سوق العمل في العراق: عرض لا يرضي مطالب المشغلين
١٨ مارس ٢٠١١النفط مصدر الثروة في العراق، وهو فعلا بلد غني، رغم هذه الثروة ورغم الدخل القومي السنوي العالي في العراق فإن البطالة كانت ومازالت تشكل مشكلة كبيرة وتحديا خطيرا فيه. كل عام تدفع الجامعات بآلاف الخريجين إلى سوق العمل فلا يجدون لهم مكانا فيه. هناك إحصائيات غير مؤكدة تتحدث عن نسبة %30 من السكان عاطلين عن العمل، وهناك من يذكر نسبة أعلى، لكن المؤكد أن عددا كبيرا من القادرين على العمل والمحتاجين له لا يجدون فرصتهم. علاوة على الخريجين العاطلين عن العمل فإن أعدادا كبيرة من الشباب والشابات الذين لم يكملوا تعليمهم لا يجدون فرصا للعمل. فهل هي مسؤولية الحكومة ؟ أم أن العراق يعاني من مشكلات من نوع آخر لا تستطيع الحكومة لوحدها أن تحلها؟
مظاهر البطالة تتجلى في كل قطاعات العمل، وبشكل أكثر وضوحا في قطاع الصناعة المنهار بشكل كامل.
القطاع الخاص بعد سنوات التجربة الاشتراكية وبعد عقد من الحصار الاقتصادي توارى عن المشهد كليا.
من بين الحلول الممكنة تشجيع الاستثمارات الدولية لإيجاد فرص عمل جديدة.
"سوق العمل بطيء ومحصور في قطاع الخدمات"
الخبير الاقتصادي د.ماجد الصوري الذي شارك في الحوار من بغداد بيّن" أن عدد من هم في سن العمل يبلغ نحو 19 مليون شخص و حجم البطالة الكاملة يقدر ب 15% والبطالة الناقصة حوالي 25%، وعدد العاطلين المسجلين في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مليون ومائتين وخمسين ألف شخص. وتقوم دوائر وزارة العمل بتدريب وتأهيل بعض هؤلاء". وكشف الصوري عن وجود فجوة كبيرة بين العرض والطلب في سوق العمل، مشيرا إلى أن هذا السوق يعاني من بطء شديد ويكاد نشاطه ينحصر في مجال الخدمات وكاشفا عن وجود تخلف كبير في قطاعي الصناعة والزراعة .
وقال د.الصوري إن"الاستثمارات غائبة عن السوق العراقية وتنحصر في مجال البناء والتشييد ولا توجد شركات إنتاجية في مجالي الصناعة والزراعة، ولذا فإن الطلب على العمالة المحلية في الوقت الحاضر ضعيف جدا، ولا توجد نظرة شاملة في الجامعات والمدارس للمطابقة بين التأهيل الواقعي الملائم لسوق العمل".
أما الخبير الاقتصادي د.محمد الفخري فقد دخل الحوار من أستوديو دويتشه فيله في بون مشيرا إلى أن" الشهادة الجامعية لا تؤهل الخريج لدخول سوق العمل، فلابد من امتلاك الخبرة العملية لدخول سوق العمل، كما أن حملة الشهادات الجامعية في العراق لا يمتلكون الخبرة الكافية لتسويق أنفسهم، وقد اكتشفنا هذه المشكلة حين غادرنا العراق وواجهنا صعوبة كبيرة في تسويق أنفسنا".
غياب مناخ العمل
د.ماجد الصوري كشف عن غياب التنسيق بين الجامعات والمعاهد المهنية وبين سوق العمل مستشهدا بمثال من سوق العمل في قطاع المصارف العراقية وهي 46 مصرف حيث هناك طلب كبير جدا على العمالة في هذا القطاع، لكن المؤهلين للعمل فيه قلة، وحتى من يتم تشغيلهم في المصارف اليوم يحتاجون الى تدريب وتأهيل لفترة طويلة. وأورد د.الصوري مثالا آخر من مجال الترجمة، حيث أن اغلب الذين يدخلون هذا السوق يفتقرون إلى دراية كافية باللغات الأجنبية وخبرات الترجمة.
بالنسبة للقطاع الخاص ، فهناك حسب الإحصائيات الرسمية أكثر من 35 ألف مشروع صغير ومتوسط متوقف عن العمل تماما لأسباب عدة أهمها عدم توفر المناخ المناسب للعمل، فهم بحاجة إلى كهرباء ومياه ومواصلات ملائمة وهذا غير موجود في العراق، ونسبة مشاركة الناتج الصناعي اليوم في مجمل الدخل القومي لا يتجاوز 1%، ورغم أن العراق قد انفق 428 ترليون دينار منذ عام 2004 وحتى عام 2010 لتهيئة مناخ مناسب للصناعة والزراعة، إلا أن هذا المناخ لم يتحقق.
د.محمد الفخري نوّه بالقول إن القطاع الخاص الذي كان ضعيفا قبل عام 2003 قد تلاشى بعد هذا التاريخ، وانتقال الدولة العراقية من نظام السلطة المركزية إلى نظام تنافس السوق لم يحقق أي نجاح، ويمكن أن نصف ما يجري في العراق بأنها مرحلة انتقالية من الاقتصاد الشمولي إلى اقتصاد السوق.
وتشير إحصاءات غير عراقية إلى أن مستويات التضخم في العراق ظلت تتراجع منذ عام 2003، وأيد د.الصوري ذلك مبينا أنّ معدلات التضخم عام 2010 سجلت تراجعا بنسبة 3%، لكنه عاد ليشير إلى إن العوامل المسببة للتضخم ما زالت قائمة ومنها انفتاح السوق دون قيود للاستيراد.
الاستثمارات الألمانية: مخاوف تغذيها أوضاع العراق
د.عبد العزيز المخلافي الأمين العام لغرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية شارك في الحوار من برلين مشيرا إلى أن العراق مرّ خلال الأعوام الماضية بظروف خاصة، والاستثمار الألماني بشكل عام يُعرف بأنه استثمار متردد وهو يدخل دائما في استثمارات طويلة الأمد ولعل هذا هو السبب الأساسي لضعف الاستثمارات الألمانية في العراق، والمعروف أيضا عن الاستثمار الألماني بأنه لا ينشط في مجالات النفط والغاز بل ينشط في مجالات التقنية والإنتاج والخدمات.
واستعرض د.المخلافي مسيرة الاستثمارات الألمانية في العراق مشيرا إلى اتفاقية وقعت بين البلدين بهذا الخصوص، لكنه عاد ليؤكد أن الاستثمارات الألمانية هي ليست استثمارات حكومية، بل استثمارات القطاع الخاص ، وهذا القطاع لا يندفع للعمل في أي بلد إذا لم يتوفر عنصر الأمن والسلامة والضمانات التي تكفل الربح. وشرح د.المخلافي دور غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية مشيرا الى أنها عملت على توفير الأجواء الملائمة للعمل من خلال تنظيم ملتقى العراق الأول للأعمال في عام 2009، ومن خلال اللقاءات الاقتصادية الكبيرة التي تمت إبان زيارة رئيس الوزراء العراقي لألمانيا. كما أشار د.المخلافي إلى مساعي الغرفة لتنظيم ملتقى أعمال عراقي ألماني جديد خلال هذا العام يمكن أن يخلق مناخا مناسبا للعمل المشترك.
المحسوبية والسياسة وموت الزراعة
وفي مداخلة من بغداد ذهب أبو تيسير وهو موظف في مؤسسة إعلامية أجنبية إلى أن اغلب الشباب يرغبون في العمل في الشركات الأجنبية ومنها مكاتب المؤسسات الإعلامية الدولية في العراق ولكن فرص العمل فيها معدومة بالنسبة لهم لسيطرة طبقة من المدراء على نشاطات هذه المؤسسات ، فالمدير العراقي عادة هو الذي يتولى تعيين الموظفين الجدد وهو بالتأكيد سيقوم بتعيين أقاربه ومعارفه دون النظر إلى كفاءاتهم، وهؤلاء المدراء اغلبهم من كبار كوادر وزارة الإعلام الملغاة. والشاب المؤهل الذي يتقدم للعمل في هذه المؤسسات يواجه المحسوبية التي تلغي كل كفاءته.
المستمع الصحفي خليل خباز شارك في الحوار مشيرا إلى أن البنك المركزي العراقي يحول يوميا نحو 170 مليون دولار وهو أمر يضعف الاقتصاد – حسب رأيه-، كما أشار إلى أن القطاع الخاص لا يوفر للعاملين فيه ضمانات وامتيازات كما يعرض القطاع العام. واقترح خليل خباز العودة الى الاقتصاد الزراعي وهو ما فعلته أوروبا.
فيما أشار نافع الركابي الذي يعمل في قطاع النفط إلى أن الأجور التي تعرضها الشركات الأجنبية تفوق مثيلاتها التي تعرضها الشركات العراقية ، مبينا ان المهندس- مثلا- العامل في الشركات الأجنبية يتقاضى أكثر من 3000$ فيما لا يتقاضى المهندس العامل في الشركات العراقية أكثر من 1200$.
ملهم الملائكة
مراجعة: هبة الله إسماعيل