1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

خيارات واشنطن في نووي إيران.. ماذا لو فشلت المفاوضات؟

١٤ ديسمبر ٢٠٢١

تصريحات أمريكية وأوروبية تحمل في طياتها يأساً من المسار الدبلوماسي للمحادثات بشأن النووي الإيراني. يأس قد يشير إلى اقتراب إعلان فشل الدبلوماسية. فما هي البدائل المتاحة أمام واشنطن وحلفائها لو فشلت مفاوضات فيينا؟

https://p.dw.com/p/44Fow
علما الولايات المتحدة وإيران، صورة رمزية (14/07/2015).
يرى خبراء أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين تحمل في طياتها مؤشرات على فشل المسار الدبلوماسي مع إيرانصورة من: Carlos barria/AFP/Getty Images

 تحركات خليجية ودولية متسارعة جرت مؤخراً وسط تصريحات أمريكية وأوروبية تحمل يأساً تجاه إمكانية حل الملف النووي الإيراني وملفات إيرانية أخرى في ظل الدبلوماسية، فيما يدور حديث حول البحث عن "بدائل" للعملية السياسية.

يأس أمريكي وأوروبي؟

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قال إن بلاده تواصل انتهاج الدبلوماسية في التعامل مع إيران بشأن العودة إلى المحادثات النووية لأنها من بين أفضل الخيارات المتاحة. وأضاف بلينكن في مؤتمر صحفي عقده في إندونيسيا أن واشنطن تعمل جاهدة مع حلفائها وشركائها فيما يتعلق بالبدائل في حال فشلت مفاوضات فيينا الرامية إلى انقاذ الاتفاق النووي.

وشدّد على أن "ما نراه حتى الآن هو أن إيران تهدر وقتًا ثمينًا في الدفاع عن مواقف لا تنسجم مع عودة" إلى اتفاق عام 2015. وإذ اعتبر أن الدبلوماسية لا تزال "حتى اليوم" هي "الخيار الأفضل"،  أضاف "لكننا نناقش بشكل نشط بدائل مع حلفائنا وشركائنا".

تصريحات بلينكن سبقتها تصريحات أخرى لرئيس الحكومة البريطاني بوريس جونسون قال فيها إن المفاوضات الحالية في فيينا تُشكّل "الفرصة الأخيرة" لإيران.

أما دبلوماسيو ترويكا الاتحاد الأوروبي فقالوا "إننا نضيع وقتاً ثميناً في التعامل مع مواقف إيرانية جديدة لا تتسق مع خطة العمل الشاملة المشركة أو تتجاوزها الأمر الذي يثير الإحباط". وأضاف الدبلوماسيون الأوروبيون في بيان لهم: "بدون إحراز تقدم سريع، وفي ضوء التطور السريع لبرنامج إيران النووي، ستصبح خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) قريباً بلا معنى".

وحمل البيان في طياته تقييماً متشائماً على نحو غير عادي للجهود المبذولة لإحياء الاتفاق الذي حدت إيران بموجبه من برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية التي كانت قد فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عليها.

ويأس إيراني أيضاً!

إيران بدورها تصر على سلمية برنامجها وترفض أي محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة قبل رفع العقوبات الدولية والأمريكية المفروضة عليها، متهمة الأطراف الغربية المشاركة في اتفاقها النووي المبرم عام 2015 -المعلق حالياً- بالاستمرار في "لعبة إلقاء اللوم".

وقال كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني على تويتر: "بعض الأطراف الفاعلة ما زالت تمارس عادة لعبة إلقاء اللوم بدلا من الدبلوماسية الحقيقية. طرحنا أفكارنا مبكرا وعملنا على نحو بناء ومرن لتضييق الفجوات":

 

وفي ورقة بحثية نشرها مايكل سينغ المدير الإداري لمعهد واشنطن للدراسات، قال إن تشدد ايران في المفاوضات الحالية يعكس تدنّي احترام حكومة الرئيس ابراهيم رئيسي المتشددة لاتفاق عام 2015.

وأضاف سينغ أنه من المحتمل أن تكون إيران قد استنتجت من السنوات الأربع الأخيرة أن تخفيف العقوبات ليس أمراً جيداً بقدر ما تمّ تصويره - لأن الشركات الأجنبية كانت مترددة في إعادة دخول إيران حتى عندما كانت "خطة العمل الشاملة المشتركة" سارية المفعول ولأنه كان من السهل جداً على الولايات المتحدة أن تلغي الاتفاق من جانب واحد في عام 2018.

وقد يشك رئيسي أيضاً في استعداد إدارة بايدن لتنفيذ العقوبات في غياب اتفاق، ويعقد آمالاً كبيرة على علاقة إيران المتنامية مع الصين التي يأمل أن تكون ثقلاً موازناً بوجه الضغط الاقتصادي الأمريكي.

ويشدد الدكتور نبيل خوري نائب السفير الأمريكي في اليمن سابقاً على أن "إيران لا تريد الحرب رغم أنها تتوقعها منذ فترة طويلة وهذا ليس بجديد. لكننا لا يمكن أن نقول إنها تعمل من أجل الحرب. بيد أن تصرفات إيران ناتجة عن 4 سنوات من الركود الدبلوماسي خلال عهد ترامب الذي اعتقد أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي هو إشارة قوة، لكن الواقع يقول عكس ذلك، لأن الخروج من الاتفاقية سمح لإيران بأن تزيد من التحضيرات النووية والعودة إلى رفع نسبة تخصيب اليورانيوم دون وجود رقابة"، بحسب ما قال لـ DW عربية خلال حوار هاتفي.

ويرى خوري أيضاً أن هناك خلافاً كبيراً بين الصقور والحمائم في إيران، فالإدارة الحالية المتشددة ترى أن الإدارة السابقة فشلت وأن كل المجهود الذي بذل خلال عهد أوباما أطاحت به إدارة ترامب، وبالتالي -ومن وجهة نظر إيرانية- لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة لأن الإيرانيين يرون أنهم عملوا بجهد شاق مع إدارة ثم جاء شخص آخر في إدارة أمريكية جديدة وألغى كل ما فعله الرئيس السابق".

ماذا وراء التحركات المكثفة في الخليج؟

وسائل الإعلام السعودية قالت إن جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الخليجية استهدفت التأكيد على التضامن في الوقت الذي تسعى فيه القوى العالمية لإحياء الاتفاق النووي مع إيران وسط حالة من عدم التيقن في الخليج بشأن الدور الأمريكي في المنطقة، كما أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت محادثات مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي. وقال السفير الإسرائيلي لدى الإمارات إن المسألة الإيرانية كانت مطروحة على جدول أعمال المباحثات.

ويرى خوري أن استمرار الجهود الدبلوماسية والتي ارتفعت وتيرتها أكثر بكثير من فترة حكم دونالد ترامب، يعني وجود أمل وإن كان ضئيلاً، "لكن علينا أن نعرف أنه لا شيء يعلن فشل الجهود الدبلوماسية إلا الحرب والعمليات العسكرية التي تبدأ فور فشل الحلول السياسية ".

ويضيف الدبلوماسي الأمريكي السابق أنه في بداية عهد بايدن كانت هناك آمال لإعادة المفاوضات مع إيران والعودة الى الاتفاق النووي وسط أجواء من التفاؤل توجت بتعيين روبرت مالي كمبعوث خاص للمحادثات مع إيران وكانت الخارجية الامريكية بأكملها تتحرك في هذا الموضوع وهو أحد أهم الملفات لدى الادارة الحالية.

ويتابع خوري أن هذه الدبلوماسية وحدها لم تصل إلى نتيجة والدلائل تقول إن "هناك تأزم في المحادثات بفيينا وقد نصل لطريق مسدود لكننا لم نصل إليه بعد، والمحاولات الدبلوماسية لا تزال مستمرة.. هذا الإدارة لم تصل بعد إلى استنتاج فشل الدبلوماسية لكن توقعات المراقبين والمحللين تقول إننا في هذا الاتجاه".

 الدكتور نبيل خوري نائب السفير الأمريكي  في اليمن سابقا (18/08/2013).
يرى خوري أن هناك تأزماً في المحادثات بفيينا وقد تصل المسألة في النهاية إلى طريق مسدودصورة من: privat

ويرى خورى أن هناك تأرجحاً في المواقف بين الإمارات والسعودية حيال إيران، "فهناك دعوات لاتخاذ وسائل ضغط أقوى على طهران"، مع خوف الخليجيين على اختلاف توجهاتهم من وقوع حرب. بيد أن الإمارات وضعت نفسها في مكانة اقتصادية وسياسية في المنطقة، خاصة بعد العلاقة التي بدأتها مع اسرائيل لكنها لم تصل بعد الى درجة من الثقة تؤهلها للدخول في حرب مع إيران حتى إلى جانب الولايات المتحدة واسرائيل فهم - الخليجيون وخصوصا الامارات - يرون أن حربا من هذا النوع ستدمر كل التقدم الاقتصادي والتجاري الذي أنجز خلال العشرين عاما الماضية.

سيناريوهات ما بعد "فشل" الدبلوماسية

يقول مايكل سينغ المدير الإداري لمعهد واشنطن للدراسات في ورقة بحثية إن السعودية السنية وإيران الشيعية تنخرطان في تنافس على مد النفوذ في المنطقة والذي تجسد في الحرب الدائرة في اليمن وفي لبنان حيث أثار صعود نفوذ جماعة حزب الله المدعومة من إيران التوترات في علاقات بيروت مع دول الخليج.

ويضيف أن الرياض وأبوظبي تتعاملان مع إيران لاحتواء التوتر، إذ تخشيان من طموحات طهران النووية وبرنامجها الصاروخي ومد نفوذها في المنطقة. وتحركت أبوظبي بوتيرة أسرع لمد الجسور مع إيران وتركيا إلى جانب التعامل مع سوريا بعد أن أقامت علاقات رسمية مع إسرائيل العام الماضي.

لكن كافة الأطراف تؤكد على أن المفاوضات لا يمكن أن تستمر إلى الأبد ومن دون سقف زمني. فبالنسبة للإدارة الأمريكية الحالية يبقى "الخيار الأول هو الدبلوماسية ولكن بسقف زمني معين وليس لأجل مفتوح، وأعتقد أننا بعد عام من المفاوضات قد وصلنا إلى هذا السقف وربما نكون على أبواب إعلان فشل الدبلوماسية"، بحسب ما يقول الدكتور نبيل خوري.

يضيف خوري أن الخيار الثاني هو زيادة الضغوط المتنوعة، "فإدارة بايدن لم تُلغ أياً من العقوبات التي كان قد فرضها ترامب على إيران بل بالعكس ربما تزيد منها، وهذا الاختيار معناه زيادة العقوبات بأشكال مختلفة وأقوى لكن الفكرة هي أنه تم استنفاد كل وسائل الضغط ضد إيران".

الخيار الثالث تحدث عنه الدكتور خوري وذكره أيضاً مايكل سينغ المدير الإداري لمعهد واشنطن للدراسات ويتمثل في سياسة تقليم الأظافر الإيرانية في العراق واليمن ولبنان. ويرى نبيل خوري الدبلوماسي الأمريكي السابق أن "اتجاهاً من هذا النوع في المنطقة حالياً - وهي دعوات جاءت من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة - سيجعلنا نخرج من طريق العقوبات وندخل في خيار الحرب".

درجات استعمال القوة

ويقول مايكل سينغ المدير الإداري لمعهد واشنطن للدراسات إن إحجام إدارة بايدن عن القيام بالدخول في حرب أمر واضح. فلا الديمقراطيون ولا الجمهوريون مهتمون بشكل خاص بصراع عسكري آخر في الشرق الأوسط، ومن المرجح أن يكون البيت الأبيض قلقاً من أن إصدار التهديدات قد يدفع الإدارة الإيرانية الجديدة المتشددة إلى رفض المشاركة في المساعي الدبلوماسية بسبب شعورها بالإهانة. ومع ذلك، فللردع العسكري الأمريكي الموثوق ثلاث مزايا تستحق أن تؤخذ في عين الاعتبار:

أولاً: سيكون هذا الردع بمثابة رسالة إلى إيران مفادها أن امتلاك سلاح نووي قد لا يكون مكلفاً فحسب، بل مستحيلاً أيضاً.

ثانياً: قد يقدم هذا الردع ضماناً لشركاء الولايات المتحدة في المنطقة، كالسعودية أو إسرائيل، الذين قد يشعرون بأنهم مضطرون إلى التصرف ضد إيران بأنفسهم أو الاستثمار في إمكانياتهم النووية الخاصة - إذا لم تتحرك الولايات المتحدة.

ثالثاً: من شبه المؤكد أن أي رئيس أمريكي، بغض النظر عن انتمائه الحزبي، قد ينظر في خيار العمل العسكري إذا ما حصل على معلومات استخباراتية عاجلة وذات مصداقية تفيد بأن إيران قررت المسارعة إلى صنع سلاح نووي، نظراً للتهديد الذي قد تشكله تلك التطورات على الأمن القومي الأمريكي. لذلك من المفضّل حتى الآن أن تدرك إيران عواقب مثل هذا القرار، بدلاً من إساءة فهم المخاطر والتحريض على صراع مع الولايات المتحدة بسبب خطأ في الحسابات.

في هذا السياق يقول الدكتور خوري إن استعمال القوة قد يكون على درجات ولا ضرورة لأن تندلع حرب مباشرة ويمكن أن يكون في مناطق كاليمن أو لبنان أو العراق، "لكن الدخول في هذا الطريق يعني أنك تسير في اتجاه الحرب المباشرة مع إيران آجلاً أم عاجلاً، إضافة إلى أن إسرائيل تقترح ربما منذ 2010 توجيه ضربة مباشرة لإيران حمل نوعاً من اليأس خلال عهد أوباما، لكن عاد الحديث حول الأمر خلال عهد ترامب الذي لم يكن يريد بدوره حرباَ مع إيران".

ويقول خوري إن هناك إعادة تفكير في مسألة الحرب خاصة من جانب إسرائيل وأن "المحادثات بين وزيري الدفاع الأمريكي والإسرائيلي تشير إلى أن هناك إعادة تحديث للخطط الموجودة للحرب مع إيران وهي خطط ربما تعود إلى 10 أو 12 عاماً مضت، بالتالي هي تحتاج إلى تحديث في الفترة الحالية، خاصة مع تغير مستويات القوة لدى الجميع بما فيها إيران نفسها".

ويشير خوري إلى أن الحرب غير المباشرة مستمرة ضد إيران منذ ما يقرب 10 سنوات أو أكثر، "تتمثل في قتل واغتيال عملاء وعلماء نوويين واغتيال شخصيات عسكرية إيرانية ومناوشات بحرية خصوصاً المناورات الأخيرة في البحر الأحمر والتي اشتركت فيها الإمارات ما اعتُبر رسالة تحذير تلقتها إيران كعلامة خطر".

ويرى مراقبون أن دول الخليج يتنازعها أمران: الأول محاولة إقناع إيران باتخاذ بعض الخطوات لإرضاء الغرب والسعودية والثاني محاولة اتخاذ موقف قوي تجاه إيران.

ويعتقد الدكتور خوري أن الخليج "يخشى للغاية من الحرب، فالمشكلة في الحرب مع إيران ليست أبداً في الأيام الأولى، إذ إنه في البداية قد تدمر القدرات النووية والعسكرية والبنية التحتية الإيرانية، لكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟".

يجيب خوري بالقول: "ستقوم إيران بالرد بكل تأكيد وستدفع بعملائها في عدد من الدول في المنطقة وتنفذ تفجيرات وتهدد كافة المنشآت الاستراتيجية بل وحتى قد تهدد السفارات الأمريكية، ما قد يسبب دماراً هائلاً في المنطقة قد يستمر لعشر سنوات على الأقل، لذا أعتقد أن تواصل الإماراتيين مع إيران مؤخراً كان بهدف عدم الوصول إلى نقطة اللاعودة".

عماد حسن