مصور ألماني يرصد واقع لاجئين عرب يحلمون بعبور المانش
١٠ ديسمبر ٢٠١٠مازال باول كنيخت يدرس التصوير الفوتوغرافي في جامعة ميونخ الألمانية. ورغم صغر سنه نسبيا ( 23 ربيعاً) وارتباطاته الجامعية، إلا انه يبحث دوما عن الجديد والمثير في عوالم أخرى داخل وخارج أوروبا، بما ذلك العالم العربي، فهو يبحث عن أشياء لم يشاهدها الكثير من الأوربيين. وتعددت محطات المصور الشاب كنيخت ، فقد زار الأردن والضفة العربية من قبل، كما عاش في إسرائيل لمدة عامين لممارسة "تصميمات الغرافيك" إلا أن فترة بقائه هناك دفعته لاكتشاف رغبته الحقيقة في دراسة وممارسة التصوير وليس الجلوس أمام الكومبيوتر لساعات طويلة وتصميم صفحات الانترنيت فقط، بل الخروج إلى العالم الحقيقي ونقله إلى الآخرين عن طريق الكاميرا.
أخر محطة زارها المصور الألماني كانت مدينة كاليه الفرنسية، ذهب إلى هناك إلى عالم اللاجئين، الذين يحاولون عبور نفق بحر المانش إلى انكلترا، كما يقول كنيخت في حديثه لـ دويشه فيله، والصور التي نقلها ليست من خارج أوروبا، بل من قلبها. يضيف: "قضية اللجوء بحد ذاتها قضية مهمة في أوروبا، فنحن قريبون جداً من أفريقيا والى حد ما من أفغانستان وعموماً من مناطق النزاعات التي ينتشر بها الفقر والملاحقات السياسية" ويتابع أن ما أثار اهتمامه هو "أننا نحن هنا نتمتع بحقوق كثيرة، وعندنا هنا أيضا الكثير من اللاجئين، الذين لا يأخذ الرأي العام هنا حقوقهم بعين الاعتبار. وما أريد نقله، هو ما يقوم به هؤلاء اللاجئون، كيف يعيشون، ما هي دوافعهم للقدوم إلى أوروبا".
عالم المهاجرين الخاص
وطَرقُ باب عالم اللاجئين، ذلك العالم الذي لم يعشه فتى من قلب أوروبا، قضى سنوات طفولته وشبابه في مدينة مشهورة بالرفاهية مثل ميونخ في جنوب ألمانيا، أمر ليس بالهيّن، كما يرسم صورته عن نفسه.
ورغم حماسه الكبير لرؤية عالم غريب عنه، يبعد مئات الكيلومترات عن مدينته، إلا أن شعور التوجس من ذلك المكان المجهول لم يفارقه: " كنت حذراً إلى حد كبير، لقد كان الوضع صعبا علي جداً في البداية، تساءلت: كيف أبدا معهم، فانا اسكن في فندق دافئ مجهز بكل مستلزمات الراحة. بإمكاني تغيير ملابسي إذا ما ابتلت وأنا املك كل شيء تقريبا وهم لا يملكون أي شيء". هذا الشعور تلاشى بسرعة عند لقائه باللاجئين المنتظرين للقطار، الذي سينقلهم لأرض الأحلام؛ انكلترا: "ما فاجئني، أنهم استقبلوني بترحاب، كانوا طيبين جداً، وجهوا لي دعوة، بعد أن تعرفوا عليّ لشرب القهوة والشاي معهم، تقاسموا معي طعامهم".
لاجئون ينامون في غرف سياحية على الشاطئ!
يعيش هؤلاء في مخيمات نصبوها بأنفسهم، كما فعل الأفغان منهم، أو في مخازن مهجورة عند أطراف مدينة كاليه، كما يفعل السودانيون والفلسطينيون. أما الإيرانيون فإنهم يبيتون الليل عند الساحل، حيث توجد غرفٌ فارغة لسواح موسم الصيف، التي تبقى فارغة طيلة الشتاء.
ورغم سوء أوضاعهم لم ينس هؤلاء الباحثون عن سقف يقيهم برد الشتاء، إنسانيتهم، كما يقول كنيخت: "رغم أن معظمهم صرفوا أموالهم في الطريق إلى كاليه، ورغم أنهم لا يملكون ما يقيهم من البرد، إلا أنهم حافظوا على إنسانيتهم. والكل هناك مترقب للفرصة التي تسنح له للعبور إلى الضفة الأخرى عن طريق نفق بحر المانش، الكل ينتظر فرصته للقفز إلى أحد القطارات أو الباصات التي ستعبر به النفق".
حلم الوصول إلى الهدف هو المحرك الذي يبقي على الدفء في عروقهم، رغم الجوع أو البرد ودوريات الشرطة التي تنقض عليهم في الليل، والتي تلقي القبض على البعض منهم، ما يدفعهم للبقاء ساهرين الليل كله خوفاً من دوريات الشرطة. والبعض منهم يعاني من مرض شديد جداً، إلا أنهم حافظوا على ايجابيتهم، حيث يضيف المصور الألماني الشاب:"مرت بي حالة لن أنساها أبداً، فقبل ليلتين من مغادرتي كاليه، دعاني الجميع إلى حفل لتوديعي، قاموا بتشغيل أغان سودانية من تلفوناتهم المحمولة. ثم جاء دوري للغناء، وأنا بطبعي لا أجيده، إلا أنهم دعموني بالقول، غني وسنغني معك، ثم قاموا بالغناء والتطبيل. وفي نفس الليلة ساءت حالة أحدهم ما دفعني للذهاب معه إلى المستشفى. بعد ساعات من تحسن حالته، دعاني من جديد إلى حفلة أخرى لوداعي، ليعوض حفلة الأمس التي انتهت نتيجة مرضه".
البحث عن الصورة المفقودة
لالتقاط الصور الملائمة، تلك الصور التي يمكن لها أن تتكلم عن نفسها ولها قوة تعبير أكبر من نص طويل، كان على المصور الشاب أن يسهر معهم لياليهم ويبقى معهم وهم يلعبون الورق أو كرة القدم، يصورهم وهم يطبخون الطعام، و هم يغنون أو يرقصون. رجال من أعمار مختلفة ومن جنسيات عدة، تجمعهم رغبة الوصول إلى الهدف المنشود.
ويهدف كنيخت إلى كتابة قصص هؤلاء عن طريق الصورة: "أنا لست بكاتب نصوص جيد، والتصوير طريقة قوية للتعبير، فصورة ما، بزاوية معينة، مع تعليق صغير يمكن أن تثير فضول الكثيرين، وتبقى في الذاكرة أطول من نص مكتوب".
وعن رحلة البحث القادمة عن الصورة الأكثر تعبيراً يقول طالب التصوير في جامعة ميونخ لدويتشه فيله: "لا ادري أين تكون رحلتي القادمة، إلا أنني أرغب بالذهاب إلى العالم العربي، خاصة السودان. أريد أن أتعرف على ثقافة الناس هناك أكثر؛ كيف يعيشون ومن أي عالم وثقافة جاء هؤلاء اللاجئون".
عباس الخشالي
مراجعة: عبده جميل المخلافي