1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أفغانستان ـ إحياء لجروح وهزائم لم يتعلم منها الغرب!

١٤ أغسطس ٢٠٢١

تُحيي مشاهد إجلاء مدنيين ودبلوماسيين غربيين على وجه السرعة من كابول، المهددة بزحف طالبان، بذكريات مؤلمة في فيتنام والصومال وغيرها. فيما تتابع ألمانيا بقلق بالغ هذه التطورات التي قد تكون لها تداعيات غير محسوبة على أوروبا.

https://p.dw.com/p/3yx8S
إنزال العلم الأمريكي خلال مراسم تسليم إحدى القواعد في أفغانستان إلى الجيش الوطني الأفغاني.
إنزال العلم الأمريكي خلال مراسم تسليم إحدى القواعد في أفغانستان إلى الجيش الوطني الأفغاني. صورة من: Defense Press Office/AP/dpa/picture alliance

بات الأمر مجرد مسألة وقت إلى حين سيطرة حركة طالبان على كامل التراب الأفغاني، بعدما احتلت منذ بداية أغسطس/ آب أجزاء كبيرة من أراضي البلاد في هجوم شامل شنته مع بدء انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو). ويبدو أن الزحف السريع لقوات طالبان باغث القوات الدولية. فمع إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إرسال جنود مجددا، تذكر العالم الصورة التي خلدت هزيمة الولايات المتحدة الهزيمة الأمريكية في فيتنام ويظهر فيها لاجئون يستقلون مروحية على سطح أحد المباني. وبات من المرجح أكثر من أي وقت مضى، أن يعود الوضع في أفغانستانللمربع الأول، وكأن القوات الدولية، بزعامة حلف الناتو، لم تحقق أيا من أهدافها، في سيناريو رهيب مفتوح على كل الاحتمالات، أبرزها تأسيس دولة خلافة متشددة ونزوح مئات الآلاف من اللاجئين وفتح صفحة جديدة من حرب أهلية طويلة الأمد سيكون المدنيون، كالعادة، أول من سيؤدي فاتورتها.

وتتابع ألمانيا هذا الوضع "الكارثي" باهتمام بالغ، خصوصا وأن الجيش الألماني كان متواجدا إلى جانب القوات الدولية في أفغانستان على مدى عشرين عاما. نوربرت روتغن، القيادي في حزب ميركل ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الألماني حذر من مواجهة "كارثة" دولية في أفغانستان، خصوصا بعد سقوط مدينة قندوز في يد طالبان. وقال لصحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" (الأحد الثامن من أغسطس / آب 2021) إن هناك خطرا محدقا يتمثل في استيلاء الإسلاميين على الدولة بأكملها. وأضاف "يجب ألا يتم السماح الآن بأن يقوموا (الإسلاميون) بإرساء حقائق عسكرية على الأرض من جانب واحد". وشدد على ضرورة عدم السماح بتدمير نتائج عمل دولي على مدار عشرين عاما "أي أنه إذا كانت القدرات العسكرية للأوروبيين وللألمان، التي هناك حاجة إليها الآن، موجودة، فلابد من أن نوفرها".

غير أن وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارينباور لها رأي آخر، فقد أقرت بشكل واضح أن وقف طالبان يتطلب خوض حرب شاقة وطيلة الأمد، وهو ما يعني أن أفغانستان ستترك الآن لمصيرها.

طالبان تتقدم - هل تسيطر على كافة أفغانستان؟

"غطرسة الغرب" ـ حرب خاسرة منذ البداية

كتب موقع "شبيغل أونلاين" (الخميس 12 أغسطس/ آب) مقالا اعتبر أن  "فشل الغرب في أفغانستان كان متوقعًا، فالحرب ليست بديلاً للسياسة ولا تدبيرًا إنسانيًا على الإطلاق". واعتبر الموقع أنه حينما تُمنى الخطط العسكرية للديموقراطيات بالهزيمة، فإنها لا تهتم بتفاصيل كل التطورات على الميدان "إذا لم يكن الأمر مثيرًا للشفقة، فسيكون مثيرًا للضحك، فلم تعد ألمانيا تحاول حتى إعطاء انطباع بالموثوقية والولاء لحلفائها"، في إشارة للنقاش الدائر حول عدد الأفغان المتعاونين مع الجيش الألماني، الذين يمكن لألمانيا تحملهم بإنقاذهم من بطش طالبان.

واستعرض المقال السياق التاريخي الذي تدخل فيه الغرب في أفغانستان بعد نهاية الحرب الباردة "في ذلك الوقت، شعرت الديمقراطيات الغربية، وخاصة قوتها الأولى، الولايات المتحدة، بأنها خرجت منتصرة وبدا لها كل شيء ممكناً وأن كل مشكلة قابلة للحل".

ويواجه ملايين الأفغان خطرا داهما اليوم على شكل سيناريوهات كوارثية، وخصوصا النساء وكذلك الأقليات والمفكرين والإصلاحيين وأصدقاء الغرب عموما، فيما يبدو أن تقديرات وكالات الاستخبارات الغربية ربما تكون أخطأت في تقييم الوضع. فقد سبق لوكالة الاستخبارات الأمريكية أن اعتبرت أن الرئيس السوري بشار الأسد لن يستمر أكثر من بضعة أشهر في السلطة بمجرد انطلاق الربيع العربي. وبعد عشر سنوات لا يزال الأسد رئيسا لسوريا.

ويرى عدد من المعلقين الألمان أن الانسحاب من أفغانستان يعتبر إهانة للغرب ونقطة تحول أساسية في السياسة الدولية. فتحت عنوان "العالم بدون شرطي" كتبت "فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ" (الجمعة 13 أغسطس/ آب) تعليقا رأت فيه أنه كان من الواضح منذ فترة طويلة أن المقولة المأثورة التي ما فتأت حركة طالبان ترددها خلال السنوات الأخيرة تبثث صحتها في نهاية المطاف ومفادها "صنعتم الساعات، فيما نملك نحن الوقت. لقد فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها بسبب الأخطاء الإستراتيجية وبسبب الافتقار إلى الاتساق".

 

أوروبا مثل ألمانيا تتوقعان تدفقا هائلا للاجئين

تتوقع ألمانيا زيادة تدفق عدد اللاجئينالأفغان نحو أوروبا، وبهذا الصد أكد وكيل وزارة الخارجية نيلس أنين في تصريح لمجموعة "فونكه" الألمانية الإعلامية نشرت يوم الخميس (12 أغسطس/ آب) "من السذاجة الاعتقاد بأن تقدم طالبان والعنف في منطقة الحرب لن يكون لهما عواقب من حيث سياسة الهجرة، حيث سيضطر أشخاص من أفغانستان إلى الفرار بشكل أكبر من السنوات الماضية". وتابع موضحا "سوف نشعر بالتداعيات في ألمانيا أيضا، حتى لو لم يكن ذلك خلال الأسابيع القادمة"، لافتا إلى أن ألمانيا تعد "وجهة جذابة" بالنسبة للأفغان. 

من جهته، أكد وزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراتشي (الأربعاء 11 أغسطس/ آب) أن الاتحاد الأوروبي ليس في وضع يسمح له بالتعامل مع أزمة مهاجرين على غرار تلك التي حدثت في عام 2015 بعد انفجار الوضع في سوريا، وعليه أن يحاول منع الفارين من الصراع الأفغاني المتفاقم من دخول أراضيه.

وبهذا الصدد علقت صحيفة "نويه تسوريخه تسايتونغ" (11 أغسطس/ آب) على هذه التطورات وتداعياتها على أوروبا وكتبت "لجعل طالبان يقدمون على الأقل حدًا أدنى من التنازلات؛ يمكن للغرب وقف الأموال عنهم. غير أن ذلك ستكون له عواقب وخيمة على سكان يعتمد أكثر من نصفهم بالفعل على المساعدات الإنسانية، ومع اشتداد القتال من أجل السيطرة على المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، سيستمر عدد الضحايا المدنيين وكذلك اللاجئين في الارتفاع. فقد نزح مئات الآلاف منذ بداية العام (..) هذا ما نشعر به نحن في أوروبا".

وأوضحت الصحيفة أن "الأفغان أصبحوا بالفعل ثاني أكبر مجموعة من طالبي اللجوء في أوروبا بعد السوريين. في الأشهر المقبلة، سيزداد الضغط على الحدود الخارجية بشكل حاد مرة أخرى، وفي الوقت نفسه لن يكون من الممكن إعادة اللاجئين إلى منطقة الحرب ".

طالبان تتمدد في أفغانستان.. فهل "تلجمها" ترويكا الدوحة؟

 

مصير غامض للأفغان من مساعدي الجيش الألماني

يشعر الآلاف من الأفغان الذين عملوا إلى جانب القوات الألمانية والأجنبية بالخوف والرعب من التقدم السريع لطالبان. وستعرض عدد من دول حلف الناتو على الأفغان الذين عملوا معها التوجه إلى أراضيها من أجل الهروب من أعمال انتقامية قد تقوم بها حركة طالبان بعد الانتهاء شبه الكامل لانسحاب القوات الدولية ونظرا للمعارك الجارية حاليا. وعرضت دول غربية بالفعل استضافة أفغان مجندين محليا مع تصاعد القتال بين طالبان والقوات الحكومية الذي أودى بحياة العديد من المدنيين. وإلى الولايات المتحدة، وصلت في نهاية تموز/يوليو، مجموعة أولى من الأفغان الذين عملوا مع الأمريكيين.

من جهته وعد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بأنه يمكن نقل هؤلاء الأفغان بطائرات مستأجرة بحلول نهاية الشهر الجاري. غير أن وزيرة الدفاع كرامب كارينباور أوضحت "السؤال هو كيف سيصل هؤلاء الناس إلى الطائرات". وبات واضحا أن حركة طالبان تتقدم بسرعة باغتت القوات الدولية المنسحبة وبشكل فاجأ الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والحكومة الألمانية. وبالتالي لم يعد ما يكفي من الوقت لترحيل المتعاونين الأفغان بشكل منظم. وارتفعت أصوات عديدة تتهم الحكومة الألمانية بأنها لا تساعد الأشخاص الذين اعتمد عليهم الجيش الألماني خلال مهمته في أفغانستان، بشكل سريع. وقال نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الألماني الحر، ألكسندر غراف لامبسدورف، لصحيفة "فيلت" (الثلاثاء العاشر من أغسطس/ آب) "الدعم الفاتر من الحكومة الاتحادية للموظفين الأفغان المحليين، الذين دعموا الجيش الألماني خلال مهمته على مدار 20 عامًا، أمر مخز".

وأصدرت الحكومة الألمانية حتى الآن 2.400 تأشيرة لاستقبال عمال محليين من أفغانستان يطلبون الحماية. وقالت الخارجية الألمانية إن الوضع في أفغانستان صعب ولم يبدأ مكتب الاتصال التابع للمنظمة الدولية للهجرة نشاطه بعد، موضحا في المقابل أن السلطات الألمانية تتبع في ذلك "إجراءات سريعة للغاية".

 

برلين متخوفة من تحول أفغانستان لدولة خلافة متشددة

يبدو أن تقدم حركة طالبان المتشددة بات لا يمكن إيقافه، وبات الزحف على العاصمة كابول من عدة جهات مسألة وقت، ولا أحد له القدرة، بما في ذلك الجيش الألماني، على وقف اكتساح طالبان لعواصم ولايات البلاد بسرعة البرق. وزيرة الدفاع أنغريت كرامب كارينباور شددت في تصريح لشبكة "أيه آر.دي" التلفزيونية (12 أغسطس/ آب) على أنه "من الصعب قبول تلك الصور المريرة لطالبان في قندوز أو مدن أخرى. لكن أي شخص يتحدث عن عودة الجيش الألماني إلى أفغانستان (..) عليه أن يعرف أننا لم نعد نتحدث عن مهمة تدريبية. فنحن نتحدث عن مهمة قتالية طويلة وشاقة، ويمكن القول: نحن نتحدث عن حرب"، وذلك في رد لأصوات طالبت بمهمة جديدة للجيش الألماني ولحلف الناتو في أفغانستان لمواجهة طالبان.

ويذكر أن ألمانيا حثت مواطنيها على مغادرة أفغانستان جوا في أسرع وقت ممكن بسبب انهيار الوضع الأمني هناك، فيما حذر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس جماعة طالبان من إقامة دولة خلافة. وقال ماس في تصريح لبرنامج "مورغن ماغازين" (الخميس 12 أغسطس/ آب) الذي تبثه القناة الثانية للتليفزيون الألماني "زد.دي.إف" إنه في حال أقام التنظيم الجهادي دولة خلافة فلن يكون هناك "سنت واحد" من مساعدات التنمية الألمانية، والتي تبلغ حاليًا نحو 430 مليون يورو سنويًا، واستطرد بهذا الصدد موضحا "طالبان تعلم ذلك أيضا". وأضاف ماس أنه يتوقع أن الإسلاميين يرغبون في المشاركة في الحكومة في أفغانستان ويسعون للسيطرة عليها. وأكد أنه سيكون من المهم حينئذ الشكل الذي سيبدو عليه الدستور المستقبلي للبلاد ونوعية الحقوق التي سيتم كفالتها للشعب الأفغاني.

الاتحاد الأوروبي حذر من جهته من أن حركة طالبان ستواجه عزلة دولية إذا استولت على السلطة بالعنف. وقال جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في بيان (12 أغسطس/ آب) "إذا تم الاستيلاء على السلطة بالقوة وإعادة تأسيس إمارة إسلامية، فإن طالبان ستواجه عدم الاعتراف والعزلة ونقص الدعم الدولي واحتمال استمرار النزاع وعدم الاستقرار الذي طال أمده في أفغانستان".  وأضاف بوريل: "يعتزم الاتحاد الأوروبي مواصلة شراكته ودعمه للشعب الأفغاني. لكن الدعم سيكون مشروطا بتسوية سلمية وشاملة، واحترام الحقوق الأساسية لجميع الأفغان، بمن فيهم النساء والشباب والأقليات". وشدد على أنه "من الضروري الحفاظ على المكاسب الكبيرة التي حققتها النساء والفتيات خلال العقدين الماضيين بما فيها الوصول إلى التعليم".

حسن زنيند