1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

موسيقى في بغداد تقهر العنف

١٣ يوليو ٢٠١٢

في بغداد كان عدد الحفلات الموسيقية في أمسية واحدة قد يصل إلى 15 حفلا لدرجة أن الاختيار بينها كان قرارا صعبا، أما اليوم فيحاول البغداديون أن يعيدوا الموسيقى إلى الحياة ليبعثوا في مدينتهم روحا تبعدها عن العنف.

https://p.dw.com/p/15X7H
صورة من: DW/Kolb

فر كثير من أمهر العازفين من العراق خلال حكم صدام حسين خوفا من التعرض للاضطهاد بسبب آرائهم السياسية ولقلة الموارد المالية إذا هم رفضوا استخدام فنهم في تمجيد القائد.

وخرج آخرون من البلاد بعد عمليات تحرير العراقعام 2003 هربا من العنف الذي اجتاح البلد وأدى إلى توقف الحفلات الموسيقية وبعد أن تلقى بعضهم تهديدات من الأذرع العراقية لتنظيم القاعدة، ومن ميلشيات جيش المهدي وجند السماء و عصائب الحق الشيعية.

أما الآن فقد بدأ بعض العازفين يخططون بتؤدة للعودة أملا في إحياء التراث الموسيقي العراقي الثري على أرض العراق.

نصير شمه: "من واجب كل عازف عراقي أن يكون هنا"

عازف العود العراقي المعروف نصير شمه قال على هامش حفل في بغداد هو الثاني له في بلاده منذ ما يقرب من 20 عاما قضاها في المنفى "لا يبدو هذا غريبا الآن. يتصلون بي ويبعثون إلي برسائل يسألونني عما شاهدته. "وأنا أقول نعم هذا وقت العمل لمساعدة الشعب العراقي. طبعا من واجب كل عازف عراقي أن يكون هنا."

بدأ شمه (49 عاما) العزف على العود وهو في سن الحادية عشرة وهرب من العراق عام 1993 إلى تونس بعد أن تحدث علانية عن انتهاكات حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية في ظل حكم صدام وانتهى به الأمر في السجن. أما الآن فإن شمه يعيش في القاهرة.

وأوضحت إجراءات الأمن التي اتخذت في حفل شمه بأحد الفنادق الفاخرة في المنطقة الخضراء المحصنة بالعاصمة العراقية أن طريق النهوض بالموسيقى في العراق مازال طويلا.

واضطر جمهور من المسؤولين في الحكومة العراقية والموسيقيين والصحفيين تأنقوا جميعا لهذا الحفل للمرور عبر عدة نقاط تفتيش حتى يتمكنوا من الوصول للقاعة التي أقيم فيها الحفل بل وتحملوا تفتيشا بالكلاب المدربة.

واصطف حراس مسلحون حول القاعة عندما خفتت أضواؤها وكان بعضهم يدق الأرض بقدميه سرا على وقع الموسيقى.

وقاد شمه بعوده الفرقة الموسيقية التي ضمت عازفين للكمان والأكورديون والفلوت وآلات نحاسية وطبول في أغنية رومانسية هادئة. ومع تزايد سرعة الإيقاع في مقطوعات أطول وأكثر مرحا اعتمدت على إيقاع الطبول انطلق تصفيق كثير من الجالسين في القاعة الذين بلغ عددهم 300 شخص مع النغمات.

وقال شمه إن حفلات مثل حفله الذي استمر ساعتين ونظمه اتحاد الصحفيين العراقيين تعيد الروح للحفلات الموسيقية في البلاد رغم أن الترتيبات ليست مثالية.

وفي وقت سابق من العام الجاري عزف شمه في حفل مماثل خلال اجتماع للقادة العرب.

وأضاف شمه "لكني أحب العزف في مناطق شعبية ليس مثلما هو الحال هنا في وجود الكثير من إجراءات الآمن في الخارج. أريد أن يأتي أصدقائي والشباب. وأفضل قاعات الحفلات الأصغر حجما لأنها تقرب المسافة (بين الفنان والجمهور) وتكون المشاعر أعمق."

ويأمل أن يعود في حفل مماثل في العراق خلال شهر رمضان كما أنه يخطط لافتتاح مدرسة للعود بنهاية العام الجاري بمنزل قديم في بغداد.

الحياة تعود للعاصمة رغم التفجيرات

أما الفنان العراقي عازف الساكسفون حميد البدري وكان ضمن الفرقة الموسيقية فيرى أن مجرد إقامة الحفل في فندق فاخر شيء يدعو للارتياح.

يقول البدري الذي كان يرتدي ملابس سوداء بالكامل "غادرت العراق قبل عشر سنوات لان القاعدة حاولت أن تقتلني لأنني فنان. الموسيقى بالنسبة لهم حرام."

ويضيف "الآن اختلف العراق وهذا شيء جميل. هذه أول مرة أعزف فيها هنا منذ سافرت."

وبعد عدة ليال غنت المغنية الثورية التونسية آمال المثلوثي في ناد اجتماعي بالعاصمة أمام جمهور من الدبلوماسيين والمسؤولين العراقيين والمدرسين في حفل نظمه المعهد الفرنسي.

وقال طارق صفاء الدين رئيس نادي العلوية إن هذا الحفل كان من أكبر الحفلات من نوعه في النادي خلال السنوات العشر الأخيرة.

وتقيم فرق صغيرة حفلات للموسيقى الشعبية العراقية كل أسبوع في حديقة النادي الذي تأسس عام 1924 .

وقال صفاء الدين "هذا هو ما يحدث في العامين الأخيرين أما قبل ذلك كان الوضع مثلما هو في العراق. لم يكن أحد يأتي للنادي."

وأضاف أن حفل المثلوثي هو بداية لعصر جديد في الحفلات الموسيقية الحية في بغداد.

وصاحب كمان حزين صوت المثلوثي القوي وهي تغني باللهجة التونسية بينما صاحبت الأضواء البراقة دقات الطبول والآلات النحاسية بينما تمايل جمهور الحاضرين يمنة ويسرة على مقاعدهم وهم يهزون الرؤوس طربا.

وقبل اختتام الحفل بايقاعات تراثية على وقع رنين الصنج قفز عدد من الحاضرات إلى ممر في القاعة وانطلقن يؤدين رقصة كردية على تصفيق جمهور الحاضرين بينما كان عدد من الاطفال الصغار يتنقلون من مقعد لاخر.

"كلمات الأغاني ضد الخوف وضد الدكتاتورية"

صابرين قفزت من بين الجمهورإلى المسرح للتحدث مع المغنية عقب الحفل وقالت "كلمات الأغاني ضد الخوف وضد الدكتاتورية والدعوة للحرية والحياة الكريمة.. نحن نفتقد مثل هذه الأغاني في بغداد هنا."

وأضافت "يا عراقيون يا بغداديون نحن بحاجة لمثل هذه الموسيقى ذات الإيقاع المتفائل."

ومازالت الحياة في العراق تحمل في طياتها الكثير من المخاطر رغم تراجع العنف الطائفي الذي قتل عشرات الآلاف عامي 2006 و2007 .

ولا يسع بعض الموسيقيين العراقيين الصغار من أمثال عازف البوق فراند نشأت ذي الثمانية عشر عاما سوى الحلم بالأجواء الموسيقية البوهيمية التي يصفها له أقرانه الأكبر سنا الذين عرفوا الحياة في بغداد القديمة.

يقول نشأت الذي كان يرتدي قميصا كتب عليه بيتهوفن حصل عليه في رحلة حديثة إلى ألمانيا مع أوركسترا الشباب العراقي "اعتدنا عليها لأننا لم نعزف بحرية. عندما عزفت في حفل للمرة الأولى كان الحفل مؤمنا جدا مع وجود الكثير من أفراد الأمن. ولهذا يبدو ذلك عاديا لي."

ويضيف أنه مازال من الصعب التنقل بالآلات الموسيقية في المدينة وخاصة عبر نقاط التفتيش.

"كثيرون يسألونني ما هذا. فهو يبدو مثل صندوق غريب. كان هذا صعبا في الأيام السابقة أما الآن فالوضع أكثر أمنا."

ويقول نشأت الذي يعزف أيضا مع عازفين كبار في الاوركسترا السيمفوني الوطني ويعزف موسيقى الجاز منفردا ومع مجموعات صغيرة من أصدقائه إن أغلب الحفلات تقام في فنادق وقاعات مؤمنة في بغداد أو في مدينة اربيل في إقليم كردستان العراق وإن هذا النشاط مزدهر.

واستطرد "ذات مرة أقمنا حفلا امتلآ عن آخره بالناس حتى أنهم اضطروا للوقوف على السلم."

صناعة العود تواجه خطر الانقراض

ومع ذلك لم يكن لتراجع حدة العنف أثر حتى الآن على نشاط فراك محمد حسين صانع العود ذي السبعين عاما والذي يقضي ما يصل إلى أربعة أشهر في صناعة العود الواحد يدويا.

يقول حسين الذي يعزف العود ويصنعه منذ 50 عاما "الآن أبيع القليل جدا جدا جدا من العود. ربما واحد في الشهر." وقبل الحرب عام 2003 كان يبيع ثلاثة أو أربعة أعواد في الشهر.

ويضيف في ورشته الصغيرة التي تكتظ بالأدوات وعشرات الصور لعازفين عراقيين "عندما جاء الأمريكيون للعراق لم تعد هناك حفلات ولا غناء. الآن لا يشتري العود سوى قلة من الطلبة والأساتذة."

أشار حسين إلى صورة قديمة له بالأبيض والأسود من عام 1959 وهو يرتدي حلة سوداء ورابطة عنق ويحتضن عوده موضحا أنها تمثل له أوج أيام بغداد في الموسيقى.

ويروي حكايات عن زمن كان العازفون والمطربون يتجمهرون فيه في ورشته السابقة الأكبر ويعزفون، وكانوا يشترون العود منه ومن أشقائه الثلاثة الذين يعملون بصناعة العود لكنهم هجروا العراق.

يقول حسين "العود حضارة عراقية. وبإذن الله سيعود الأمان في المستقبل للعراق. فبوسع العراق الآن أن يشم نسيم الحرية."

مصدر الخبر رويترز

تحرير ملهم الملائكة