1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

استفزازات لوكاشينكو ـ أوروبا تُكشر عن أنيابها في عرين بوتين

حسن زنيند
٢٨ مايو ٢٠٢١

في حادث يُذكر بأفلام الإثارة الهوليودية، دفعت سلطات بيلاروسيا بطائرة مدنية للهبوط بمينسك واعتقلت أحد معارضي الرئيس لوكاشينكو. أوروبا هددت هذه المرة باستعمال السلاح الثقيل رغم مخاطر إثارة الدب الروسي كما يرى معلقون ألمان.

https://p.dw.com/p/3u5Zw
أرشيف: بوتسن ولوكاشينكو في موسكو (فبراير/ شباط 2016)
أرشيف: بوتسن ولوكاشينكو في موسكو (فبراير/ شباط 2016)صورة من: picture-alliance/dpa/S. Karpukhin

يواجه الرئيس ألكسندر لوكاشينكو الذي يحلو للبعض وصفه بـ "آخر دكتاتور في أوروبا"، ضغوطا أوروبية ودولية غير مسبوقة تعتبر الأقوى على الإطلاق خلال فترة حكمه لبيلاروسيا والمستمرة منذ 26 عاماً. وأثار لوكاشينكو غضب العواصم الغربية بعد انتهاكه للقواعد التي تحكم الملاحة الجوية الدولية بدعوى ورود بلاغ بوجود قنبلة على متن طائرة تابعة لشركة "رايان إير"، فقامت مقاتلة من طراز ميغ ـ 29 باعتراضها وهي تقوم برحلة بين أثينا وفيلينيوس وتقل المدون البيلاروسي المعارض رومان بروتاسيفيتش وصديقته صوفيا سابيغا اللذين تم توقيفهما بمجرد هبوط الطائرة في مطار مينسك.

برلين: سلوك لوكاشينكو ينطوي على "سمات إرهابية"

في رد فعل غير مسبوق، وصف رئيس الدبلوماسية الألمانية هايكو ماس (27 مايو/ أيار 2021) سلوك رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، بأنه ينطوي على "سمات إرهابية"، لهجة شديدة تعكس إلى حد بعيد شعور الأوروبيين، بل وبداية نفاذ صبرهم اتجاه لوكاشينكو الذي يتهمه القادة الأوروبيون باختطاف الطائرة، فيما توافقوا بسرعة على وقف الطيران فوق أجواء بيلاروسيا وطلبوا من شركاتهم تجنب المجال الجوي لهذا البلد. وهكذا اندلعت موجة شجب وإدانات شملت، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي  والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وسارعت بولندا إلى إغلاق مجالها الجوي أمام طائرات جارتها بيلاروسيا، وذهبت فرنسا ودول أوروبية أخرى في نفس الاتجاه.

غير أن صحيفة "نويه تسوريخه تسايتونغ" الصادرة في سويسرا (26 مايو/ أيار) ذهبت في اتجاه آخر وشككت في قدرة أوروبا على مواجهة مينسك ومن ورائها موسكو بالقول: "لا يمكن التغاضي عن واقع أن الاتحاد الأوروبي الكبير يشكل وحدته بسرعة ويتخذ إجراءات حاسمة عندما يتعلق الأمر بمعاقبة بلد صغير منعزل كبيلاروسيا، الذي لا تربطه إلا القليل من المصالح الاقتصادية مع الدول الأعضاء. لكن الجميع يعلم أن هذا لا يكفي. فإذا كان لوكاشينكو لا يزال يمسك بزمام السلطة عبر أجهزته الأمنية الوحشية، فذلك يرجع لاعتماده على دعم روسيا. وبالتالي، فإن أي شخص يريد مساعدة الحركة الديمقراطية في بيلاروسيا عليه مواجهة موسكو. غير أن الاتحاد الأوروبي ليس مستعدًا لذلك. فالكثير من الدول الأعضاء، وألمانيا في المقدمة، تضع في الاعتبار مصالحها الاقتصادية قبل السياسية والأخلاقية".

بتوقيت برلين - إرهاب دولة في الجو: من يوقف لوكاشينكو؟

العقوبات الأوروبية ـ مينسك ستدفع الثمن هذه المرة؟

إضافة إلى تعليق حركة الطيران، طلب مسؤولون أوروبيون إضافة أسماء للائحة من أصل 88 شخصية مقربة من  لوكاشينكو وسبع شركات مدرجة أساساً على لائحة سوداء بسبب ضلوعهم في قمع المعارضة البيلاروسية. وأكد جووزيب بوريل وزير خارجية الاتحاد الأوروبي أن "تحويل مسار طائرة لتوقيف راكب، يتطلب رد فعل قوي (...) إذا لم نستخدم الآن لغة القوة فهذا سيكون دليلاً على أننا غير قادرين على فعل ذلك". وشدد على أن "الأوروبيين ما زالوا مترددين في فرض عقوبات اقتصادية، لكن هذه المرة علينا فعلياً أن نتخذ إجراءات يشعر لوكاشينكو بثقلها"، مضيفاً أنه يمكن القيام بذلك "بسرعة". رئيس الدبلوماسية الأوروبية أكد أن الاتحاد ينوي هذه المرة جعل الرئيس البيلاروسي يدفع الثمن غالياً.

موقع "تاغسشاو" التابع للقناة التلفزيونية الألمانية (27 مايو/ أيار) كتب بشأن إمكانية فرض عقوبات أكثر صرامة: "القرار صائب بتبنى لهجة جديدة تمامًا في السياسة الخارجية لأوروبا. حتى الآن، كان الشعار هو: إدانة انتهاكات حقوق الإنسان، وهو أمر جيد، ولكن دون المس بالتجارة، أو على الأقل تفاديها حين تتعرض مصالح الشركات الأوروبية لخطر جدي. غير أن هذه المرة لم يترك لوكاشينكو للأوروبيين خياراً آخر".

المنظمة الدولية للطيران المدني، أكدت بدورها، أنها ستبحث في حادثة اعتراض طائرة "رايان إير". غير أن الوكالة التي يدخل في صلاحياتها وضع قواعد النقل الجوي المدني، لا تملك في الواقع سلطة فرض عقوبات. وفي حال ثبوت وجود انتهاك للقواعد الدولية، فإن دورها يتمثل في "مساعدة البلدان في السعي إلى ما تتوخاه من مناقشات أو إدانات أو عقوبات، أو تدابير أخرى، بما يتسق مع اتفاقية شيكاغو". وهي اتفاقية تنص على أن "كل دولة متعاقدة توافق على عدم استخدام الطيران المدني لأي غرض يتعارض مع أغراض هذه الاتفاقية".

"النفط "و"البوتاس"ـ عقوبات تستهدف عُصب النظام

بحث وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي (لشبونة، 27 مايو/ أيار) رؤية تهدف لتحديد غايات  العقوبات الاقتصادية  ضد بيلاروسيا، وهناك قطاعين بعينهما أثارا اهتمام المسؤولين الأوروبيين وهما النفط والبوتاس. وبهذا الصدد قال وزير الخارجية الليتواني غابرييليوس لاندسبيرغيس: "نحتاج حقاً إلى تحديد القطاعات والشركات التي تفيد النظام بصورة فعلية، دون أن نؤذي الشعب". واقترح أن يكون قطاع المنتجات النفطية أحد الخيارات. وهناك خيار آخر اقترحه وزير خارجية لوكسمبورغ، جان أسيلبورن، ويتعلق الأمر بقطاع البوتاس. إذ تعد شركة "بيلاروسكالي" الحكومية واحدة من أكبر الموردين في العالم. غير أن لاندسبيرغيس حذر أيضاً من إمكانية أن تقوم روسيا بضم بيلاروسيا بنفس الطريقة التي ضمت بها أجزاء من أوكرانيا.

جوزيب بوريل أكد أن "رؤساء الدول والحكومات طلبوا منا اقتراح عقوبات اقتصادية على قطاعات محددة". وأضاف أن "بيلاروسيا مصدر كبير للبوتاسيوم: 2.5 مليار دولار. كلها تمر عبر دول البلطيق. من السهل ضبطها إذا أردنا ذلك فعلياً". وقال "يمكننا أيضاً أن نتصور أن الغاز الروسي الذي يصل الى أوروبا عبر بيلاروسيا يمكن أن يصل عبر أنبوب غاز آخر. بيلاروسيا ستخسر حقوق النقل، وهذا أمر لا يمكن الاستهانة به".

أما برلين، فدعت على لسان وزير خارجيتها هايكو ماس لفرض عقوبات صارمة ضد بيلاروسيا وقال ماس (27 مايو/ أيار): "من الواضح أننا لا نعتزم إرضاء أنفسنا باتخاذ خطوات عقابية صغيرة، ولكننا نسعى لفرض عقوبات على الهيكل الاقتصادي ومعاملات الدفع في بيلاروسيا بشكل كبير تماماً". وأضاف أنه يجب أن يفهم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أن وقت الحوار ولى، وتابع أنه إذا لم يرضخ، فإنه "يجب توقع أن ذلك سيكون بداية لدوامة كبيرة وطويلة من العقوبات".

واستطرد ماس قائلاً إن الاتحاد الأوروبي يتوقع إطلاق سراح أكثر من 400 سجين سياسي كإشارة أولى من بيلاروسيا، وتابع "طالما لم يحدث ذلك، فلن يمكن أن يكون هناك تراخ من قبل الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتمهيد الطريق لعقوبات جديدة". موقع "فيلت" (27 مايو/ أيار) أكد أن العقوبات الأوروبية تسعى لعدم الإضرار بالمواطنين البيلاروسيين، لكنها محفوفة بمخاطر أخرى وهي الدفع، في أسوأ الحالات، إلى مواجهة أكثر حدة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. يمكن للشركات الروسية الاستيلاء على الشركات البيلاروسية المملوكة للدولة الضعيفة".

فقاعة من التبريرات ـ خطأ مُحرج في "رسالة حماس"

ظهر الرئيس ألكسندر لوكاشينكو على شاشات التلفزيون (26 مايو/ أيار) في كلمة ألقاها أمام نواب البرلمان، بمظهر الرجل الواثق وبنبرة لا تخلو من تحد في محاولة لتبرير قرار تحويل مسار الطائرة الأوروبية. وحاول لوكاشينكو بكل ما أوتي من قوة التقليل من أهمية حملة التنديد الدولية. وقال "تصرفتُ بشكل قانوني لحماية شعبنا". واعتبر الانتقادات مجرد محاولة من معارضيه لتقويض نظام الحكم في بيلاروسيا "الذين يضمرون لنا السوء في البلاد وخارجها، غيروا أساليب هجومهم على الدولة".

وأضاف: "كان هناك إرهابي على متن الطائرة"، وأكد أن القبض على أي مواطن بيلاروسي حق سيادي لبلاده. واستطرد أن "إجبار الطائرة على الهبوط بواسطة طائرة مقاتلة من طراز ميغ - 29 هو كذبة مطلقة!". وقال إن بيلاروسيا تصرفت لأسباب تتعلق بالسلامة لأن الطائرة حلقت فوق محطة الطاقة النووية في البلاد.

وكشفت بيلاروسيا تسجيلا للاتصالات بين برج المراقبة في مينسك وطائرة "راين اير"، تم فيها إبلاغ الطاقم بوجود "قنبلة على متن الطائرة" وطُلب منه الهبوط في مينسك. ونفى لوكاشينكو بشكل قاطع أن تكون المقاتلة قد أجبرت الطائرة على الهبوط معتبرا تلك الاتهامات "محض أكاذيب". وادعى أن أوكرانيا وبولندا وليتوانيا رفضت الترخيص للطائرة بالهبوط وأن خيارها الوحيد كان العودة إلى مينسك.

"فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ" (26 مايو/ أيار) كتبت أن الوضع الحالي بالنسبة للوكاشينكو: "غير مسبوق: فالعزلة الجوية للبلاد تتسع، فيما يعلو تهديد العقوبات الجديدة. ومع ذلك، بدا لوكاشينكو غاضبًا كما هو الحال دائمًا، وجلس أتباعه قبالة منصته كما هي العادة في كثير من الأحيان، بتعابير متهجمة متحجرة، يتخللها نوع من عدم المبالاة. فاستحضار أعداء الداخل والخارج، و"الحاقدين"، هو أمر روتيني أيضا". موقع "تي.أونلاين" (27 مايو/ أيار) شكك في ادعاء لوكاشينكو واعتبر أن الرسالة الالكترونية التي ادعى أن مصدرها حركة حماس، تحتوي على خطأ مُحرج، فالساعة التي وصلت فيها الرسالة الإلكترونية إلى مطار مينسك كانت 12.57 مساءً، أي بعد أقل من 27 دقيقة من إخطار برج المراقبة طاقم الطائرة بوجود قنبلة لأول مرة.

مسائية DW: هل تلجم العقوبات الأوروبية تصرفات بيلاروسيا تجاه معارضيها؟

من شروط تحقيق انفراج ـ إطلاق سراح بروتاسيفيتش

علاوة على واشنطن، دعت دول أوروبية في مجلس الأمن الدولي في بيان مشترك "منظمة الطيران المدني الدولي إلى التحقيق بشكل عاجل" في الحادثة، و"الإفراج الفوري" عن بروتاسيفيتش وصديقته. ويبلغ الناشط البلاروسي 26 عاماً، ورغم صغر سنه، فله مشوار طويل في معارضة نظام لوكاشينكو، فقد شارك في إدارة قناة "نيكستا" على تطبيق "تلغرام" التي كانت من منظمي الاحتجاجات بعد الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا.

وكان بروتاسيفيتش يعيش متنقلا بين بولندا وليتوانيا، وظهر في تسجيل فيديو (الاثنين 24 مايو/ أيار) أدلى فيه باعترافات بشأن تنظيمه احتجاجات جماعية، وهي تهمة تصل عقوبتها في حال الإدانة إلى السجن 15 عاماً. أما صديقته سابيغا البالغة من العمر 23 عاماً، فهي تدرس حقوق في الجامعة الأوروبية للعلوم الإنسانية في ليتوانيا، وظهرت بدورها في تسجيل فيديو مستقل، قالت فيه إنها كانت تعمل لقناة على تلغرام تنشر معلومات عن الشرطة البيلاروسية. غير أن المعارضة البيلاروسية أكدت أن مثل تلك الفيديوهات تسجل بشكل روتيني من جانب قوات الأمن، للحصول على اعترافات تحت الضغط. 

صحيفة "أوغسبورغر ألغماينه" (25 مايو/ أيار) علقت بالقول "بغض النظر عن شدة اللهجة المستعملة، بشأن مطالب الإفراج عن بروتاسيفيتش، فرد فعل لوكاشينكو في مينسك قد لا يتجاوز ابتسامة خبيثة. لأن أوروبا تعلم من خلال تجارب السنوات الأخيرة، أن استعمال أدوات دولة الحق والقانون، نادراً ما تكون فعالة ضد المحتالين. وهي تعلم أيضاً أن كل الخطوط الحمراء المرسومة هي مجرد واجهة".

وفي الأصل، يخضع رئيس بيلاروسيا ومقربين منه لعدد من العقوبات الغربية تم فرضها بعد عمليات القمع الواسعة التي رافقت احتجاجات حاشدة ضد إعادة انتخاب لوكاشينكو (أغسطس/ آب 2020) في اقتراع طالته خروقات جسيمة نددت بها المعارضة البيلاروسية كما الاتحاد الأوروبي وعدد من المنظمات الدولية.

بوتين ولوكاشينكو ـ أحلاهما مر بالنسبة للأوروبيين

قال الكرملين (الأربعاء 27 مايو/ أيار) إنه لا يوجد هناك لا سبب يدعو "لعدم تصديق" تصريحات الرئيس البيلاروسي. ويعلم الأوروبيون تماماً أن مواجهة لوكاشينكو تعني ضمنيا مواجهة داعمه الأكبر فلادمير بوتين. وبهذا الصدد ناشد نائب المستشارة الألمانية أولاف شولتز الرئيس الروسي باستعمال كامل نفوذه من أجل إطلاق سراح المدون البيلاروسي. وأضاف شولتز، وهو أيضاً مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي في تصريح لمجموعة فونك الإعلامية (27 مايو/ أيار) "على موسكو ألا تتجاهل هذا العمل الفظيع للقرصنة الجوية".

واستناداً لتقرير لصحيفة "فيلت" (27 مايو/ أيار)، طالب الوزير الألماني للشؤون الأوروبية مايكل روث بتوضيح سريع لاحتمال تورط روسي في الهبوط الاضطراري لطائرة "ريان إير". وقال: "الكل يعلم أن العلاقة بين أوروبا وروسيا تمر من ظروف صعبة للغاية". وتابع روث قائلاً إن روسيا تنتهج سياسة هدامة "تنتهك القانون الدولي وتهدف إلى تضليل أوروبا وخاصة ألمانيا". صحيفة "لايبزيغر فولكستسايتونغ" (25 مايو/ أيار) كتبت معلقة عن تجاوزات لوكاشينكو "في أنظمة الحكم المطلق هناك غياب للتوازن أمام صولجان الاستبداد، من قبيل برلمان تحدد فيه الأغلبية المسار وقضاء مستقل، وصحافة حرة. فبعد إخماد الحركة الاحتجاجية، قرر لوكاشينكو تحطيم الإعلام المستقل".

حسن زنيند