1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

سيدي بوزيد : بوادر "ثورة ثانية" أم "ثورة مضادة"

خالد بن بلقاسم ـ تونس٢٨ أغسطس ٢٠١٢

تشهد سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية على وقع أحداث متفرقة ومد وجزر على خلفية مطالب اجتماعية تبنتها أكبر النقابات في البلاد ودعمتها أحزاب المعارضة ليصبح الحديث علنا عن "ثورة ثانية" وحديث يناقضه عن "ثورة مضادة".

https://p.dw.com/p/15xP8
Graffiti on the walls of Sidi Bouzid, Tunisia. Copyright: DW/Khaled ben Belgacem 18 August 2012, Sidi Bouzid, Tunesien
صورة من: DW

عادت مدينة محمد البوعزيزي إلى واجهة الأحداث بأكثر من عنوان رغم أن المشهد واحد. ما تشهده سيدي بوزيد دفع أيوب المسعودي، المستشار الإعلامي المستقيل لرئيس الجمهورية الذي يحاكم حاليا بتهمة المس بهيبة الجيش في مقال له حول "سيدي بوزيد... والمافيا"، بأنه "لم يعد هناك مجال للشك في أن النظام لم يسقط. وحكومة الترويكا والأحزاب المكونة لها خانت الثورة ودم الشهداء الأبرار بتحالفها مع نفس مكونات النظام البائد لتنسج على منواله في الحكم بالحديد والنار وإهانة المواطن التونسي بكل أدوات الإخضاع القمعية والجسدية والمعنوية والاجتماعية وخاصة الاقتصادية التي تمثل أدهى مداخل الاستبداد وتركيع الشعوب".

وقد وصف المسعودي ما تشهد سيدي بوزيد ب"غياب (أو انسحاب) شبه كلي للدولة اجتماعيا واقتصاديا مع حضور قوي للقمع البوليسي وثانيا استماتة في المطالبة بالكرامة الاجتماعية والحق في الشغل ومقاومة الاستبداد الجديد دون أن يمنع كل ذلك أهالي المنطقة من الأمل وحب العيش".

Sidi Bouzid Bouazizis Heimatstadt in Tunesien. Foto: DW/Mabrouka KHedhir Dezember 2011
تجمع احتجاجي في مدينة سيدي بوزيدصورة من: DW

"أسباب الثورة لاتزال قائمة"

ويقول التهامي الهاني، الكاتب العام الجهوي للاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات في البلاد، في حديث لـ DWعربية إن "شرارة الثورة التي انطلقت من سيدي بوزيد كانت بالأساس ثورة اجتماعية للمطالبة بالاستثمار والتشغيل والعدالة الاجتماعية، ولكن لم يحصل إلى حد اليوم أي تغيير في المنطقة، بل تفاقم الوضع وازداد سوءا، وزادت أزمة مياه الشرب وانقطاعها ببعض المناطق في تأجيج الوضع ببعض مدن المحافظة." وأوضح أن "الأهالي احتجوا على انقطاع مياه الشرب في شهر الصيام وهو احتجاج عفوي، إلا أن قوات الأمن جابهت المطالب الاجتماعية بالعنف الشديد وأوقفت عددا من الشباب ".

ويرى علي الكحولي، منسق جبهة 17 ديسمبر للقوى التقدمية بسيدي بوزيد (مجموعة من الأحزاب اليسارية) في حوار مع DWعربية "أن الوضع لايزال متوترا، وهناك عديد من الإشكاليات العالقة كموضوع عمال الحضائر وبطالة خريجي التعليم العالي وتضرر المزارعين خلال الموسم الحالي، والأخطر من ذلك كله تدهور واقع الحريات عبر تواصل سياسة الاستبداد والإيقافات التي تنتهجها السلطة المحلية".

ويضيف "نحن نعتبر أن ما عايشته المنطقة من أحداث بداية تشكل وعي لاستكمال مهام الثورة في الحرية والكرامة والشغل". ويرى علي كحولي أن "سيدي بوزيد تشهد بوادر ثورة جديدة ضد الاستبداد بعد أن فشلت الحكومة الحالية في تنفيذ البرامج الاقتصادية والاجتماعية... "

ويؤكد الكاتب العام الجهوي لاتحاد الشغل من جانبه أنه "تفاعلا مع ما تمر به الجهة من حرمان متواصل، وشهدت المنطقة إضرابا عاما قدرت نسبة نجاحه بـ 87 بالمائة، وكان من نتائجه إطلاق سراح الشباب المعتقلين، ولكن دون حفظ الدعاوى المرفوعة ضدهم". ويشير الهاني إلى "أن الأمور وإن انفرجت بشكل نسبي بعد إطلاق سراح الموقوفين، إلا أن أسباب الاحتقان الاجتماعي التي رافقت الثورة لاتزال موجودة والتوتر والاحتقان الشعبي لا يزال قائما".

وينفي التهامي الهاني تهمة الاستغلال السياسي للمطالب الاجتماعية للأهالي، ويبين " أن الحكومة الحالية لا تستسيغ النقد وتباين المواقف من القضايا الأساسية".

Main street Sidi Bouzid and the monument to Mohamed Bouazizi cart, Tunisia. Copyright: DW/Khaled ben Belgacem 18 August 2012, Sidi Bouzid, Tunesien
نصب تذكاري لعربة بيع الخضر التي كان يستخدمها محمد البوعزيزيصورة من: DW

استغلال سياسي لمطالب بعض الفئات

ويلخص محمد الطاهر شكري، الكاتب العام لحركة النهضة الإسلامية بالمنطقة في حديث لـ DWعربية أن مطالب الأهالي في سيدي بوزيد تتمحور حول مقاومة الانفلات الأمني وتطهير الإدارة من الفاسدين وتحقيق التنمية والتشغيل وهو الموضوع الذي يشهد تعثرا واضحا رغم جهود الدولة في الفترة الأخيرة.

ويقول شكري إن "الحديث عن ثورة ثانية تنطلق شرارتها من سيدي بوزيد من قبيل الأحلام، والتوصيف الوحيد الذي يمكن إطلاقه على ما يجرى هو محاولات يائسة لطابور الثورة المضادة، فالثورة لا سبيل لأن ترتد على أعقابها".

ويرى ممثل النهضة بالمنطقة أن "التحرك الأخير لبعض الفئات الاجتماعية كان عفويا، ولكن المسألة أخذت منحى سياسيا عندما تم توظيفها من قبل بقايا النظام القديم والأحزاب الخاسرة في الانتخابات الأخيرة بشكل لا يتلاءم مع منطق الدولة وروح الثورة".

ويلاحظ محمد الطاهر شكري أن "التوظيف السياسي أخذ أبعادا أخرى عبر "تخريب" مؤسسات الدولة والبنية التحتية، وخصوصا قنوات المياه التي تمد محافظتي سيدي بوزيد وصفاقس بالمياه الصالحة للشرب، وكذلك غلق الطرقات وتعطيل مصالح الناس بالقوة". ويقول إنه "تورط في هذه الأحداث بعض الشباب وتم تتبعهم جزائيا، ولكن المفارقة أن بعض الأطراف السياسية بالتنسيق مع الاتحاد الجهوي للشغل استغلت هذه الحوادث بالدعوة لإضراب عام." ويؤكد شكري أن الإضراب سجل فشلا ذريعا رغم محاولات طابور الثورة المضادة غلق المتاجر الخاصة والإدارات العامة بالقوة".

Bild: Alawi Tahrir Beschreibung: Alawi Tahrir (zweiter von links) und viele andere Tunesier sind mit der neuen tunesischen Regierung unzufrieden. Wo? Sidi Bouzid,Tunesien Wann? April 2012 Fotograf: Reese Erlich (alle Rechte für DW) Tahrir - Demonstrators Alawi Tahrir (quoted in story) is second from left with sun glasses Schlagworte dt: Alawi Tahrir,, Ennahda, Regierung, Tunesien, Proteste, Demonstration, Preise, Arbeislosigkeit, Arabischer Frühling.
الشباب التونسيون مستاؤون من أداء سلطات البلاد في تجاوز البطالة والتخلف الاجتماعيصورة من: Reese Erlich

نسق بطئ للمشروعات العمومية

وحول الإشكاليات المزمنة التي تعاني منها المنطقة يرى المهتمون بالشأن الاقتصادي على أنه على الحكومة الشروع في حل إشكاليات التنمية ودفع الاستثمار والتشغيل وإيجاد بدائل تنموية بالمحافظة. ويرى كثيرون أن نسب البطالة المرتفعة وتردي الواقع اليومي للمواطن البسيط تنبئ بأن الأوضاع لن تستقر وقد تشهد الجهة تحركات جديدة ما دامت أسباب "الثورة لا تزال قائمة".

ورغم ما تعيشه المنطقة من تجاذبات سياسية تطغى في بعض الأحيان على هموم المواطن، خصصت الدولة لمحافظة سيدي بوزيد ما يقرب من 475 مليون دينار لإنجاز عدد من المشروعات التي تهم قطاعات الري والصحة والبيئة وتهيئة المناطق الصناعية والتعليم والطرقات. ولكن بطء انجاز المشروعات العمومية قد يعمق حالة عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي التي تشهدها المنطقة، ويضع الحكومة أمام تحديات لا حدود لها ولا يمكن التنبؤ بنتائجها.