1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

كيف يمكننا حل مشكلة شح المياه وتجنب حروبها مستقبلا؟

٢٣ أغسطس ٢٠٢١

مع تزايد عدد سكان العالم وتفاقم ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، يتراجع منسوب المياه العذبة أيضا، ما يفاقم مشكلة شح المياه ويهدد بنشوب حروب مستقبلا. فهل يمكن تدارك الأمر وإيجاد حلول وإبعاد شبح حروب المياه؟

https://p.dw.com/p/3zOg5
EcoIndia_#146_Interview 3
تواجه دول كثيرة في العالم مشكلة شح المياه وأزمة في مياه الشربصورة من: DW

في وقت سابق من هذا العام، قالت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس: "لسنوات، حاربنا من أجل النفط، لكن وخلال وقت قصير، سنحارب من أجل الحصول على المياه".

تغطي المياه أكثر من 70 بالمائة من مساحة الأرض، لكن هذا لا يعني بأن مياه الشرب متوفرة بكثرة. إذ فقط 2,5 بالمائة من المياه على سطح الأرض صالحة للشرب، وهو أمر مثير للقلق. وعندما نتحدث عن مواردنا المحدودة للمياه فإن المياه العذبة تشكل 3 بالمائة فقط من المياه على الأرض. وتشكل المناطق الجليدية والأنهار المتجمدة أغلب مصادر المياه العذبة، مما يجعل ما هو متاح أقل من واحد بالمائة وهو ما يمكن استخدامه للشرب والزراعة.

ومع زيادة عدد سكان الأرض، أصبح العالم في حاجة لمزيد من مصادر المياه للزراعة وإطعام الملايين حول العالم. ما زاد من صعوبة الأزمة، هو تزايد تلوث كميات المياه المتاحة للبشر سواء عن طريق الأسمدة أو التلوث الصناعي أو حتى الإفراط في استخدام المياه، مما يتسبب في انخفاض مياه الخزانات الجوفية في المدن المكتظة.

وكلهذه الأمور قد تدفع البشر في نهاية المطاف إلى الحروب للحصول على المياه الصالحة للشرب التي يبدو أنها آخذة في التناقص. حتى إذا تم التعاطي مع ظروف الطقس السيئة الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي، فإن الوضع لا يزال مخيفا.

ففي الوقت الذي تعاني فيه بعض المناطق من فيضانات، تقترب مناطق أخرى من هاوية الجفاف. على سبيل المثال، تعاني 85 بالمائة من مساحة ولاية كاليفورنيا الأمريكية من جفاف خطير واستثنائي وباتت مدن ومناطق زراعية تعاني من نقص المياه. ونظرا لأن مناطق كثيرة تشهد هطولا متفاوتا للأمطار وبطريقة لا يمكن التنبؤ بها، فقد بات الأمر ينذر بوقوع مجاعة أو خروج الأمور عن نطاق السيطرة.

وفيما أودت الفيضانات بحياة أكثر من مائتي شخص في ألمانيا، يتوقع أن تشهد العقود المقبلة توترات وسوء تغذية بسبب ندرة المياه في المناطق القاحلة، ما سيؤدي إلى نزوح جماعي وسيفاقم هذا من خطورة الصراع المناخي خاصة في إفريقيا. وفي هذا الصدد، فإن كامالا هاريس محقة في تحذيرها من نشوب حروب المياه في المستقبل.

تحلية مياه البحر لحل أزمة المياه العالمية؟

ما هو الحل؟.. التحلية؟

وإزاء ذلك، أين يكمن الحل؟ يقول الكثيرون إن الحل يكمن في الشواطئ أي تحلية مياه المحيطات والأنهار المتوفرة على سطح الأرض لنحل مشكلة نقص المياه ونتجنب شبح حروب المياه. بيد أن التحلية تأتي أيضا بمشاكل كبيرة. ففي مقدمة ذلك، يتطلب استخراج الملح من الماء طاقة مكثفة مما يعني أن العملية تزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي ساعدت في تغذية ندرة المياه في المقام الأول. ومثل مياه الأمطار، فإن محطات تحلية المياه باهظة الثمن وهي موزعة على نحو غير متساو. إذ إن نصف محطات تحلية المياه في العالم والبالغ عددها قرابة 20 ألفا تقع في بلدان الخليج الغنية بالنفط فيما تخدم غالبية هذه المحطات بلدان ذات دخول مرتفعة.

فعلى سبيل المثال في إفريقيا حيث يعاني شخص من كل ثلاثة أشخاص من انعدام الأمن المائي بشكل كبير، في المقابل فإن الوصول إلى محطات تحلية المياه يعد نادرا جدا خاصة في البلدان الإفريقية شديدة الفقر التي تعاني من ضعف الموارد ومن هطول أمطار متفاوتة أو موجات من الجفاف القاسية.

وتثير قضية تحلية مياه المحيطات والبحار مشكلة أخرى تتعلق بالمحلول الملحي، فبمجرد فصل المياه العذبة والحصول عليها، يتم إعادة المحلول الملحي إلى المحيط ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الملوحة فضلا عن استنفاد مستويات الأوكسجين في المياه وخنق الكائنات الحية.

الحاجة أم الاختراع!

ربما تقدم مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا بعض الحلول، ففي الوقت الذي تواجه فيه مستقبلا غامضا حيال مشكلة نقص المياه، إذ كانت في عام 2018 على شفا نفاد مواردها المائية، لجأت إلى قطع مئات الآلاف من الأشجار من أجل الحصول على المساعدة في إمدادات المياه.

وفي أمريكا الشمالية، انخفض الخزان الجوفي الذي يغذي مكسيكو سيتي إلى مستوى متدن خلال فترات الجفاف فيما تم إبلاغ عشرات الملايين من الأمريكيين في غرب الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة بأن عليهم تقليل وترشيد استهلاك المياه خلال العام المقبل بسبب المستويات المنخفضة في بحيرة ميد العملاقة التي تعد أكبر خزان اصطناعي في البلاد.

أما في تكساس وتحديدا في مقاطعة إل باسو ، قامت شركة مرافق المياه بتركيب منشأة خاصة بتنقية المياه ستكون بمقدورها بحلول عام 2028 معالجة مياه الصرف الصحي وتنقيتها وإعادتها ليتم استخدامها. أما فيما يتعلق بإعادة تدوير مياه الصرف الصحي للشرب، فالأمر يحدث منذ عقود في دول تعاني من نقص في المورد الحيوي المتمثل في المياه مثل ناميبيا، إذ يعد هذا من أرخص الطرق وأيضا أكثرها كفاءة مقارنة بتحلية مياه البحار أو المحيطات.

وفقا لتقرير مسرب أعده علماء مناح في الأمم المتحدة يُتوقع أن يصدر بعد عام 2022، فإن قرابة 350 مليون شخص آخرين من سكان المدن سيعانون من ندرة المياه جراء الجفاف الشديد مع تسجيل درجات الحرارة ارتفاعا يصل إلى 1,5 درجة مئوية. وقد يحدث هذا الأمر خلال العقد المقبل، وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

وحذرت الهيئة من عواقب عدم خفض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري الآن، إذ سيؤدي ذلك إلى ارتفاع درجات الحرارة وما ينجم عن ذلك من زيادة الضغوط على موارد المياه في العالم.

 Minky Sithole und ihre Familie holen Wasser
تضطر النساء في إسواتيني أو مملكة سوازيلاند سابقا إلى قطع مسافات طويلة للحصول على مياه صالحة للشربصورة من: Nyani Quarmyne/Wateraid/Panos Pictures

هل يمكن التأقلم مع الأمر؟

وفي ضوء هذه السبل وتفاقم التداعيات الناجمة عن التغير المناخي، هل يمكن للبشر التأقلم مع الأمر وإيجاد حلول لمشكلة نقص المياه؟ قد لا توجد إجابة قاطعة على هذا السؤال، لكن قد يمكن تحقيق هذا نوعا ما شريطة إحداث تغييرات رئيسية في نمط الحياة لا تقتصر على تقليل الاستحمام وتقليل غسل الملابس والسيارات.

بيد أن الأمر يتجاوز هذا الأمر إذ سيصل إلى الأغذية التي نتناولها والملابس التي نرتديها خاصة ما يتعلق بمدى استهلاك هذه الأغذية والملابس للمياه. فعل سبيل المثال، يحتاج كيلو غرام من حبوب قهوة الإسبريسو إلى حوالي 19 ألف ليتر من الماء، بينما يتطلب صنع بنطال جينز حوالي 10 آلاف ليتر من المياه فيما يحتاج كيلو واحد من اللحم البقري إلى 15 ألف ليتر من الماء. ومع إجراء القليل من العمليات الحسابية يمكن للبشر تحديد الأولوية فيما يتعلق بترشيد استهلاك المياه.

أما فيما يتعلق بالخضروات، فإن زراعة كيلوغرام من الجزر والطماطم يحتاج إلى حوالي 200 ليتر فقط فيما يتطلب زراعة كيلوغرام من الجريب فروت حوالي 500 ليتر من الماء. قد يبدو استهلاك الخضروات للموارد المائية كبيرا لكن سيبدو الأمر مختلفا إذ ما تم مقارنة ذلك مع ما يحتاج كيلو غرام واحد من اللحم البقري من المياه. ومن ثم، سيكون مدى استهلاك المياه عاملا هاما للتعامل مع مشكلة ندرة مصادر المياه.

فعلى سبيل المثال، قد يتعين علينا كبح جماح هوسنا بالشكولاتة، إذ أن كيلوغرام واحد من الشوكولاتة يستهلك أكثر من 17 ألف ليتر من الماء ويتساوى في ذلك استهلاك أشجار اللوز للمياه. وقد دفع هذا الأمر، المزارعين في ولاية كاليفورنيا المهددة بالجفاف إلى اقتلاع أشجار اللوز بسبب استهلاكها الكبير للمياه.

وفي أوروبا وأمريكا الشمالية، ربما لا يدرك الزبائن أصحاب الدخول المرتفعة نسبيا وهم يقومون بشراء ملابس مثل الجينز والقمصان التي تستنزف المياه في الأمازون أو بحر آرال في آسيا الوسطى من أجل زراعة القطن المستخدم في صناعة هذه الملابس، أنهم يساهمون في تقليل مقدار المياه التي يفترض أن تلبي احتياجاتنا في العقود المقبلة. قد يبدو هذا أمرا نظريا، لكنه ليس كذلك على أرض الواقع.

التغير المناخي يُفاقم مشكلة الأردن مع الماء.

الاكتفاء بالجزر وملابس مصنوعة من القنب؟

قد يمثل هذا الأمر حلا، لكنه جزئي لا يحل المشكلة بأسرها بمفرده. وفي ذلك، ذكر البروفيسور الهولندي أرين هوكسترا الذي ابتكر مصطلح "البصمة المائية" والتي تعني مقدار المياه التي تُستخدم لإنتاج سلعة معينة أو لزراعة محصول بعينه، أن خفض استهلاك البشر للحوم يمكن أن يقلل استهلاك المياه بأكثر من 35 بالمائة. إلا أن هوكسترا استدرك وقال إن هذا لن يكون كافيا.

ويمكن للزراعة التي تلعب دورا هاما في مواجهة أزمة ندرة المياه عن طريق تأهيل البنية التحتية للري لتكون أكثر فعالية لتقليل استهلاك المحاصيل للمياه، إذ إن الزراعة تستهلك أكثر من 70 بالمائة من المياه العذبة المتاحة، فيما يتم فقد الكثير منها خلال التبخر أو التسرب أثناء الري.

كذلك يمكن لزراعة أنواع معينة من الأشجار أن تساعد في هذا الأمر، فقد كشفت دراسة نشرت في وقت سابق من هذا العام عن أن تحويل الأراضي الزراعية إلى غابات يمكن أن يزيد من هطول الأمطار خاصة في فصل الصيف.

بيد أنه حتى في حالة تطبيق هذا الأمر، فإن المشكلة لا تزال قائمة وربما لا يرغب الكثيرون في التطرق إليها؛ إذ إنها تتمثل في الإجراء النهائي والحاسم في توفير المياه من خلال التخفيف من تداعيات ظاهرة التغير المناخي وفي المقدمة يأتي حفض انبعاث الكربون والتوجه بشكل سريع إلى تحقيق الحياد الكربوني حول العالم.

وقد تساعد هذه العوامل مجتمعة بداية من الملابس التي نرغب في شرائها أو الطعام الذي نتناوله وحتى الوصول إلى الحياد الكربوني، في إنقاذ الكثير من الأرواح ومنع نشوب حروب المياه.

ستيوارت براون / م.ع