1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

سياسة ميركل الاقتصادية.. ما لها وما عليها

١٧ أغسطس ٢٠٢١

واجهت المستشارة أنغيلا ميركل وحكوماتها خلال فترة حكمها الأزمات الصعبة بنجاح ورباطة جأش. غير أنها فوتت على ألمانيا فرص الريادة في قطاعات مستقبلية عديدة. السؤال المطروح، هل تستطيع الحكومة القادمة مواجهة التحديات القائمة؟

https://p.dw.com/p/3z2aA
المستشارة أنغيلا ميركل تتولى سدة الحكم في ألمانيا منذ عام 2005
كيف ستواجه ألمانيا التحديات الاقتصادية القائمة بعد رحيل المستشارة أنغيلا ميركل عن سدة الحكم؟ صورة من: CHRISTIAN MANG/REUTERS

مع وصول المستشارة أنغيلا ميركل إلى سدة الحكم في عام 2005 كانت ألمانيا قد شهدت إصلاحات عميقة في سوق العمل والضمانات الاجتماعية خلال فترة حكم المستشار السابق غيرهارد شرودر. وتمت هذه الإصلاحات في إطار خطة المستشار الاشتراكي "أجندة 2010" التي لاقت ترحيبا من أرباب العمل ورفضا من النقابات. وقد تبنت المستشارة إصلاحات شرودر التي سمحت بتقليص الأجور وتسهيل قوانين تسريح العاملين. كما عززتها في الفترة الأولى من حكمها بإجراءات إضافية مثل تقليص عبء المساهمة في التأمين ضد البطالة وتخفيض معدل ضريبة أرباح الشركات من 38 إلى 30 بالمائة. وبغض النظر عما قيل في الإصلاحات بين مؤيد ومعارض بسبب تبعاتها الاجتماعية القاسية على الكثيرين، فإنها أخرجت ألمانيا من فترة ركود طويلة بقيت خلالها معدلات النمو السنوية بحدود 0,5 بالمائة أو أقل. كما وصلت نسبة البطالة في بعض الولايات آنذاك إلى 13 بالمائة.

ازدهار اقتصادي واحتياطات مالية 

بدأت ميركل بقطف ثمار الإصلاحات بعد وصولها إلى سدة الحكم مباشرة، إذا ارتفع معدل النمو السنوي إلى أكثر من ثلاثة أمثالة متجاوزا عتبة 1,5 بالمائة اعتبارا من عام 2005. وقد استمرت معدلات النمو العالية التي زادت أحيانا على 2 بالمائة خلال القسم الأكبر من سنوات حقبة المستشارة التي تنتهي في سبتمر/ أيلول القادم 2021. وفي الفترة من عام 2012 وحتى اندلاع جائحة كورونا في ربيع 2020 شهدت البلاد ازدهارا اقتصاديا نادرا، في وقت ساد فيه الركود غالبية دول القارة الأوروبية الرئيسية والكثير من دول العالم. وهو الأمر الذي خلق أكثر من 3 ملايين فرصة عمل جديدة وخفّض معدل البطالة إلى أقل من 4 بالمائة. ورافق هذا الازدهار طفرة في زيادة الصادرات والعائدات الضريبية بشكل أعاد الميزانية إلى التوازن وأدى إلى تراكم احتياطيات مالية كبيرة عكست انضباطا ماليا عاليا للحكومة وشكلت منقذا في وقت الشدة.

حنكة ميركل ورباطة جأشها 

ساعد نمو الاقتصاد وتراكم الاحتياطات ميركل وحكوماتهاعلى إدارة الأزمات الأربع الكبرى خلال فترة حكمها بنجاح على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. وهكذا تمت مواجهة تبعات الأزمة المالية العالمية والأزمة الاقتصادية الأوروبية بين عامي 2008 و 2012 التي كلفت الاقتصاد الألماني مئات المليارات. ثم جاءت أزمة اللاجئين في عام 2015 بتكاليف سنوية زادت على عشرات المليارات. أما أعباء مواجهة تبعات جائحة كورونا المستمرة فقد تكون الأعلى. وبلغت قيمة حزم الأموال التي خصصتها حكومة ميركل لمواجتها بشكل مباشر حتى الآن نحو 240 مليار يورو، عدا عن مئات المليارات التي تم تخصيصها لمواجهة الجائحة على  المستوى الأوروبي. وعلى ضوء خبرة السنوات السابقة، يمكن القول إن رباطة جأش ميركل وتعاملها الحازم مع هذه الأزمات رغم الانتقادات الأوروبية القاسية، جنّب ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي المزيد من الإفلاسات كتلك التي شهدتها اليونان والبرتغال وإيرلندا.

ألمانيا بحاجة إلى خبراء رقميين!

تفويت فرصة الريادة في قطاعات المستقبل

خلال فترة حكمها ركزت المستشارة على إدارة الوضع القائم واستمراره وتعزيز الثقة فيه دون تغيير يُذكر طالما بقيت عجلة الاقتصاد تدور وتدر المزيد من الأموال على خزينة الدولة. ويمكن القول إنها وبعد مرور السنوات الثلاث الأولى من حكمها اعتمدت سياسة اقتصادية مريحة بعيدة عن تنفيذ خطط مستقبلية تضمن الريادة الاقتصادية في قطاعات المستقبل رغم الوعود المتكررة بذلك. وهكذا استمر الدعم الحكومي للقطاعات الصناعية التقليدية كصناعة السيارات والفحم.

ويرى خبراء أمثال مارسيل فراتشر رئيس معهد الاقتصاد الألماني"DIW" أن هذا الدعم التقليدي يقوم على "التكافل وتبادل المصالح السياسية  الوثيق بين الطرفين بشكل يعيق الابتكار والتغيير". ومقابل هذا الدعم بهت أو غاب الدعم الفعال للاستثمار والابتكار في الرقمنة والطاقات المتجددة وحماية المناخ. وهكذا تخلفت ألمانيا عن الركب العالمي والريادة في قطاع الطاقات المتجددة لصالح الصين على سبيل المثال. وفي مجال الرقمنة وتقنية المعلومات تعاني البلاد من ضعف البنية التحتية خارج المدن وهناك نقص كبير في توفير الكفاءات اللازمة للنهضة بهذا القطاع. وجاء في استطلاع لمعهد "إيفو/ IFO"  مؤخرا أن مايزيد على 34 بالمائة من الشركات الألمانية تعاني من نقص العمالة المتخصصة وخاصة في مجال المعلوماتية والخدمات الطبية وتجارة التجزئة رغم جائحة كورونا. أيضا في مجال حماية المناخ لم تحقق البلاد الأهداف التي وضعتها الحكومة واتفاقية باريس للمناخ بسبب التعارض بين المصالح الاقتصادية للصناعة وخطط التخلص من الانبعاثات الضارة.

إضافة إلى ذلك فإن الحكومة فوتت فرصة استكمال عملية الإصلاح واستغلال الأزمات لإصلاح النظام المالي والبنوك التي كلف إنقاذها من الإفلاس خلال الأزمة المالية العالمية عشرات المليارات. وكذلك الأمر بالنسبة للشركات الكثيرة التي تعاني الشيخوخة وتقادم طبيعة الانتاج. ورغم دعم ميركل وحكوماتها القوي للاتحاد الأوروبي فإنها بقيت متخفظة وغير متحمسة لإصلاح المؤسسات المالية الأوروبية بشكل فعلي وتعزيز حضورها وصلاحياتها على المستوى الوطني. 

ابراهيم محمد: الخبير في الشؤون الاقتصادية في مؤسسة دويتشه فيله
ابراهيم محمد: ازدهار الاقتصاد الألماني ساعد المستشارة ميركل على مواجهة الأزمات بنجاح وجدارةصورة من: DW/P.Henriksen

خليفة ميركل والتحديات القائمة

وهكذا مع اقتراب نهاية حقبة ميركل تقف السياسة الاقتصادية الألمانية التي اتبعتها أمام تحديات ليس بالأمر السهل تجاوزها. فإضافة إلى تحديث قطاعات المستقبل ومحاولات اللحاق بركب الريادة العالمية، ما يزال الاقتصاد يئن تحت وطأة جائحة كورونا وتبعاتها. وقد أظهر مسح قام به معهد زد إي دبليو "ZEW" للدراسات الاقتصادية مؤخرا تراجعا حادا في ثقة مجتمع الأعمال في ألمانيا ومنطقة اليورو ككل. ومن الأسئلة الهامة التي تطرح نفسها هنا، هل يستطيع أو تستطيع خليفة ميركل مواجهة هذه التحديات؟

تمتلك ألمانيا مقارنة مع دول الدول الأوروبية والصناعية الأخرى ميزات عديدة من بينها توفر فوائض مالية كبيرة تتيح للحكومة القادمة مجالا أوسع لزيادة الانفاق والاستثمار وتجاوز تبعات جائحة كورونا والتحديات المستقبلية الأخرى.وتتمتع الكثير من الشركات الألمانية بالمرونة والابتكار في مجالات شتى. غير أن التحدي الأكبر في استغلال الإمكانيات القادمة بشكل يضمن استمرار الازدهار يكمن في قيام حكومة تدعم قطاعات المستقبل على حساب نفوذ لوبيات الصناعات التقليدية التي تريد الحفاظ على مصالحها بأي ثمن.

ابراهيم محمد