"يوم الثقافات" - ملتقى الشرطة الألمانية لتقوية المعرفة بثقافة الآخر
٢ ديسمبر ٢٠١٠كانت القاعة التي انعقدت فيها الندوة السنوية التي تنظمها كلية الشرطة في مدينة مونستر، تحت شعار "يوم الثقافات"، تعج بنحو 150 من ضباط الشرطة. ورغم عملهم في ولايات ومدن ألمانية متفرقة، وبغض النظر عن انتمائهم إلى أجهزة أمنية مختلفة، إلا أن قاسما مشتركا كان يجمع معظم الحضور، وهو انحدار غالبيتهم من أصول مهاجرة. وكان أيضا من بين المشاركين في الندوة التي نظمت يوم الثلاثاء (30 نوفمبر/ تشرين الثاني) ضباط من البلد الجار، هولندا، جاءوا ليستعرضوا تجربة بلدهم في فسح المجال أمام الأجانب وذوي الأصول المهاجرة للعمل في جهاز الشرطة، وكل ما ترتب عن ذلك من ميزات وسلبيات.
وقد تم التأكيد على أهمية تقوية المعرفة بثقافة الآخر على مسارين، أولهما داخل جهاز الشرطة نفسه الذي بدأ ينفتح على كفاءات شابة من أصول مهاجرة لدعم اندماجهم في الجهاز الأمني. أما من الناحية الأخرى، فبإمكان هذه المعرفة تسهل عمل الشرطة اليومي لاسيما خلال احتكاكهم بالمهاجرين والأجانب الذين يعيشون في ألمانيا. ففي عدة مداخلات قام عدد من الضباط الألمان، من أصول مهاجرة، بسرد تجاربهم داخل مؤسسة الأمن وعملهم اليومي.
اندماج إيجابي...
في حوار مع دويتشه فيله شدد عمر الفضيل، وهو أحد مفتشي الشرطة القلائل الذين ينحدرون من أصول عربية، من أب مصري وأم ألمانية، على أهمية الاحترام المتبادل كأساس لتفادي وحل كل الخلافات وقال: "إذا ما قام كل الناس باحترام بعضهم البعض، وإذا كان ذلك مبنيا على أساس متبادل، عندها يمكن حل كل المشاكل". ويصف الفضيل تجربته المهنية في الشرطة الألمانية بالإيجابية رغم أصوله الأجنبية التي لم تعرضه للتهميش المهني أو مشاكل في التعامل مع زملائه الألمان. ويقول حول ذلك: " إنني أمثل خصوصية داخل جهاز الشرطة، حيث قلما تجد أسماء عربية ضمن قائمة الموظفين، لكن زملائي ينظرون إلي كشرطي لا يختلف عنهم في أي شيء".
ولعل ما يميز أفراد الشرطة ذوي الأصول المهاجرة عن باقي زملائهم الألمان، إلمامهم في الغالب بأكثر من لغة أجنية ومعرفتهم بثقافات أخرى تجعلهم أكثر قدرة على التعامل بشكل أفضل مع بعض المشاكل التي يكون أحد الأجانب طرفا فيها. وفي هذا السياق يشير الفضيل الذي يعمل في الشرطة الألمانية منذ عام 1993، إلى أن أصوله الأجنبية تجعل العديد من الأجانب المتورطين في نزاعات أو أعمال إجرامية، ينظرون إليه باحترام وتقدير وذلك رغم "أني لا أجيد التحدث بالعربية" كما يقول الفضيل.
... وطاقات لا يتم توظيفها
تجربة فيكتور أوتانزي، مفتش الشرطة الذي ينحدر من أب غاني وأم ألمانية، كانت مميزة. لقد كانت مسيرته المهنية في بدايتها محفوفة بالارتباك، إذ لم يكن يدري ما إذا كان لون بشرته الداكن سيؤثر على قرار قبوله في كلية الشرطة. وخلال الندوة أعرب أوتانزي، الذي يشغل حاليا منصب الناطق الإعلامي لكلية الشرطة في مونستر، عن سعادته وارتياحه لكون قرار قبوله لدى الشرطة اتخذ على أساس كفاءاته وقدراته الشخصية. لقد غمره الشعور بالسعادة حين تم في منصف التسعينات استدعاؤه للمشاركة في اختبار الالتحاق بكلية الشرطة، لكنه في ذات الوقت كان جد مرتبك بعدما اقترب من تحقيق حلمه وقال: "لم أكن أدري ما إذا كان لون بشرتي الداكن سيؤثر على اللجنة المكلفة باختيار المرشحين".
فلاديمير فايسمان، رئيس مركز للشرطة في مدينة دوسلدورف ينحدر من أصول يونانية، أعرب عن أمله في أن تكون الشرطة منفتحة ومتنوعة وخالية من الأحكام المسبقة. في نفس الوقت انتقد عدم استفادة الشرطة الألمانية من الكفاءات اللغوية والخلفيات الثقافية لموظفيها. لكن البروفيسور أورزولا بوص – نونينغ، وهي باحثة متخصصة في شؤون الهجرة في جامعة إيسن الألمانية وشاركت في ندوة "يوم الثقافات"، أكدت على ضرورة دعم التعددية اللغوية وتقوية المعرفة بثقافة الآخر داخل جهاز الشرطة، إلا أنها نبهت إلى عدم حصر عمل ودور أفراد الشرطة ذوي الأصول المهاجرة في أدوار ومسؤوليات معينة، كنشرهم في الأحياء السكنية التي تقطنها غالبية من المهاجرين.
أما روبيرت غيريتشي، وهو من أصول كرواتية ويشغل منصبا رفيعا لدى مديرية الشرطة في مدينة دورتموند، فقد لفت إلى أن الأحكام المسبقة والصور النمطية تظهر لدى بعض عناصر الشرطة القدامى، إذ أن احتكاكهم لمدة سنوات مع فئات اجتماعية ذات صلة بالإجرام وتنحدر من أصول مهاجرة معينة، قد ساهمت في ظهور هذه الأحكام المسبقة. من جانبه قال فيلي شتارتمان، مفتش الشرطة الجنائية ومدرس في كلية الشرطة أنه "كثيرا ما نقول إننا متسامحين، ولكن للأسف كل واحد منا لديه أحكام مسبقة"، مضيفا بالقول: "ينبغي إدراك الاختلافات، لكن لا ينبغي إصدار الأحكام بسرعة". مشيرا إلى ان الشرطي قد يركز عمله على 10 في المائة من الأجانب الذين يرتكبون مخالفات قانونية، فيما " لا نتعرف على 90 في المائة من المهاجرين الذي اندمجوا بشكل إيجابي ويحترمون القانون.
الكفاءة قبل الانتماء الثقافي
وفيما يتعلق بشروط الالتحاق بكلية الشرطة بالنسبة للأجانب، أشار شتارتمان في حوار مع دويتشه فيله إلى أنه إلى حد الآن ليست هناك استثناءات أو تسهيلات بالنسبة للمرشحين ذوي الأصول المهاجرة، إذ كل مرشح ينبغي عليه أن يكون بحوزته شهادة التعليم الثانوي بالإضافة إلى امتلاكه كفاءات ومهارات جيدة. بيد أن شتارتمان لفت إلى أنه مقارنة بالماضي لم يعد امتلاك الجنسية الألمانية شرطا أساسيا لالتحاق بكلية الشرطة.
وفي سياق متصل، كانت ليندا دي والاس، وهي ضابطة رفيعة في الشرطة الهولندية، قد أشارت في معرض حديثها عن عمل وحدات الشرطة الهولندية المتعددة الثقافات إلى أن فسح المجال أمام المواطنين ذوي الأصول المهاجرة للعمل في القطاع العام حق يؤكده دستورا ألمانيا وهولندا، فالقوانين تمنع التميز على أساسا العرق والجنس والديانة، بالإضافة إلى ميثاق حقوق الإنسان الذي يؤكد بدوره على هذه الحقوق. بيد أنها أشارت إلى أن التجربة على أرض الواقع أظهرت في هولندا أن وضع العديد من التسهيلات والاستثناءات أمام المواطنين ذوي الأصول المهاجرة والراغبين في الالتحاق بجهاز الشرطة لم تتمخض عنها تجارب إيجابية لأن تكافؤ الفرص لا ينبغي أن يتم على حساب الكفاءة المهنية.
طارق أنكاي – مونستر
مراجعة: يوسف بوفيجلين