1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

بعد الكارثة... ميناء درنة مكبّ لسيارات وحطام وجثث

٢٢ سبتمبر ٢٠٢٣

منذ نحو عشرة أيام، تحوّل ميناء درنة في شرق ليبيا من مرفأ يستقبل السفن والبضائع والركّاب وينطلق منه الصيادون إلى مكبّ لجثث وسيارات وركام، بعد فيضانات جرفت أحياء كاملة من المدينة نحو البحر.

https://p.dw.com/p/4Wh3Z
أدى الفيضانات إلى مقتل 3351 إنسان على الأقل، بينما لا يزال هناك آلاف المفقودين
أدى الفيضانات إلى مقتل 3351 إنسان على الأقل، بينما لا يزال هناك آلاف المفقودينصورة من: Government of National Unity/ZUMA Wire/IMAGO

خلال الأيام الماضية، خلا ميناء درنة من العمّال والصيادين والمارّة وتوقّفت سفن قليلة فيه. وحدها فرق البحث والإنقاذ المحلية والدولية تنشط في المكان للمساعدة في انتشال ما استقرّ في قعر حوضه.

بين هذه السفن، القاطرة "إيراسا". كانت موجودة في مياه الميناء ليلة العاشر من أيلول/سبتمبر عندما ضربت العاصفة "دانيال" شرق ليبيا وتسبّبت بانهيار سدّين في أعلى درنة، ما أدى إلى فيضانات جرفت في طريقها أبنية وجسوراً وأوقعت 3351 قتيلاً على الأقل، في أحدث حصيلة رسمية مؤقتة لسلطات شرق ليبيا، بينما لا يزال هناك آلاف المفقودين.

"الدعاء فقط"

يروي قائد القاطرة علي المسماري (60 عاماً) لوكالة فرانس برس أنه فكّر في اللحظات الأولى بإخراج السفينة من الميناء لتفادي ارتطام حطام بها، وتجنّب تعريض طاقمها للخطر. لكنه أكدّ أنه لم يرَ جدار الميناء ليتمكّن من تحديد موقع المخرج، بسبب ارتفاع مستوى البحر. ويقول "لم يكن هناك إلا الدعاء لا أكثر".

عندما طلع النهار، ظهر هول الكارثة. ويعدّد المسماري ما رآه في حوض الميناء "شاحنات عملاقة، إطارات، ناس، منازل، أشجار نخل كاملة، حطب، غرف نوم، سخانات، غسالات، ثلاجات....".

Libyen | Überschwemmung und Hochwasser Katastrophe
فرق الإنقاذ ينتشلون الجثث من أنقاض درنة المنكوبة.صورة من: Hamza Al Ahmar/AA/picture alliance

وإن كان قسم كبير من كل هذا غرق في المياه بعد ساعات، فعلى الرصيف، تتناثر اليوم أغراض شخصية لفظها البحر أو استخرجها غطاسون: علب حليب أطفال، أدوات مطبخ، علب مساحيق تنظيف، علب عصير ممزقة، وقوارير زيت طبخ...

فريق بحث إماراتي

وأكد رئيس لجنة الأزمة في مصلحة الموانئ والنقل البحري الكابتن محمد شليبطة لوكالة فرانس برس أنه يتمّ تنسيق الجهود "للبحث عن الأغراض العالقة في ميناء درنة حيث يُتوقع أن يكون هناك أشخاص داخل مركباتهم الآلية التي غرقت". وأشار إلى أن "الميناء مقسّم إلى قطاعات، وكل منطقة كُلّف بها فريق معيّن".

ويتولى فريق إماراتي أحد القطاعات. وقد وصل مع معدّاته وبينها قوارب ودباب البحر (جيت سكي)، وبدأ عمليات تفتيش عبر الغطس والتحسّس، إذ إن "الرؤية معدومة" في المياه الداكنة التي تحوّل لونها إلى البنيّ بسبب الوحل، وفق ما يقول الغطّاسون.

كان قائد الفريق العقيد علي عبدالله النقبي يعطي توجيهاته إلى عناصره، مشدّداً على ضرورة اتخاذ أقصى إجراءات الوقاية.

عائلات بأكملها قضت نحبها في سيول درنة

من على متن مركب أصفر، نزل أربعة غطاسين إماراتيين يحملون على ظهورهم قوارير أكسيجين، كل اثنين في موقع يربط بينهما حبل أمان. بعد وقت قصير، خرج أحدهم وقال "ربطنا (الحبل) بسيارة، لا نرى شيئاً، ربطنا الباب أو الجزء العلوي". كذلك عثر غطاس ثانٍ على سيارة أخرى.

إثر تحديد موقع السيارتين، أُحضرت رافعة بالتنسيق مع السلطات الليبية أَخرجت إحدى السيارتين. رُفعت السيارة بحبل واحد ثمّ اقترب الغطاسون مجدداً لربطها بحبل ثانٍ من طرف آخر. تمّ إبعاد جميع الأشخاص مسافة لا تقلّ عن عشرة أمتار خوفاً من سقوط وحول أو مياه أو حتى أشلاء بشرية من السيارة أثناء إخراجها.

بعد إنزال السيارة المحطّمة على رصيف المرفأ، اقترب فريق متخصص في التعامل مع الجثث يرتدي بزات بيضاء وقفازات ويضع كمامات، للكشف عمّا في داخلها. وأعلن الفريق أخيراً أن لا جثث داخلها.

اختلاف الجثث بين البر والبحر

وقال قائد الفريق الليبي حافظ عبيد "التعامل مع جثة في البحر أسهل من التعامل مع الجثث التي تكون على البرّ لأن نسبة الملوحة تشكل عازلاً على الجلد". ويرجح أن تستغرق عملية انتشال ما استقر في قعر حوض الميناء أو حتى في قعر البحر أبعد من الميناء، وقتاً طويلاً.

وتتكثّف جهود الإنقاذ كذلك في البحر قبالة ساحل المدينة المنكوبة كله، بعد أن جرف التيار الكثير من الجثث إلى الناحية الشرقية، بحسب مصادر ملاحية.

في القاطرة "إيراسا"، يروي المسماري أن صيادين على متن "مراكب الصيد الخاصة كانوا أول من هرع لإنقاذ الأحياء ثمّ انتشال الأموات" ليلة الكارثة. كان البحار الليبي أُبلغ بقدوم العاصفة "دانيال"، لكن عند الساعة الثانية والنصف "اهتزّت القاطرة البحرية بشكل غير عادي وغير مسبوق"، وفق قوله.

إلى جانبه، أكد العامل الفني في القاطرة توفيق أكروش (61 عاماً) أن "منسوب المياه ارتفع فوق الرصيف بحوالي متر ونصف مع وصول سيارات وآليات بكمية هائلة". ومالت السفينة بعد أن اصطدمت فيها مياه الفيضانات، فأشعل طاقمها المحرّكات وقطع الحبال لإبعادها عن الرصيف.

فجراً، سمع طاقم السفينة صوت صراخ يطلب النجدة فهرع للمساعدة. وتبيّن أنها عجوز تختبئ عارية داخل ثلاجة طافية على وجه الماء، وقد نجت بأعجوبة. كانت تسأل "أين أختي؟"، بحسب رواية البحارَين.

وفي وقت لاحق، أنقذ الطاقم أيضاً رجلاً مصرياً. ويروي المسماري أن الناجي قال لهم إنه "بعد النوم وجد نفسه هنا"، مضيفاً "ربما كان في غيبوبة".

خ.س/و.ب (أ ف ب)