1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أحلام شباب دور الصفيح في الجزائر في ليلة "الهروب" من البلد

٢ يناير ٢٠١١

يصنف خبراء سنة 2010 بأنها سنة"انتفاضة"دور الصفيح، وبالنسبة لشباب تلك الأحياء المعروفة باسم "الهامشية" فإن الاحتفال بالسنة الجديدة ليس له معنى في ظل البطالة والسكن غير اللائق، كما يرصد موقع دويتشه فيله في هذا الريبورتاج.

https://p.dw.com/p/zsNO
معاناة سكان الأحياء الهامشية قتلت فيهم الرغبة في الاحتفال برأس السنةصورة من: Taoufik Bougaada

استقبل سكان الأحياء القصديرية أو أحياء الصفيح السنة الجديدة 2011، بالكثير من الغضب والنقمة على السلطات المحلية التي يتهمونها ب"التفنن" في توزيع الوعود الكاذبة في كل مناسبة انتخابية، ولم يجن الكثير من هؤلاء عقب تحركات الاحتجاجية المتلاحقة إلا المزيد من الوعود بتحسين أوضاعهم ونقلهم إلى مساكن لائقة.

أحياء ديار الشمس، ديار العافية، الكاليتوس، واد الحميز، لاغلاسيار، باب الواد، النخيل وغيرها، صنعت المشهد الاحتجاجي المطلبي في العاصمة لسنة 2010، لا شيء متميز ليلة رأس السنة، فأغلبية سكان هذه الأحياء ظلوا أوفياء لعاداتهم طوال السنة في الدخول إلى منازلهم مع غروب شمس كل يوم، كما ترصد ذلك دويتشه فيله.

عبد الحق، عمار، جلال، ومختار، من حي القصدير بالحميز، إلتقتهم دويتشه فيله في مدخل الحي الموزع بين ضفتي الوادي ساعة قبل منتصف الليل، الظلام دامس، نباح الكلاب الضالة من كل ناحية، صيحات غير مفهومة من هنا وهناك، رائحة كريهة تزكم الأنوف، كل شيء كان يدعو للخوف، لكننا واصلنا دخول الحي رغم محاولات مرافقي في إقناعي بالعودة.

يقول جلال أن جميع أيامه متشابهة "ما الفرق بين الجمعة الماضية وهذه الجمعة، سوى أن هذه الجمعة أكثر بردا من سابقتها"، وعن طريقته للاحتفال برأس السنة الميلادية، يضيف ساخرا "إن مصطلح الاحتفال برأس السنة لا يوجد في قاموسنا نحن الفقراء، همنا الوحيد هو السعي وراء الخبز"، ثم يشير للمكان الذي نحن فيه، و يقول "هل هذا المكان يشجع على الاحتفال.. إننا نعيش المأساة يوميا".

دور الصفيح واحتفالات السنة الجديدة

Silvester Slums Algerien
عثمان شاب من سكان حي وادي الحميز، يحلم بفرصة عمل وإدخال البهجة على أسرتهصورة من: Taoufik Bougaada

وينضم إلى الحديث مع جلال صديقه عثمان الذي يقطن كوخا صغيرا هو وإخوته الأربعة منذ 10 سنوات، وهو يقول"حياتنا هنا لا يوجد فيها فرح، معاناتنا قتلت كل شيء جميل بداخلنا، ورغم ذلك نحن نحاول اصطناع الابتسامة كلما سنحت لنا الفرصة"، وأضاف" إن احتفالات سكان الحي بسيطة جدا، تقتصر فقط على طبق رشتة أو شخشوخة(أكلة شعبية جزائرية) بالدجاج في أحسن الأحوال، أما ما عدا ذلك من مظاهر الاحتفال فنحن نستمتع بمشاهدتها على التلفزيون فقط".

وأثناء تبادلنا الحديث مع مجموعة من شبان الحي،عن الأوضاع التي يعيشونها، وأهم المشاكل التي يواجهونها في حياتهم اليومية، مر بالقرب منا مجموعة من الشباب في حالة سكر متقدمة، يزرعون الفوضى بقهقهاتهم ومشاجراتهم. فتدخل عبد الحق معلقا على المشهد "إن الكثير من شباب الأحياء المهمشة ينتظرون هذا اليوم للاحتفال بهذه الطريقة التي ترونها، فالاحتفال عندهم يعني شرب الخمر وتدخين الحشيش ومعاشرة بائعات الهوى، وكثيرا ما سمعنا عن حالات قتل في مثل هذا اليوم بين أمثال هؤلاء، التي لن تزيد احتفالاتهم سوى تشجيعا للمظاهر السلبية التي تفتك بأسر الحي وتشتت شملهم".

غادرنا حي واد الحميز وإتجهنا إلى حي "لاغلاسيار"، الذي عرف في اليومين الماضيين احتجاجات للمطالبة بترحيلهم عقب ترحيل عائلات بديار الشمس إلى مساكن جديدة، وأدت هذه الاحتجاجات إلى العديد من الإصابات بين صفوف قوات مكافحة الشغب والمتظاهرين.

هدوء تام يخيم على الحي، سيارة الشرطة تجوب الأزقة، لم نجد شخصا نتحدث إليه، من بعيد لمحنا شخصا يخرج من مخبزة، بعد التحية والتعارف سألنا "عمي محمد" عن طريقة الاحتفال برأس السنة الميلادية، أجاب مبتسما، "كنت أحسب أنكم جئتم للسؤال عن الأوضاع هنا بعد الذي حدث، أما الاحتفال فأعتقد أنكم جئتم إلى المكان غير المناسب، إن هذه المناسبة لم تعد موعدا مهما للفقراء، وأصبحت حكرا فقط على الأثرياء في هذه البلاد، إن صعوبة الحياة و قساوتها لا تسمح بالتفكير للاحتفال في هذه الأحياء التي تزيد معاناة سكانها يوما بعد يوم.. زمان كنا نحتفل ونشتري المفرقعات للأولاد، أما الآن فالكثير أصبح عاجزا حتى عن شراء الخبز".

ليلة "الهروب" من البلد

Silvester Slums Algerien
حي وادي الحميز بالجزائر مساء ليلة رأس السنةصورة من: Taoufik Bougaada

بعض شبان أحياء دور الصفيح فضلوا الاحتفال بالسنة الجديدة بطريقتهم الخاصة، كما يروي سفيان العامل بمخبزة "عمي محمد"، ويقول ان صديقه سافر منذ 15 يوما إلى مدينة القالة(شرق الجزائر) وهو ينتظرهذا اليوم من أجل "الحرقة"(الهجرة غير الشرعية) إلى إيطاليا . وهذا حال الكثير من الشباب الجزائريين اليائسين من تحسن أوضاعهم فهم يحاولون استغلال مناسبة الاحتفالات بالسنة الجديدة، وما يرافقها من تراخي قبضة خفر السواحل على الضفتين من أجل تحقيق الحلم في العبور للضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط.

ورغم تفطن وحدات خفر السواحل الجزائرية هذه المرة للأمر، و تعزيز مراقبتها على امتداد المناطق المعروفة بالهجرة غير الشرعية تجاه إيطاليا شرقا، وإسبانيا غربا، لإجهاض محاولات بارونات الهجرة تهريب عشرات الشباب إلى أوروبا، إلا أن الأيام المقبلة سوف تحمل أنباء عن مغامرات شبان وصلوا شواطئ إيطاليا وإسبانيا أو إلى قاع البحر، كما يقول أهالي حي "لاغلاسيار" بمرارة.

أحلام اليقظة

Silvester Slums Algerien
واجهة لإحدى فنادق العاصمة الجزائرية الفاخرة وتبدو عليها يافطة الإحتفال بالسنة الجديدةصورة من: Taoufik Bougaada

أحلام وأماني الشباب الذين التقيناهم ليلة السنة الجديدة بسيطة جدا، لا تعدو أن تكون حقوقا تكفلها لهم جميع شرائع حقوق الإنسان، فعثمان يتمنى أن تكون سنة 2011 آخر سنة يعيش فيها في ذلك الكوخ الذي لا تتوفر فيه أبسط ظروف الحياة الآدمية، ويتمنى أيضا أن ينجح أخوه في شهادة البكالوريا (الثانوية العامة)، ويحقق حلم أمه في دخول الجامعة.

ومن جهته يتمنى جلال أن تكون السنة الجديدة سنة حصوله على منصب عمل يحفظ له كرامته، و يساعد والده في تربية إخوته في بيت جديد وُعدوا به من طرف السلطات المحلية. أما عبد الحق، فلم يرغب في شيء لنفسه، بل تمنى أن تكون سنة 2011 "عام خير على كل الجزائريين و الشعوب العربية".

وهم يتحدثون عن أحلامهم وأمانيهم للسنة الجديدة، يستدرك شبان كل من حي واد الحميز و"لاغلاسيار"، يستدركون بالإشارة إلى الفوارق الكبيرة بين معاناتهم والظروف التي يعيشوها شبان مثلهم في أحياء ميسورة. وهي مفارقة تجسد عمق الفوارق التي يعيشها هذا البلد المغاربي الأغنى في المنطقة، والذي تزيد عائداته السنوية من النفط والغاز أكثر من 50 مليار دولار أميركي. وبينما تتحدث الحكومة الجزائرية عن تخصيص عشرات المليارات منها لبرامج التنمية الاجتماعية ومكافحة الفقر، فإن شباب أحياء دور الصفيح، لا يرون منها سوى الوعود في التلفزيون أو في مناسبات الإنتخابات.

NO FLASH Slums in Algerien
صورة من: DW

ورغم عبور البلاد مرحلة العشرية السوداء (سنوات العنف خلال التسعينات) وتراجع هواجس الناس الأمنية، فإن معضلة الفقر والبطالة وشظف العيش في الأحياء الهامشية يثير غضب أهاليها وشبانها على الخصوص. وفي نظر الكثير منهم تبقى الاحتفالات بالسنة الجديدة في الجزائر عادة لدى الأغنياء دون غيرهم من طبقات المجتمع.

ففي فنادق خمسة نجوم مثل "الأوراسي" و"شيراتون" و"هيلتون" و"سفير" والأماكن محجوزة بها منذ أكثر من شهر و بأسعار تقارب 50 ألف دينار (اليورو الواحد يعادل 100دينار جزائري) للطاولة الواحدة، في حين استأجر آخرون فيلات بعيدا عن الأعين ومراقبة الأجهزة الأمنية للقيام بسهراتهم الحمراء الخاصة، حيث وصل سعر استئجار فيلا بضواحي حي "سطاوالي" 500 ألف دينار جزائري لليلة الواحدة.

توفيق بوقاعدة – الجزائر

مراجعة: منصف السليمي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد