اختطاف استهوف ومسؤولية ألمانيا
٢٧ ديسمبر ٢٠٠٥أوضحت سوزانه أوستهوف أنها لا تستطيع التخلي عن الأمر، فقد أفرج عنها الآن بعد ثلاثة أسابيع من الاعتقال، لكنها تريد العودة إلى العراق لكي تواصل عملها في هذا البلد. وليس هناك من يتفهم موقف هذه المرأة الشابة. فلا الأصدقاء ولا الأقرباء يتفهمون ذلك، وبالأخص أولئك الذين بذلوا جهداً كبيراً طوال أسابيع بغية إطلاق سراحها. ولخص وزير الخارجية الألماني فرانك- فالتر شتاينماير هذه الموقف عندما ناشد عالمة الآثار أوستهوف بالابتعاد عن العراق وبالتفكير في المساعي التي بذلت والمتاعب التي خلقتها حالتها للكثيرين.
ودفعة واحدة طرح السؤال الذي أجاب عليه شتاينماير نفسه بالنفى، بل نهى عنه لأسباب أخلاقية- سياسية طالما لم يحسم مصير الرهينة المختطفة وهو: إلى أي حدّ تكون الدولة مسئولة إذا ما تجاهل أحد المواطنين، لأي سبب كان، التحذيرات الرسمية معرضاً نفسه للخطر؟
ليس هناك إجابة واضحة عن هذا السؤال: بالطبع أن الدولة مسؤولة إزاء موطنيها ويجب أن تقدم لهم الرعاية. ومن ناحية يجب أن يكون المواطن متاكداً من أن الدولة ستساعده في حالة الضيق. لكن على المواطن من ناحية ثانية أن يظهر قدراً ولو ضيئلاً من الشعور بالمسؤولية. وعليه أن يدرك بأن رعاية الدولة تتم وفق مبدأ التضامن الملزم للطرفين: أي الدولة والمواطن. وهذا ليس طريقاً في اتجاه واحد، وكذلك ليس ذريعة للمغامرين والمتصرفين حسب أهوائهم.
وفي الوقت ذاته لا يجوز للدولة أن تتخلى عن مسؤوليتها إزاء المواطن عند نقطة معينة. كما لا تستطيع الدولة أن تحرر نفسها من هذه المسؤولية عبر تحذير بعدم السفر. إنما بإمكانها في أفضل الأحوال أن تهدد بفرض عقوبات اقتصادية. مثلما كان الأمر مع سيّاح-الصحراء الذين اختطفوا في الأراضي الجزائرية وكلف عنهم الإفراج الدولة الألمانية مبالغ مالية وجهوداً واسعة. بيد أن هذا التهديد لا يجدي نفعاً في حالة السيدة أوستهوف، لأنها لا تمتلك هذه الأموال. كما أنها لم تذهب إلى العراق لمجرد التسلية، ولم تركز جلّ اهتمامها على العراق لكي تقود سيارتها عبر الطرق الوعرة، إنما لغرض مساعدة الناس المحتاجين.
ما فعلته سوزانه أوستهوف في الأعوام الأخيرة يستحق التقدير والاحترام، وليس من واجبات الدولة ومصالحها أن تمنع أوستهوف من تقديم المساعدة الإنسانية. لكن هذه السيّدة لم تكن معنية في الفترة الأخيرة بتقديم المساعدات للمحتاجين، بل بترميم خانات القوافل التاريخية والمحافظة عليها في الشمال الكردي من البلد. ومهما كان الأمر مهماً لأسباب تاريخية-ثقافية، لكن على المرء ألا يجازف بحياته من أجله. ولهذا فإن سوزانه أوستهوف لا يمكن أن تنتظر تضامن الدولة الألمانية ومواطنيها.
ومن الصحيح أيضاً أن ترفض الدولة تقديم أي دعم ماليّ لمشروعها. إلا أن ليس هناك وسيلة ناجعة للحيلولة دون عودة أوستهوف إلى العراق. فالمعرضون للإقدام على الانتحار يودعون عادةً السجن في ألمانيا عند الضرورة من أجل سلامتهم. وهنا يبدو المرء عاجزاً في نهاية المطاف أمام سيدّة مهوسة بفكرتها. وستقوم الدولة بمساعدتها مرّة اخرى إذا ما تعرضت للخطف من جديد. بيد أنها ستفقد بهذه الطريقة التعاطف الذي حظيت به حتّى الآن، وستضرّ أيضاً بالقضية نفسها التي عملت من أجلها بشغف ونكران ذات.
تعليق: بيتر فيليب
ترجمة: حسين الموزاني