هل تحسم ألمانيا ترددها وتساهم في إنقاذ تركيا من أزمتها؟
٢٠ أغسطس ٢٠١٨في خطابه المسجل الموجه للشعب بمناسبة عيد الأضحى، دغدغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مجدداً المشاعر القومية والدينية للأتراك، واعتبر الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها بلاده حالياً هجوماً على الليرة التركية يعادل الهجوم على العلم التركي أو الآذان وهدفه تركيع الشعب التركي وإذلاله، حسب قوله. أردوغان يجيد شحن العواطف ضده ومعه في آن، وبكلامه هذا كرس الصور المتناقضة التي يحب معارضوه ومؤديوه أن يرونه بها، فهو بالنسبة لمؤيديه البطل القومي الذي لا ينحني، وبالنسبة للمعارضين المتعنت الإيديولوجي الذي أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه.
بغض النظر عن الاستقطاب المتزايد داخل تركيا، والذي استطاع أردوغان توظيفه لصالحه في السنوات الماضية، يبدو كلامه هذه المرة موجهاً أيضاً للمراقبين الخارجيين. من يتابع الصحافة الأوروبية وخاصة الألمانية لا يخفى عليه أن الأوروبيين يراقبون انهيار العملة والتعثر الاقتصادي في تركيا بقلق بالغ. حتى أن بعض الأصوات من داخل الأروقة السياسية الألمانية بدأت تتجرأ وتعلو معلنة اعتراضها على سياسية واشنطن تجاه أنقرة ومعربة عن قلقها من خطر ذلك. هذا ما عكسته التصريحات الصحفية الأخيرة لوزير الخارجية الألمانية السابق زيغمار غابرييل الذي انتقد في حوار له مع "شبكة التحرير الصحفي في ألمانيا" بشكل صريح سياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا، وقال: "علينا فعل كل ما بوسعنا للإبقاء على تركيا في الحلف الغربي" معللاً ذلك بأخطار سياسية وأمنية جسيمة قد تواجه ألمانيا وأوروبا إذا استمر الضغط على تركيا وأدى إلى انعزالها. فهل تعكس تصريحات غابرييل المزاج العام في ألمانيا؟ وهل يمكن لبرلين فعلاً أن تلعب دور المنقذ في الأزمة الحالية التي تمر بها أنقرة؟
قلق في برلين بسبب أزمة الليرة
في تصريحاته أكد غابرييل على أن طريقة تعامل واشنطن مع أنقرة لا تليق بعضو في حلف الناتو. تصريحات غابرييل تعكس في الحقيقة جزءاً مهماً من مخاوف ألمانيا أمام أزمة العملة التي تمر بها تركيا اليوم. فتركيا ليست فقط عضواً في حلف الناتو، بل العضو ذو ثاني أكبر جيش في الحلف. سياسة أنقرة اتسمت إضافة إلى ذلك بعدم الوضوح تجاه الغرب خلال السنوات الأخيرة، وظل أردوغان يلوح باحتمال تقربه من روسيا كلما ساءت الأحوال بينه وبين حلفائه الغربيين. في حوار له مع DW عربية أشار الصحفي الألماني ومراسل صحيفة دي تسايت، ميشائيل تومان، إلى ذلك وتحديداً إلى رغبة تركيا بشراء أنظمة الدفاع الجوي S-400 من روسيا، مذكراً بتلميحات سابقة للرئيس التركي تشير إلى أن تركيا قادرة على العثور على حلفاء جدد، واعتبر تومان أن "هذه هي المخاوف التي تحرك برلين اليوم".
أهمية تركيا بالنسبة لأوروبا تكمن أيضاً في موقعها الجيوسياسي بين الشرق الأوسط المأزوم وأوروبا التي تصارع لضمان استقرارها وتماسكها أمام تحديات أزمة اللاجئين القادمين في كثير من الأحيان من الشرق الأوسط. تومان أشار إلى أهمية استقرار الأوضاع في تركيا مؤكدا على أن "ما يشغل بال الحكومة الألمانية هو اتفاق الهجرة المبرم مع تركيا، ومدى التزامها بهذا الاتفاق في ظل الظروف الراهنة"
ما فرص ألمانيا في مساعدة تركيا؟
وإن كان من الصعب حتى الآن وصف أزمة الليرة التركية بأزمة اقتصادية حقيقية، فإن امتداد فترة الصعوبات التي تعاني منها العملة التركية سيمهد الطريق لصعوبات اقتصادية كبيرة بات التخوف منها يزداد يوماً بعد يوم في أوروبا وألمانيا تحديداً، وما التصريحات الرسمية للمتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت، والتي قال فيها إن "مسألة تقديم مساعدة ألمانية لتركيا ليست على جدول أعمال الحكومة في الوقت الراهن"، إنه رد أولي، وربما موارب، للحكومة حول الجدل المحتدم اليوم بشأن ضرورة أن تقدم ألمانيا مساعدة مالية لتركيا أم لا.
مراسل موقع "شبيغل أونلاين" الإخباري الألماني، ماكسيميليان بوب أشار في تعليق له على الموضوع إلى أهمية أن تحصل تركيا على مساعدة خارجية، خاصة في ظل عدم إمكانية التعويل على مساعدة مالية قادمة من روسيا، حسب رأيه، وفي ظل الديون الخارجية الكبيرة للبلاد البالغة 265 مليار يورو، والتي تجعل من الاستثمارات القطرية ذات الـ 15 مليار يورو التي وعد بها أمير قطر الأسبوع الماضي مساعدة رمزية. وتابع بوب في تعليقه "ميركل قالت إن ألمانيا لها مصلحة في الاستقرار الاقتصادي في تركيا. برأيي إن مصلحة ألمانيا في استقرار الديمقراطية هناك لا تقل أهمية عما ذكرته ميركل" وفي حوار له مع DW عربية قال بوب "المساعدة الاقتصادية لتركيا يجب أن تقترن بتعهدات يقدمها أردوغان لحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلده" ورأى في قيام السلطات التركية بإطلاق سراح بعض المعتقلين لديها لأسباب سياسية، مؤشرات على الانفراج في العلاقات التركية الأوروبية.
على كل حال، برلين على موعد مع زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان يومي 28 و29 من الشهر القادم. موعد سيعطي إشارات مهمة حول قدرة الطرفين على تجاوز البرود المخيم على العلاقات منذ أكثر من عام، وقد يعطي إجابة أولية حول ماهية أي مساعدة ألمانية للحليف التركي.
ميسون ملحم