1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أزمة الطاقة ـ "الابتزاز الروسي" والأجوبة الأوروبية!

حسن زنيند
١٠ سبتمبر ٢٠٢٢

وضع قرار روسيا وقف ضخ الغاز إلى أجل غير مسمى، أوروبا أمام معضلة غير مسبوقة. ويُتوقع ارتفاع قيمة فواتير الطاقة بأوروبا بمقدار تريليوني يورو بحلول أوائل العام المقبل. فكيف تستعد أوروبا وألمانيا تحديدا لمواجهة هذه المعضلة؟

https://p.dw.com/p/4Gc5E
Gas-Pipeline Polen-Slowakei Inbetriebnahme
صورة من: Kacper Pempel/REUTERS

زادت موسكو من حدة التضييق على سوق الطاقة الأوروبية بتقليص تسليم شحنات الغاز رغم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفى أن تكون بلادهتستخدم الطاقة "سلاحا"ضدّ أوروبا، وهدد بوتين بوقف شحنات الغاز الروسي إذا حدد الأخير سقفا لأسعار النفط والغاز الروسيين. يذكر أن رئيسة  المفوضية الأوروبية  أوزولا فون دير لاين اقترحت (السابع من سبتمبر/ أيلول 2022) على الدول الأعضاء تحديد سقف أسعار واردات الغاز الروسي في إطار تدابير تخفيففاتورة الطاقة. وتتوقع بروكسل أن تؤدي هذه الخطوة إلى "خفض الايرادات" التي تستعملها موسكو "لتمويل هذه الحرب الوحشية على أوكرانيا".

المستشار  أولاف شولتس  الذي تعتمد بلاده كثيرا على الغاز الروسي، أكد أن ألمانيا ستجتاز الشتاء "بشجاعة" رغم شبح نقص الامدادات. بوتين ألقى باللوم على ألمانيا والعقوبات الغربية واعتبرها مسؤولة عن عدم تشغيل خط أنابيب  نورد ستريم 1  وأن أوكرانيا وبولندا قررتا بمفردهما إغلاق خطوط الغاز الأخرى إلى أوروبا. صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" الألمانية (السابع من سبتمبر) كتبت معلقة "الآن يتعين على الكثيرين أن يتعلموا بطريقة صعبة إعادة النظر في نمط التفكير. ربما لم يتبق سوى شيء واحد للمؤسسات العامة والمستهلكين من القطاع الخاص، الذين يتعين عليهم مواجهة البرد في الشتاء بطريقة مماثلة ألا وهو التوفير المتواصل".

ضعف شبكة الطاقة: فرص ألمانيا المهدرة للاستفادة من الطاقة الشمسية في فصل الصيف

أحلاها مُر ـ بدائل أوروبا أمام الغاز الروسي

واصلت شركة غازبروم ابتزازها للأوروبيين بعدما أعلنت قبل يوم من حلول أجل استئناف تدفقات الغاز عبر خط نورد ستريم 1 الذي يوصل الغاز الروسي إلى ألمانيا، أن الخط سيخضع لمزيد من أعمال الصيانة، وهو ما يعني عمليا زيادة الضغط على سوق الطاقة في أوروبا. وكانت الشركة الروسية تجري فعلا أعمال الصيانة على الخط المذكور في الفترة ما بين 31 أغسطس / آب والثاني من سبتمبر/ أيلول الجاري. غير أن سياق الحرب والعقوبات الاقتصادية وقرب بداية الشتاء إضافة إلى استعمال موسكو للغاز للطاقة كأداة للضغط الجيو سياسي، ضاعف من مخاوف الأوروبيين وجعل أسعار الغاز تصل لمستويات قياسية. ويذكر أن الروس قد قطعوا فعلا إمدادات الغاز لعدد من الدول الأوروبية كبولندا وهولندا وبلغاريا وفنلندا وغيرها.

فهل تستطيع أوروبا تعويص ما نسبته 40 بالمائة من احتياجاتها من الغاز التي كانت تستوردها من روسيا والتي بلغت العام الماضي ما قدره 155 مليار متر مكعب؟ بعض البلدان لديها خيارات بديلة وشبكة غاز أوروبية متصلة ببعضها بحيث يمكن تقاسم الإمدادات، على الرغم من أن سوق الغاز العالمية كانت شحيحة حتى قبل الأزمة الأوكرانية. وربما تستورد ألمانيا، أكبر مستهلك للغاز الروسي في أوروبا والتي أوقفت التصديق على خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الجديد القادم من روسيا بسبب حرب أوكرانيا، الغاز من بريطانيا والدنمرك والنرويج وهولندا عبر خطوط أنابيب. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "دي ستاندارد" البلجيكية (السابع من سبتمبر) "لقد أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طوربيدًا ثقيلًا باتجاه أوروبا. من خلال إغلاق خط أنابيب الغاز 1 لفترة غير محددة، يأمل في شل سوق الطاقة الأوروبية، مما يتسبب في مشاكل مالية خطيرة للأفراد والشركات (..). بذلك يأمل النظام الروسي تقويض الدعم الغربي لأوكرانيا من خلال تعريض أوروبا للبرد".

شح الغاز ـ هل يؤدي لتراجع الدعم لأوكرانيا؟

تضاعف النرويج جهودها، ثاني أكبر مورد للغاز في أوروبا بعد روسيا، من أجل زيادة الإنتاج للتخفيف من شح العرض. ويمكن لجنوب أوروبا استقبال الغاز الأذربيجاني عبر خط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيكي إلى إيطاليا وخط أنابيب الغاز الطبيعي عبر تركيا. من جهتها أكدت الولايات المتحدة أنها على استعداد لتوريد 15 مليار متر مكعب من الغاز المسال إلى أوروبا هذا العام. وتسعى إسبانيا بدورها لإحياء مشروع لبناء خط ثالث للغاز عبر جبال البرانس، لكن فرنسا قالت إن محطات الغاز الطبيعي المسال الجديدة، التي يمكن أن تكون عائمة، ستكون خيارا أسرع وأرخص من عمل خط أنابيب جديد. ويمكن أيضا اللجوء لتبادل الكهرباء بين الدول الأوروبية من خلال تعزيز الطاقة النووية أو الطاقة المتجددة أو الطاقة الكهرومائية أو الفحم.

ويتراجع حجم المتاح منالطاقة النوويةفي بلجيكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا مع تعرض المحطات في هذه الدول لانقطاعات مع تقادمها أو وقف تشغيلها أو خروجها من الخدمة. وانحسرت مستويات المياه هذا الصيف بسبب قلة الأمطار وموجة الحر. وتسعى أوروبا منذ سنوات للتخلي عن الفحم كمصدر للطاقة في سيبل تحقيق أهداف المناخ، غير أن هذه الأهداف قد تم تأجيلها مؤقتا بعدما أُعيد تشغيل بعض المصانع منذ منتصف عام 2021 بسبب ارتفاع أسعار الغاز.

ومن الخيارات المتاحة أيضا للأوروبيين خفض استخدام الغاز، إذ اتفق وزراء الطاقة في دول  الاتحاد الأوروبي  على تخفيض طوعي بنسبة 15 بالمئة اعتبارا من أغسطس / آب إلى مارس / آذار، مقارنة بمتوسط الاستهلاك السنوي خلال الفترة من 2017 إلى 2021، وطرحوا أهدافا على مستوى الاتحاد الأوروبي لتخزين الغاز. وفي هذا السياق كتبت صحيفة "نيبسزافا" المجرية اليسارية الليبرالية (السادس من سبتمبر): "يواجه الاتحاد الأوروبي أشهرًا صعبة للغاية، والسؤال الأكبر هو ما إذا كان سيتمكن من الحفاظ على الدعم الشعبي للعقوبات ضد روسيا. وشككت الأحزاب الشعبوية اليمينية في الشعور بالإجراءات العقابية ضد موسكو (...). ستكون الأشهر القليلة القادمة أكبر محنة للاتحاد الأوروبي. ولكن إذا نجح في البقاء وإصلاحه (الاتحاد الأوروبي) من خلال تدابير استباقية، فقد يصبح أقوى من أي وقت مضى".

 

الطاقات البديلة ـ حلول واعدة.. ولكن!

كشفت دراسة نشرت في (الثامن من سبتمبر) أن دول الاتحاد الأوروبي قامت بإنتاج كمية قياسية من الطاقة الشمسية هذا الصيف. الدراسة أصدرها مركز الأبحاث "إيمبر كلايمت" الذي أوضح أن التكتل القاري أنتج ما قدره 99.4 تيراواط / ساعة من الطاقة الشمسية بين شهري أيار/ مايو وآب / أغسطس من العام الجاري، بزيادة قدرها 22 تيراواط / ساعة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

وتُقدر قيمة هذه الطاقة الشمسية الإضافية بنحو 29 مليار يورو من واردات الغاز. وتحتل الطاقة الشمسية نسبة 12% من مجموع الطاقة المنتجة في الاتحاد الأوروبي بين أيار/ مايو وآب / أغسطس، مقارنة بـ 9% خلال العام الماضي. الدراسة كشفت أن 18 من أصل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي حطمت أرقامها القياسية الخاصة بحصتها من الطاقة الشمسية المنتجة.

واحتلت هولندا المرتبة الأولى بنسبة 23%، تليها ألمانيا (19%) ثم إسبانيا (17%). وحققت بولندا أكبر قدر من التقدم في تنمية قدرتها الشمسية، حيث زادت الطاقة المولدة من الطاقة الشمسية 26 ضعفا منذ 2018. وأنتجت بولندا هذا العام 8% من إجمالي طاقتها من الطاقة الشمسية. وأظهرت الدراسة أن الطاقة الشمسية تمثل بديلا جيدا لكنه لن يحل جميع المشاكل على لمدى المنظور. ذلك أن "الرياح والشمس لا تستطيعان لوحدهما تشغيل اقتصاد قوة صناعية، ويبدو بالتالي أن الطاقة النووية هي الحل البديهي. لكن الأمر ليس بتلك السهولة في ألمانيا، حيث يتعمق العداء الثقافي والسياسي للطاقة النووية"، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال الأمريكية (السابع من سبتمبر).

 

برلين تريد استخلاص العبر من التجربة الروسية

في جهود التخطيط لإخراج ألمانيا وأوروبا من مأزق الطاقة الذي فرضته عليهما موسكو، تسعى برلين في المستقبل إلى تفادي الاعتماد على مصادر الطاقة على "الأنظمة الاستبدادية". ولكن هل سيكون هذا الخيار واقعيا؟ بهذا الصدد حذرت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك من تكرار أخطاء الماضي، وذلك خلال فعاليات يوم الاقتصاد لرؤساء البعثات الألمانية في الخارج التي انعقدت في وزارة الخارجية الألمانية (السادس من سبتمبر) تحت شعار "الاقتصاد من أجل حماية المناخ والاستدامة". وقالت الوزيرة المنتمية إلى حزب الخضر "لا يمكننا مرة أخرى أن نعول على مبدأ الأمل، الذي يعتبر أن الأمر لن يكون على هذا النحو من السوء مع الحكومات الاستبدادية". واتهمت الوزيرة الرئيس الروسي بابتزاز أوروبا على نحو علني متزايد. وقالت "لقد دفعنا مقابل الغاز الروسي ضعفين أو ثلاثة أضعاف من أمننا القومي".

ورأت بيربوك أنه إذا كانت ألمانيا ستدخل حاليا في شراكات للطاقة على سبيل المثال، فإن المؤكد "أنه سيتم تحويله مستقبلا إلى غاز محايد مناخيا وإلى الهيدروجين الأخضر، وهذا هو الطريق الوحيد الذي يمكننا أن نسير فيه مع شركائنا الجدد في مجال الطاقة". موقع فينانسماركتفيلت" الاقتصادي (31 أغسطس / آب) كتب معلقا بأن الأزمة الحالية تتطلب من ألمانيا بلورة "مشروع مارشال" جديد لإنقاذ اقتصاد البلاد، وكتب: "يمكن لألمانيا الاستثمار في البنية التحتية على نطاق واسع، على نمط خطة مارشال. ويتعين التركيز بشكل خاص على الاستثمارات في البنية التحتية للطاقة (..) وكذلك تسريع التحول البيئي (..) مصلحة ألمانيا تقتضي توسيع الاستثمارات، وبالنظر إلى حجم الاقتصاد الألماني، فإن زيادة الإنفاق ستقوي الاتحاد الأوروبي بأكمله. سيؤدي الاندماج العميق للبلاد في اقتصاد الاتحاد الأوروبي، بدوره، إلى عودة الفوائد الاقتصادية إلى ألمانيا".

أوروبا ـ شراء الغاز بشكل مشترك لخفض الأسعار

تنسق باريس مع برلين للعمل على شراء دول الاتحاد الأوروبي للغاز بشكل مشترك للحصول على أسعار مناسبة. وبهذا الصدد أجرى المستشار الألماني أولاف شولتس محادثات هاتفية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الخامس من سبتمبر) في سياق جهود تحديد سقف لسعر الغاز الروسي المسلّم عبر الأنابيب. وقال الرئيس الفرنسي بعد اتصال عبر الفيديو مع المستشار شولتس بحثا خلاله أزمة الطاقة في أوروبا، "نحن مؤيّدون... لشراء الغاز بشكل مشترك" مضيفًا أن ذلك سيسمح لأوروبا بأن تشتريه بأسعار "أرخص". وتعهد بتسليم مزيد من الغاز لألمانيا وأوضح بهذا الصدد "سنضع اللمسات الأخيرة على خطوط الغاز للتمكن من توصيل الغاز إلى ألمانيا ... إذا كانت هناك حاجة للتضامن"، كما أن هذه الأخيرة بدورها "ستضع نفسها في وضع إنتاج المزيد من الكهرباء وستؤمنها لنا في حالات الذروة". وترتبط أسعار الكهرباء الأوروبية مهما كانت طريقة إنتاجها، بسعر الغاز الذي بلغ مستويات تاريخية منذ بدء الحرب على أوكرانيا.

ويلتقي وزراء الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي (التاسع من سبتمبر) لبحث اقتراح المفوضية الأوروبية بتحديد سقف لجزء من أسعار الكهرباء وتبني رسوم مدروسة للأُسر الأكثر ضعفا وتعزيز التدابير التحفيزية لتخفيض الاستهلاك. وتدافع ألمانيا بدورها على آلية الرسم الأوروبي المشترك أمام المفوضية الأوروبية. وسبق أن قال المستشار الألماني إن "المنتجين يستفيدون ببساطة من أسعار الغاز المرتفعة جدًا التي تحدد سعر الكهرباء". موقع إذاعة "دويتشلاندفونك" (20 أغسطس) كتب معتبرا أن ألمانيا والمفوضية الأوروبية تتحملان جزئيا على الأقل مسؤولية ما يحدث؛ "يبدأ الأمر بحقيقة أن سعر الغاز مرتفع للغاية لأن برلين وبروكسل أرادته كذلك. فقد رفضت بعض الدول الدفع بالروبل ويتم سد حاجياتها الآن عبر ألمانيا. قد يكون ذلك عملا تضامنيا .. لكنه يفسر جزءًا من نقص الإمدادات" في السوق.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد