1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مضيق ملقا الآسيوي.. "معضلة" تهدد طموحات الصين العالمية!

٣١ مايو ٢٠٢٣

تمر عبره ثلاثة أرباع صادرات الصين وربع السلع العالمية، كما يعد ثاني أهم ممر بحري لتجارة النفط العالمية! إنه مضيق ملقا الذي يعد "نقطة ضعف" بالنسبة للصين و"معضلة" تهدد طموحاتها العالمية. فماذا تفعل الصين لحل هذه المعضلة؟

https://p.dw.com/p/4RzTr
سفينة صينية احتجزتها ماليزيا (29.05.2023)
المضيق محاط إما بدول محايدة مثل ماليزيا وإندونيسيا أو دول حليفة للولايات المتحدة مثل سنغافورة. في الصورة سفينة صينية احتجزتها ماليزياصورة من: Malaysian Maritime Enforcement Agency via AP/dpa/picture alliance

في الوقت الذي تتنامى فيه القوة الصينية اقتصاديًا وعسكريًا وتتمدد إقليميًا ودوليًا، تعترف الصين  صراحة بوجود "نقطة ضعف خطيرة" تمثل تهديدًا لطموحاتها؛ وهي مضيق ملقا الذي أطلق عليه الرئيس الصيني السابق هو جينتاو تعبير "معضلة ملقا".
فهذا المضيق الموجود في جنوب شرق آسيا يمثل طريقًا لأغلب إمدادات الصين من الطاقة والمواد الخام، وطريقًا لأغلب صادراتها إلى الشرق الأوسط  وأوروبا. في الوقت نفسه فإنه محاط إما بدول محايدة مثل ماليزيا وإندونيسيا أو دول حليفة للولايات المتحدة مثل سنغافورة، إلى جانب سهولة إغلاقه بإمكانيات بحرية بسيطة، ما يعني حرمان الصين من أحد أهم شرايين قوتها الاقتصادية. ولهذا بدأت الصين الترويج لمبادرة الأمن العالمي التي تستهدف إقامة شراكة أمنية مع الدول المحيطة في المنطقة ما يمكن أن يقلل من تأثيرات "معضلة ملقا".

وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية قال المحلل الاستراتيجي في مركز نيكولاس سبايكمان الدولي للتحليل الجيوسترتيجي، هو تينغ هونغ، إن مضيق ملقا يربط بين بحر أندمان والمحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ وهو ما يجعله طريقًا بحريًا مهمًا لناقلات النفط والغاز الطبيعي المسال، وسفن الحاويات ومختلف أنواع الشحنات بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا.

ويمر عبر هذا المضيق حوالي ربع تجارة العالم من السلع، وثلث إجمالي تجارة النفط الخام والمنتجات السائلة الأخرى وهو ما يجعله ثاني أهم ممر بحري لتجارة النفط العالمية بعد مضيق هرمز. كما أن حوالي 80% من صادرات الصين تمر عبر هذا المضيق وهو ما يعني أن مصير الصين الاقتصادي يعتمد بشدة على استقرار الأوضاع فيه.

ويتراوح اتساع المضيق بين 65 و250 كيلومترًا وهو ما يعني قدرة الدول القريبة التي تمتلك قوة كافية على غلقه بسهولة، وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا بالنسبة للصين في ضوء حقائق الأوضاع السياسية في المنطقة. فالمضيق، كما ذكر من قبل، محاط إما بدول محايدة مثل ماليزيا أو حليفة للولايات المتحدة مثل سنغافورة أو لديها توترات جيوسياسية مع الصين مثل الهند التي انضمت مؤخرًا إلى الحوار الأمني الرباعي الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم بريطانيا وأستراليا ويستهدف التصدي للنفوذ الصيني المتزايد في المنطقة.

قلق الصين من القوة الأمريكية حول المضيق
في الوقت نفسه فإن البحرية الأمريكية ممثلة في الأسطولين السابع والخامس اللذين يعملان في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والشرق الأوسط، هي القوة الوحيدة القادرة على حماية خطوط المواصلات البحرية الممتدة من أفريقيا إلى شرق آسيا. معنى ذلك أن الولايات المتحدة تمتلك قدرة كبيرة على السيطرة على مضيق ملقا وهو أمر مقلق للغاية بالنسبة لبكين، بحسب هو تينج هونج الذي ينحدر من هونغ كونغ.

في المقابل تنشط البحرية الصينية على مسافة بعيدة من المضيق. وإذا تصاعدت التوترات الجيوسياسية بين الصين والولايات لمتحدة أو دول المنطقة، كأن تقرر الصين غزو تايوان، فإن الأخيرة تستطيع إغلاق المضيق وهو ما سيؤدي إلى اضطراب شديد في تدفق الطاقة والمواد الخام وحركة التجارة للصين، بما يمكن أن يزيد من تكلفة مواصلة الصين السعي لتحقيق طموحاتها كقوة عظمى، أو إشعال حرب في المنطقة، ناهيك عن العواقب الخطيرة لمثل هذا التصعيد على اقتصادها.

وتعترف الصين بالعمل على تقليل آثار أي إغلاق محتمل للمضيق إلى الحدود الدنيا من خلال تنويع مصادر إمدادات الطاقة. وبدأت بكين إقامة خطوط موصلات برية دولية وإقامة شراكات في مجال الطاقة مع روسيا وباكستان وميانمار ودول عربية وآسيوية أخرى لا تميل سياسيًا إلى الولايات المتحدة، لكي تضمن استمرار حصولها على احتياجاتها من مصادر الطاقة في أوقات التذبذب.

كما رصدت الصين أموالًا باهظة لتنمية قطاع الطاقة المتجددة بهدف تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد. ورغم كل تحركاتها مازال نجاح الصين الاقتصادي يعتمد بدرجة كبيرة على قطاع التصنيع كثيف استهلاك الطاقة، كما أنه لايزال من الصعب على جهود تطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة مواكبة النمو السريع في الطلب على الطاقة.

ناقلة نفط في مضيق هرمز
يعد مضيق ملقا ثاني أهم ممر بحري لتجارة النفط العالمية بعد مضيق هرمزصورة من: tasnimnews

لذلك مازالت الصين تعتمد على وارداتها من الطاقة، وهي الآن أكبر دولة مستوردة للنفط في العالم وثاني أكبر دولة مستهلكة له. كما تشير الدراسات إلى أنه مع زيادة الطلب على الطاقة سيزيد مستوى اعتماد الصين على النفط الأجنبي إلى أكثر من 80% عام 2030، مقابل 65% في عام .2016  معنى ذلك أنه من غير المحتمل استغناء الصين عن استيراد النفط من الدول الأخرى باستخدام الطرق البحرية في المستقبل القريب.

جهود صينية لحل المعضلة
كما أن الصين يمكن أن تواجه صعوبات جمة في إيجاد طرق بديلة لمضيق ملقا المعروف باعتباره مضيقًا ضحلًا.  فالمضايق الأخرى في المنطقة أصعب بالنسبة لحركة الملاحة بسبب قلة عمقها، أو طولها الذي يزيد تكلفة الشحن، أو حتى صعوبة استخدامها خلال فترات طويلة من العام مثل ممر القطب الشمالي في شمال روسيا والذي تغطيه الثلوج أغلب فترات العام.

انقطاع طريق الحرير بسبب الحرب

ورغم أن "معضلة ملقا" قد تمثل تهديدًا اقتصاديًا واستراتيجيًا للصين، فإن مبادرة الأمن العالمي يمكن أن تساعد الصين في تجنب هذا الخطر. وفي عام 2022 اقترحت الصين مبادرة الأمن العالمي أثناء انعقاد منتدى بواو الآسيوي، وطرحت ورقة بشأن مفهوم المبادرة في كانون الثاني/يناير 2023. وتعكس المبادرة تركيز الصين المتزايد على التعاون من أجل المحافظة على الأمن الدولي. كما أنها تمثل محاولة لإعطاء انطباع برغبة الصين في "مساعدة الدول الأخرى على تحقيق الاستقرار السياسي".

في الوقت نفسه شددت الصين في الورقة على  الحاجة إلى مزيد من التواصل مع مناطق مثل جنوب شرق آسيا وجزر المحيط الهادئ والشرق الأوسط. وهذه المناطق تعتبر لاعبين أساسيين في مضيق ملقا. ويعني هذا أن نجاح الصين في تعزيز العلاقات الأمنية مع هذه المناطق وفقا للمبادرة، يتيح لها بناء التزامات أمنية مشتركة وإضعاف  الشراكات الأمنية للولايات المتحدة مع الدول المحيطة بالمضيق.

كما يمكن للصين فيما بعد تشكيل تكتل إقليمي مناوئ للهيمنة الأمريكية في المحيط الأمني مع دول لا ترتبط بعلاقات جيدة مع واشنطن. وهذا السيناريو يمكن أن يساعد الصين في الضغط على الولايات المتحدة وحرمانها وحلفائها في منطقة المحيطين الهادئ والهندي من القدرة على غلق المضيق، وبالتالي تقليل مخاطر "معضلة ملقا".

لكن هذه الطموحات الصينية تصطدم بالتأكيد بشكوك العديد من دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ في بكين وهو ما يقلص فاعلية مبادرة الأمن العالمي، في تجنيب الصين "معضلة ملقا". كما أن تزايد السلوك العدواني الصيني تجاه دول المنطقة بدد ثقة بعضها في المبادرة وبخاصة تلك الدول التي لديها نزاعات حدودية برية وبحرية مع الصين مثل الفلبين.

وفي هذه الحالة يمكن أن تظهر الولايات المتحدة كشريك أمني موثوق فيه أكثر من الصين، على الأقل لأنه ليس لها  أي نزاعات حدودية يمكن أن تهدد هذه الدول. ويعني هذا في النهاية أن الصين لن تجد حلًا قريبًا لـ"معضلة ملقا"، وسيظل جزء كبير من طموحاتها تحت رحمة  استقرار مضيق ملقا وحرية الملاحة فيه.

م.ع.ح/ح.ز (د ب أ)