مضادات حيوية ضد الأمراض الناجمة عن المواد المشعة
٢٤ فبراير ٢٠١٢تعتبر فرص البقاء على قيد الحياة ضئيلة لمن يتعرض للتسمم الإشعاعي، لذلك يزداد الخوف بين الناس من احتمال تعرضهم لجرعة عالية من الإشعاع عند وقوع كارثة نووية مثل كارثتي تشيرنوبيل وفوكوشيما. وبما أنه لا وجود إلى الآن لأي دواء مضاد، يقوم عدد من فرق الباحثين في الولايات المتحدة بإجراء تجارب لتطوير علاج مقاوم للمرض، وتدعم وزارة الدفاع الأميركية هذه الأبحاث بملايين الدولارات.
في البدء يُعرّض الباحثون الفئران في المختبرات للكوبالت المشع، وهذا يعني بالحقيقة الحكم عليها بالإعدام، لأنه ليس هناك فرصة البقاء على قيد الحياة لأي من هذه الحيوانات بعد تعرضها لمثل هذه الإشعاعات. ثم وبعد 24 ساعة من ذلك تبدأ المعالجة، حيث يتم تقطير بضع قطرات من المضادات الحيوية مرتين في اليوم في معدة القوارض مباشرة، إضافة إلى حقن الفئران على مدى 30 يوما. وحسب ما أدلى به أوفر ليفي الباحث في مستشفى الأطفال في كلية هارفارد الطبية في بوسطن أن: "75 بالمائة من الفئران التي تم علاجها بقيت على قيد الحياة".
انتحار الخلايا
عندما يتعرض البشر أو الحيوانات لجرعات إشعاعية عالية جدا، تبدأ خلاياهم بالانتحار بشكل جماعي تقريبا. إذ يفشل عمل الجهاز الهضمي ولا يعود النخاع الشوكي يشكل كريات الدم بالقدر الكافي مما يؤدي بعد وقت قصير إلى انهيار نظام جهاز المناعة. ولكن فئران بوسطن نجت من الموت - بفضل مضادين حيويين مختلفين- ساعدا على قتل البكتيريا. وللبكتيريا دور رئيسي في الأمراض الناجمة عن التعرض للمواد المشعة.
وكما يوضح لنا أوفر ليفي: "فإن تخريب الأغشية المخاطية أحد المشاكل الناجمة عن التعرض للإشعاعات". فالأمعاء تصبح هشه وتحدث فيها ثقوب فتنتقل البكتبريا التي تعيش عادة في الأمعاء إلى مجرى الدم. "وهنا تحصل الأضرار الجسيمة" كما تقول ايفا غوينان زميلة الباحث أوفر ليفي والتي تعمل في مركز "دانا فاربر" للسرطان في بوسطن. وتضيف: "في البدء تتسبب هذه البكتيريا في حدوث عدوى، مع كل ما تحمله من عوارض. ومع مرور الوقت وعندما تتكاثر البكتيريا تبدأ عملية التسمم في الدم - وهو ليس إلا عدوى بكتيرية خطيرة للغاية ".
وجود البكتيريا في الجسم السليم لا يعد مشكلة
إن وجود بكتيريا قليلة في دم شخص سليم لا يعد بالحقيقة مشكلة. فكل يوم تدخل بكتيريا إلى مجرى الدم، وعلى سبيل المثال عن طريق تنظيف الأسنان. ولكن عادة ما يتم إقصاء ضررها من قبل الكريات البيضاء وبالتحديد بمساعدة مضادات حيوية يشكلها الجسم من تلقاء نفسه يطلق عليها "ب ب ي". هذه المضادات الحيوية تتفرد بمهمتها عن مضادات حيوية أخرى، لأنها لا تقضي فقط على البكتيريا بل تمنع أيضاً حصول أية التهابات. وبالتالي تتم إزالة البكتيريا من دون عناء.
ولكن الأمر يكون مختلفا بالنسبة للأشخاص الذين تعرضوا لجرعات مشعة عالية، كما يقول أوفر ليفي في سياق حديثه: "إن جهاز المناعة عند المصابين يصبح ضعيفاً، عدا عن أن الإشعاعات تخرب النخاع الشوكي الذي لم يعد يستطيع تكوين كريات الدم التي تحتوي على المضادات الحيوية ب ب ي. وهذه هي سخرية القدر، عندما يكون المريض في أمس الحاجة إلى جهاز المناعة القوية يخفق في ذلك".
تجارب بمساعدة المضادات الحيوية للجسم
تم لقاح الفئران، ضحايا الإشعاعات، بالمضادات الحيوية التي يشكلها الجسم من تلقاء نفسه. لم تعد هناك مشكلة في توفير مثل هذه المضادات الحيوية لأن إنتاجها يتم منذ فترة طويلة في المختبرات. إضافة إلى ذلك لقد اُستُخدم عدد كبير من مضادات حيوية تقليدية في معالجة الفئران بحيث استطاع 75 بالمائة منها البقاء على قيد الحياة. وحسب ليفي لقد تعافى عندها النخاع الشوكي بسرعة وأصبح قادرا على تشكيل كريات الدم البيضاء من جديد.
وخلافا لمجموعات أخرى من الباحثين الذين يقومون بتجارب على عقاقير مختلفة في محاولة لإيجاد علاج للمصابين بعد تعرضهم للتسمم الإشعاعي، يستخدم الباحثان، أوفر ليفي وايفا غوينان، عددا كبيرا من مضادات حيوية تقليدية مستخدمة في المستشفيات، على سبيل المثال المضادات الحيوية المستخدمة في علاج تسمم الدم أو المستخدمة لعلاج المرضى الذين أُخذت منهم عينة من النخاع الشوكي لإجراء الفحوصات قبل عملية زرع الأعضاء. وتمت التجارب على 1200 شخص، منهم من هو مريض جداً ومنهم من هو سليم، وكان التقدم لهذه التجارب طوعيا لخدمة العلم. ورغم ذلك يبقى الباحثان نوعاً ما حذران في تفاؤلهما في قدرة كان العلاج على مساعدة المصابين الذين تعرضوا من قبل إلى جرعات إشعاعية كبيرة.
مارييكا ديجين / فؤاد آل عواد
مراجعة: عبد الرحمن عثمان