1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أصوات نسائية في المنفى… "ما الذي على الألمان معرفته عنا؟"

٨ أكتوبر ٢٠٢١

تسعى شابة سورية في ألمانيا لتوثيق ما أطلقت عليه "أصوات نسائية في المنفى". ولكن ما قد يبدو للوهلة الأولى كـ "فضفضة" للتخلص من عبء نفسي، ربما يكون له أبعاد اجتماعية وسياسية أكبر بكثير...

https://p.dw.com/p/419JB
مشروع "نساء من أجل مساحات مشتركة"
ياسمين أثناء ورشة تقدمها للنساء السوريات، ضمن مشروع "نساء من أجل مساحات مشتركة"صورة من: privat

”خرجت من الجلسات مشحونة بالكثير من العواطف، ولم أشعر بالراحة إلا بعد انتهائي من الكتابة كأني أزحت ثقل من على صدري وأخرجت جزء من حزني على الورق". هكذا لخصت اللاجئة السورية رنا كلش تجربتها مع مشروع ”أصوات نسائية في المنفى"، والذي يسعى لتوثيق تجارب النساء السوريات والعربيات مع اللجوء والهجرة في ألمانيا.

ففي محاولة ”لتحرير اللاجئات من الأطر الصحفية والبحثية المتبعة للكتابة عنهن"، انطلق المشروع في العاصمة برلين كجزء من مشروع أكبر يحمل اسم "نساء من أجل مساحات مشتركة" عام 2016. ومنذ ذلك الحين، أتاح المشروع الشاب لمئات النساء الفرصة لسرد قصصهن بأنفسهن.

من دمشق إلى برلين… نقل الصورة ”واجب"!

في عتمة ليلة من ليالي مدينة دمشق منذ سبع سنوات، اضطرت كلش لمغادرة المدينة التي تعشقها ولم تتخيل يوما الرحيل عنها. وخلال رحلة لجوء طويلة من سوريا إلى ألمانيا مليئة بالحزن والألم والإجهاد لا يمكن اختصارها في بضع كلمات، على حد تعبير الفنانة التشكيلية السورية، تحولت كلش إلى ”شخص كل ما يملكه في الدنيا هو الحقيبة التي يحملها على ظهره".

وفي حوار أجراه مهاجر نيوز معها، أكدت كلش على إيمانها بأن كل من يمكنه التعبير ” من واجبه أن ينقل صورة ذلك العذاب"، لتدفعها رغبتها في الكتابة نحو المشاركة في واحدة من ورش مشروع ”أصوات نسائية في المنفى".

وقررت اللاجئة السورية سرد تجربة اعتقال عدد من أصدقائها في سجون النظام السوري حيث تقول: ”شعرت أن من واجبي الكتابة عما يحدث في تلك المعتقلات. اكتشفت أن بداخلي ألم يدفعني للكتابة، ومكنتني الورشة من مشاركة مشاعري مع الأخرين".

”ما الذي على الألمان معرفته عنا؟"

ومع وصول آلاف السوريين إلى ألمانيا هربا من الحرب ببلادهم وتبعاتها، كان على الوافدين الجدد بدء السعي بحثا عن مسكن ووظيفة ولتعلم اللغة ومعادلة شهاداتهم الجامعية وما إلى ذلك من أمور الحياة العملية. وربما تسببت محاولة الانخراط بالعالم الجديد في عدم توفر مساحة للحديث عما مر به هؤلاء من مصاعب سواء في سوريا أو بعد الرحيل عنها برا وبحرا وما حمله ذلك من مخاطر.

ياسمين مرعي، مؤسسة مشروع نساء من أجل مساحات مشتركة
ياسمين مرعي، مؤسسة مشروع نساء من أجل مساحات مشتركةصورة من: privat

وأوضحت المشرفة على مشروع أصوات نسائية في المنفى ومؤسسته، ياسمين مرعي، في حوار أجراه مهاجر نيوز، أن الهدف هو إخراج الطاقة الحزينة والمؤلمة التي تحملها النساء بداخلهن لسنوات منذ قدومهن إلى ألمانيا. وتقول مرعي: ”لاحظت شعور النساء ببعض الراحة بعد التعبير عما بداخلهن من هموم، وخاصة عندما تشارك النساء مسودات ما يكتبوه من نصوص عن تجاربهن مع بعضهن البعض. واهتمام شخص أو جهة ما بتلك النساء يشعرهن بقيمة تجربتهم الإنسانية ويمكن أن يخفف عنهن بعض الضغط النفسي".

ويقوم قسم الهجرة والاندماج بحكومة ولاية برلين بتمويل المشروع، والذي يقدم سنويا تسع ورشات مقسمة على ثلاثة فصول دراسية بحيث يتراوح عدد المشاركات في كل ورشة ما بين حوالي 8 إلى 12 سيدة.  

واختارت مرعي، الصحفية والمتخصصة باللغة العربية، أن تكون الكتابة هي وسيلة تعبير المشاركات في ورش المشروع عن أنفسهن حيث تقول: ”لو كنا نعتقد كعربيات أن الجمهور الألماني يجب أن يعلم أمرا ما عنا، فما الذي يجب علينا قوله؟ الفكرة هي أن ننتج معرفة نسائية يمكن أن تغطي الفراغ الموجود لدى الكثيرين في ألمانيا أو تغير الصورة النمطية عنا أو تعطي تصور مفصل عن حياتنا كلاجئات ومهاجرات قبل تحولنا لأرقام في الإحصائيات".

وفي أحدث الإحصائيات، أعلن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا أنه تلقى مؤخرا 8278 طلبا جديدا للحماية و950 طلبا ثانيا من متقدمين سابقين بالطلب الأول. وشكل السوريون أكبر مجموعة من المتقدمين بالطلبات تلاهم الأفغان ثم العراقيون. وكان أكثر من مائة ألف شخص قدموا طلب لجوء لأول مرة في ألمانيا عام 2020، ومن بين هذه الطلبات ما يصل لحوالي 26 ألف طلب لحماية أطفال وُلِدوا في ألمانيا وتقل أعمارهم عن عام واحد.

”لسنا جالية وإنما منفيون"

ولدى تأسيسها لمشروع ”أصوات نسائية في المنفى"، أصرت مرعي على أن ”المنفى" جزء من تكوين السوريين في بلد كألمانيا حيث تقول: ”قرار القدوم إلى أوروبا لم يكن مخططا له بالنسبة للكثير من السوريين خلال العشر سنوات الأخيرة، وبالتالي نحن لسنا جالية وإنما منفيون".

ولكن لا تنكر مرعي أن تجربة اللجوء التي خاضها السوريون ”مختلفة" مقارنة بأخرين، على حد تعبيرها. إلا أن ما يتقاطع فيه الكثيرون هو ”الأزمات التي لها علاقة بالحنين وفقدان المحيط الاجتماعي وعدم القدرة على التكييف على بعض المستويات".

وأكدت الصحفية نزيهة سعيد، بعد مشاركتها بواحدة من ورش المشروع، على ذلك الشعور بالحنين رغما عن تجربة الهجرة المختلفة التي مرت بها منذ 5 سنوات من البحرين. وفي حوار أجراه مهاجر نيوز، تحكي سعيد: ”لم أمر بنفس الأهوال التي مرت بها نساء أخريات للقدوم إلى ألمانيا. لكني فكرت من قبل كثيرا في مفهوم البيت بحكم الغربة وكنت أتسائل بعد رحيلي من بلدي ما إن كنت سأشعر مجددا بأن لي بيتا".

وترى سعيد أن المسؤولية التي يتحملها القائمون على الورش تمثل عبء كبير جدا حيث تقول: ”تقوم ياسمين بفتح جروح المشاركات، ولكني لاحظت كم كانت حذرة في التعامل مع الجميع لأن هناك قصص فيها فقد وموت. وكان هناك احساس عام في الورشة بأننا لسنا وحدنا، وأن في بعض الأحيان عند سماع مصيبة الأخرين قد تهون عليك مصيبتك".

الأمر أكبر من مجرد ”الفضفضة"؟

وبالرغم من أن جزء كبير من الورش يتجه نحو ما يمكن وصفه بالفضفضة، لا تقتصر أهداف أصوات نسائية في المنفى على ”التعافي بالكتابة" فقط حيث يسعى أيضا لتحقيق أهداف ذات بعد سياسي.

وتشرح المشرفة على المشروع ومؤسسته، ياسمين مرعي، أن النصوص التي يم إنتاجها خلال الورش ليس الهدف منها إعلامي أو إبداعي فقط، وتقول: ”هناك أهداف فيما يتعلق بتغيير ظروف اللاجئين أو إعادة التفكير في سياسات الاندماج. أعلم أن الألمان لن يقرأوا تلك النصوص، ولكن من الضروري كتابة تلك النصوص لتغيير الفرز السياسي لنا كلاجئين".

وفي حوار أجراه مهاجر نيوز، أكدت الباحثة بجامعة برلين الحرة الدكتورة حنان بدر على أهمية توثيق التواجد المتزايد للمهاجرين من أصل عربي في ألمانيا، ”فالمجتمع الألماني يشهد تغييرا، ودور صانعي القرار والمؤسسات العلمية هو رصد الظواهر الاجتماعية وتوثيقها وتفسيرها والتعامل مع ما قد ينتج عنها من إشكاليات مختلفة"، على حد وصفها.

وترى الباحثة المصرية، والتي تعمل حاليا على مشروع يوثق الوجود العربي في برلين وكيف يؤدي إلى تغيير ملامح العاصمة، أن العديد من الجهات الحكومية وغير الحكومية في ألمانيا مهتمة، وخاصة المبادرات التي توفر للنساء العربيات ”مساحات أمنة للتعبير عن أنفسهن". وتقول بدر: ”نقطة القوة في مشروع أصوات نسائية في المنفى هو أن القائمة علي المبادرة تحمل نفس الخلفية الثقافية للمشاركات وعلى دراية بأولوياتهن واحتياجاتهن، بما يوفر فرصة للجميع بكل اختلافاتهن للالتقاء في مساحة لا تجبر السيدات على فعل أي شئ تراه غير مناسب لهن". 

إلا أن الأستاذة المساعدة في علوم الإعلام والاتصال تنبه أيضا إلى ما قد يحتاجه أبناء المهجر أحيانا من ”دعم أو إرشاد" حيث تقول: ”نعم يوجد الكثير من الصدمات والألم والقصص المأسوية ولكن هناك أيضا الكثير من الريادة والمبادرة والفعل. وبالتالي التوثيق ضروري حتى لا تكون السردية الوحيدة السائدة هي أن العرب ضحايا. بل يجب توفير فرص لإعادة اكتشاف الذات والمضي قدما نحو المستقبل".

وعلى المدى البعيد، تتمنى مرعي ”تأسيس حالة من التضامن النسائي التي تمكنهن لاحقا من التواصل بأنفسهن مع الجهات المختلفة المسؤولة عن الاندماج بالمجتمع الألماني، والتعبير عن مطالبهن كحالة من المناصرة المستدامة التي لا تنتهي بانتهاء ورش التعافي بالكتابة". وتضيف مرعي: ”نحن نسير بإيقاع بطيئ، ولكن للأمام".

دينا البسنلي/ع.ح.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد