة، وهم على وجه الخصوص: نظام نوري المالكي وإدارة إقليم كردتسان العراق.
بيدَ أن صدقيان، وفي معرض إجابته عن سؤال الاستفادة الأمريكية من هذا التقارب، شدّد على ضرورة انفتاح السعودية وإيران على تركيا ومصر من أجل بلورة إرادة إقليمية لن تملك معها الإدارة الأمريكية سوى الدعم والتشجيع. معبراً في هذا السياق عن أهمية التعاون الدولي في المنطقة من أجل ربح عدد من الرهانات، ومنها القضاء على "داعش" الذي يهدد الأمن العالمي، لا سيما بعد اكتشاف تعدد الجنسيات التي تقاتل إلى جانبه.