علاء الأسواني: ..من يضطهد الأقباط ..؟
٣١ مايو ٢٠١٦في الثلاثينيات من القرن الماضي أعلنت وزارة الداخلية (في حكومة الوفد) عن مسابقة لتعيين موظفين، ثم تأخرت النتيجة فاشتكى المتسابقون لرئيس الوزراء مصطفى النحاس الذى استدعى المسؤول عن المسابقة وسأله فهمس في أذنه:
- "لقد وجدت معظم الفائزين من الأقباط فأجلت النتيجة حتى أستشير معاليك".
عندئذ طلب النحاس أسماء الفائزين ثم وضعها أمامه وقال:
- "أنا لا أرى هنا أقباطا ومسلمين. كلهم مواطنون مصريون فازوا في المسابقة ومن حقهم التعيين فورا".
وفعلا تم تعيين 17 موظفا في وزارة الداخلية من بينهم 12 قبطيا ..كان مصطفى النحاس يطبق ما تعلمه في حزب الوفد الذى علم المصريين معنى المواطنة بعيدا عن الدين. كان هناك في القيادة العليا للوفد تسعة أقباط من بين 27 قياديا وفديا، وقد انتخب الأعضاء الوفديون ويصا واصف ليكون - لأول وآخر مرة - رئيسا قبطيا للبرلمان المصري.
وقد وصل التآخي بين المسلمين والأقباط لدرجة انه في عام 1930 عندما جرت محاولة لاغتيال مصطفى النحاس تلقى الطعنة عنه سينوت حنا القبطي وأنقذ حياته. في تلك الفترة لم يقتصر التسامح الدينى على الأقباط فقط بل امتد ليشمل اليهود والبهائيين وحتى الملحدين.
وفي عام 1937 نشر اسماعيل أدهم (وهو عالم رياضيات ومفكر مصري) كتابا بعنوان "لماذا أنا ملحد؟." فلم يقتله متطرف ولم يٌقبض عليه بتهمة ازدراء الأديان بل انه كان محل تقدير برغم إلحاده ..
تذكرت هذا التاريخ من التسامح وأنا أقرأ عن المأساة التى حدثت مؤخرا في المنيا: فقد شاع أن شابا قبطيا ارتبط بعلاقة عاطفية مع سيدة مسلمة، واعتبر متطرفون مسلمون أن الأقباط مسؤولون جميعا عن هذه الجريمة فهددوهم بالاعتداء عليهم. وذهب الأقباط لإبلاغ الشرطة فلم تحرك ساكنا، وبالفعل نفذ المتطرفون تهديدهم فأحرقوا بيوت الأقباط وقاموا بتعرية سيدة في السبعين تماما في الشارع ليفضحوها، وكالعادة بعد كل اعتداء على الأقباط، صدرت بيانات إدانة وتحركت وفود وهيئات وانعقدت جلسات مصالحة ألقيت فيها كلمات رائعة عن الوحدة الوطنية، بيد أن المعتدين على الأقباط لم ينالوا جزاءهم حتى هذه اللحظة..
لماذا تدهور الحال بالأقباط من مواطنين كاملي الأهلية والحقوق إلى أقلية يتم استبعادها وتهميشها والاعتداء على حقوقها بلا رادع ولا عقاب..؟
الإجابة في كلمتين: الاستبداد والوهابية.
كان الأقباط يحصلون على حقوقهم كاملة في دولة القانون ثم انتهت الديمقراطية عام 1952، فتحول القانون من إطار ملزم للجميع إلى أداة في يد الديكتاتور يستعملها ويعطلها وقت ما يشاء. لايمكن أن نتوقع سيادة للقانون في نظام استبدادي، لأن الاستبداد في حد ذاته أكبر انتهاك للقانون وفاقد الشيء لا يعطيه. كما أن الديكتاتورية تفضل غالبا تجاهل المشكلات والتعتيم عليها بدلا من مواجهتها، وقد رأينا محافظ المنيا (وهو لواء متقاعد) يسارع بنفي تعرية السيدة القبطية ويتهم الإعلام بالتهويل وتضخيم الأمور.
ومن الناحية السياسية، يحتاج الديكتاتور دائما إلى أقلية مضطهدة خائفة ليكون هو حاميها ويضمن ولاءها ودعمها الدائم.
ما حدث في المنيا حدث عشرات المرات أيام مبارك وغالبا لم ينفذ القانون على المعتدين، وكانت رسالة النظام إلى الأقباط:
-"ها أنتم رأيتم ما يمكن أن يحدث لكم لو تنحى مبارك عن الحكم".
وقد نجحت هذه السياسة في إجبار الأقباط على تجنب السياسة وتدعيم نظام مبارك (باعتباره أهون الشرين) وظلت هذه المعادلة القائمة حتى اندلعت ثورة يناير فاشترك فيها آلاف الشباب القبطي. هؤلاء كان لابد من عقابهم فتم تدبير مذبحة ماسبيرو (أكتوبر 2011) حيث تم دهسهم بالمدرعات وقتلهم بالرصاص لإجبارهم على العودة مرة أخرى إلى حظيرة النظام ..
السبب الثاني لمعاناة الأقباط هو انتشار المذهب الوهابي في مصر سواء عن طريق ملايين المصريين الذين عملوا في الخليج وعادوا بالأفكار الوهابية أو عن طريق الجمعيات الوهابية التى تنفق ملايين الجنيهات لنشر أفكارها في مصر.
وطبقاً للمذهب الوهابي: لايجوز إظهار الود للأقباط ولا تهنئتهم في أعيادهم وهم ليسوا إخوانا للمسلمين ولا يجوز دعوتهم للطعام إلا بنية دعوتهم إلى الإسلام. كما لايجوز قبول شهادة القبطي على مسلم أمام القضاء (ماعدا حالة واحدة إذا مات المسلم على سفر ولم يجد إلا قبطيا لإعطائه وصيته) بل إن المسلم إذا قتل قبطيا لا يعاقب بالقتل عند الوهابيين وذلك لانعدام الندية فالمسلم أفضل من القبطى الكافر. .. هذه الأفكار الرهيبة التى تشكل جرائم كراهية في أى دولة متحضرة لا تنتشر سرا في مصر وإنما يقولها خطباء في المساجد وتطبع في كتب وتوزع على الناس.
إذا تربى شاب مسلم على هذه الأفكار ثم اختلف مع قبطي، فهل يدهشنا أن يعتدي عليه..؟!
ستستمر معاناة الأقباط - للأسف - مادامت مصر واقعة بين الاستبداد والوهابية. لن يحصل الأقباط على حقوقهم أبدا من الديكتاتور لأنه يفهم جيدا أنهم سيظلون يدعمونه بكل قوة ماداموا خائفين على حياتهم وممتلكاتهم. ولن يحصل الأقباط على حقوقهم كمواطنين مادامت الأفكار الوهابية منتشرة، لأنها تحقر منهم وتعتبرهم أعداء الإسلام وفي أحسن الأحوال كفارا أقل انسانيا من المسلمين.
أثناء اشتراكي في الثورة المصرية عشت مفهوم المواطنة الحقيقي. كان الأقباط في ميدان التحرير يتولون حماية المسلمين وهم يؤدون الصلاة وكنا أقباطا ومسلمين كثيرا مانقيم قداسا مع صلاة الجمعة في نفس الوقت. لن تنتهى معاناة الأقباط الا باقامة دولة ديمقراطية يتساوى فيها المواطنون بغض النظر عن أديانهم.
الديمقراطية هي الحل