1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: لا خيار أمام الليبيين سوى شد المزيد من الأحزمة

١٤ يوليو ٢٠١٨

عاد النفط الليبي إلى الأسواق بعد توقف هدد بانهيار مالي في بلد يعيش على عائداته بشكل شبه كامل. كيف يبدو مستقبل هذه الثروة في ظل استمرار التشرذم السياسي والصراعات المسلحة والتدخلات الخارجية التي لا تعصف فقط بهذه الثروة؟

https://p.dw.com/p/31RIZ
Libyen - Öl-Brand
صورة من: Reuters/The National Oil Corporation

في ليبيا لا يمكن تصور اقتصاد بدون عائدات النفط التي تشكل حالياً نحو 100 بالمائة من صادرات البلاد. وهكذا فإن توقف أو تعطيل هذه الصادرات ينذر بانهيار مالي واقتصادي حتمي في هذا البلد، لاسيما وأن الاحتياطات المحلية لدى مصرف ليبيا المركزي تقلصت إلى الثلث. أما الاحتياطات الخارجية بقيمة حوالي 70 مليار دولار فهناك حظر دولي عليها. هذا الانهيار حذر منه فائز السرّاج رئيس حكومة الوفاق الوطني، المدعومة دولياً والتي تتخذ من طرابلس غرب البلاد مقراً لها، بعد توقف صادرات النفط الليبية أوائل تموز/ يوليو الجاري 2018. وجاء هذا التوقف بعد سيطرة قوات الجيش الوطني الليبي التي يقودها المشير خليفة حفتر على مرافئ النفط الرئيسية الواقعة في منطقة الهلال النفطي التي تضم راس لانوف وسدرة والزويتينية والحريقة.

يبدو أن المخاوف من الانهيار من جهة والضغوط الدولية المتزايدة لاسيما الأمريكية منها من جهة أخرى دفعت حفتر إلى تغيير موقفه وإعادة تسليم عمليات تصدير النفط للمؤسسة الوطنية الليبية للنفط واستئناف التصدير بعد توقف شبه كلي دام نحو أسبوعين وخسائر زادت على مليار دولار. المؤسسة الوطنية، التي تشرف على عمليات التصدير ومقرها طرابلس الغرب، تنفست الصعداء وأعلنت نهاية الأسبوع أن التصدير سيعود تدريجياً إلى الوضع الطبيعي في غضون ساعات. ومما يعنيه ذلك استئناف تدفق العائدات النفطية التي يتم تحويلها إلى مصرف ليبيا المركزي وهو الجهة الوحيدة التي ما تزال تدفع رواتب الموظفين وتموّل الواردات من الأغذية والأدوية وسلع ضرورية أخرى في مختلف أنحاء ليبيا بغض النظر عن الجهة التي تسيطر عليها. 

النفط بين الصراعات والمصالح

جاءت سيطرة قوات المشير خليفة حفتر، أي قوات الجيش الوطني الليبي الذي يحظى بدعم قوى من مصر والإمارات ودول عربية أخرى، على المنشآت النفطية في منطقة الهلال المذكور بعد معارك مع ميليشيات أخرى سيطرت عليها في يونيو/ حزيران الماضي. ويتهم حفتر وحكومته المؤقتة، التي تتخذ من طبرق مقراً لها برئاسة عبدالله الثني، مصرف ليبيا المركزي الذي تشرف عليه حكومة السرّاج بدعم جماعات إسلامية متطرفة وسوء توزيع عائدات النفط التي تأتيه عن طريق المؤسسة الوطنية للنفط. وعليه فإن حفتر يطالب بتغيير رئيس المصرف السيد الصديق الكبير، كما يسعى إلى إقامة مؤسسة نفطية موازية انطلاقاً من مناطق نفوذه في شرق البلاد، غير أن الأمر ليس بهذه السهولة، لأنه لا يحظى بدعم دولي على غرار حكومة السرّاج. كما أن التوقيع على عقود دولية نفطية بديلة عن تلك الموقعة مع المؤسسة الوطنية للنفط صعب جداً في الوقت الحالي على ضوء شروط التأمين القاسية وغياب الضمانات اللازمة في ظل غياب الاستقرار الأمني والتشرذم السياسي.

على ضوء ذلك وانطلاقاً من ارتباط لقمة عيش جميع الليبيين بمن فيهم القوات التابعة لحفتر والحكومة التي تؤيده بعائدات النفط نجحت الضغوط الغربية والأمريكية في دفعه للعدول عن خططه. يضاف إلى ذلك أن السراج رد على مطالب حفتر بالدعوة إلى تشكيل لجنة دولية تراجع كافة إيرادات ومصروفات وتعاملات مصرف ليبيا المركزي بهدف الشفافية وتوضيح الأمور العالقة.

استمرار المشكلة

أضحى التوقف الجزئي لصادرات النفط الليبي مألوفاً منذ إسقاط نظام الزعيم القذافي عام 2011 بسبب غياب حكومة مشتركة وتناوب سيطرة الميليشيات المدعومة من جهات محلية وعربية ودولية على مناطق تقع فيها حقول النفط وخطوط نقله وتصديره. غير أن التوقف الأخير هو الأخطر كونه شلّ الصادرات النفطية من مرافئ التصدير الرئيسية التي تأتي من خلالها العائدات النفطية. ويقوم مصرف ليبيا المركزي بصرف هذه العائدات على الرواتب واستيراد السلع الأساسية من أغذية وأدوية وألبسة في كل أنحاء ليبيا. ويعد المصرف حالياً المؤسسة الوحيدة التي يتجاوز نشاطها التشرذم السياسي الذي تعاني منه البلاد بين حكومتين إحداهما في الشرق حيث تسيطر قوات حفتر والأخرى في الغرب بزعامة السراج وما بينهما من ميليشيات قبلية وجماعات جهادية وإرهابية متطرفة تنتشر في الوسط والجنوب ومناطق أخرى. ومع استمرار التشرذم واستمرار الصراعات المسلحة ليس من المستغرب تكرار توقف الصادرات وتعطيل ضخها مستقبلاً.

واشنطن والنفط الليبي!

تدخل الولايات المتحدة بقوة على خط الأزمة الليبية حالياً في وقت تنشط فيه باريس وروما بشكل أقوى منذ أشهر. ويدل على ذلك تعيين القائمة بالأعمال الأمريكية السابقة لدى ليبيا ستيفاني ويليامز نائبة للمبعوث الدولي للدعم في ليبيا غسان سلامة. ويهدف التوجه الأمريكي الجديد على ما يبدو إلى ضرب عصفورين بحجر أولها التأثير على أسواق النفط من خلال النفط الليبي والثاني تقليص الخلافات السياسية بين القوى التي يدعمها الغرب بهدف المساعدة على لجم الجماعات الجهادية التي يزداد نفوذها في أفريقيا انطلاقاً من الأراضي الليبية بعد اندحار تنظيمي "داعش" والقاعدة في سوريا والعراق. ومن التبعات المتوقعة لذلك على صعيد النفط استمرار ضخ النفط الليبي إلى الأسواق الخارجية، وربما زيادة الضخ لأن الولايات المتحدة تسعى حالياً وقف ارتفاع أسعار الذهب الأسود والتعويض عن الصادرات الإيرانية في حال توقفت ولو جزئياً تحت الضغوط الأمريكية.

Deutsche Welle Ibrahim Mohamad
المحلل الاقتصادي ابراهيم محمد: مستوى معيشة الليبيين إلى مزيد من التدهورصورة من: DW/P.Henriksen

أيام صعبة بانتظار الليبيين

بالنسبة إلى ليبيا يعني التوجه الجديد استقرار العائدات في حال بقاء الأسعار عند الحدود الحالية بين 70 إلى 75 دولاراً للبرميل الواحد. وسبق لهذه العائدات أن تدهورت إلى نحو 11 مليار دولار عام 2017 بعدما كانت بحدود أكثر من 60 مليار دولار عام 2012. وقدرت خسائر ليبيا النفطية بسبب الأزمة وتراجع أسعار النفط  بأكثر من 160 مليار دولار منذ عام 2014. ويزيد الطين بلة تجميد أموال صندوق الثروة السيادي الليبي في الخارج بقيمة وصلت إلى نحو 70 مليار دولار عام 2011. أما احتياطات مصرف ليبيا المركزي فتراجعت قيمتها إلى الثلث منذ عام 2012 لتصبح أقل من 40 مليار دولار. وقد أدى تراجع العائدات والاحتياطات والسيولة المالية إلى تراجع النفقات العامة وتجميد الاستثمارات وتردي الخدمات العامة في الصحة والتعليم والغذاء والدواء. ويصبح الوضع أصعب فأصعب مع استمرار ارتفاع الأسعار بنسب تزيد على 25 بالمائة سنوياً. وتشكل مشكلة الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا عبر الأراضي الليبية عامل ضغط إضافي على السلطات المحلية. وهناك حديث عن انتشار الفقر على نطاق واسع في بلد لم يعرفه من قبل.

ومن هنا فإن استمرار تصدير النفط من مصلحة الغالبية الساحقة من الليبيين كونه يؤمن الحد الأدنى من السلع الضرورية اليومية. أما تحسّن مستوى معيشتهم إلى مستوى ما قبل 2011 فأمر بعيد المنال لأسباب عدة أولها تراجع معدل الإنتاج اليومي من النفط إلى أقل من النصف، أي من 1.7 مليون برميل في عام 2010 إلى أقل من 800 ألف برميل حالياً. وما تزال الأسعار بعيدة عن مستواها الذي زاد على 100 دولار للبرميل الواحد قبل عام 2014. كما أن البنية التحتية الخاصة بالنفط والتي تم إهمالها على مدى سنوات الأزمة بحاجة إلى استثمارات ضخمة بالمليارات حتى تعود إلى مستواها قبل 7 سنوات. وحتى ذلك الحين ليس أمام الليبيين سوى شد المزيد من الأحزمة، لاسيما في ظل غياب الاستقرار الأمني واستمرار الأزمة السياسية وتزايد التدخلات الأجنبية في بلادهم.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات