مصريون ضد سارقي الثورة
١٠ أكتوبر ٢٠١١"حين أسير هنا أتذكر الحرية والمعارك التي خضناها"، يقول شريف عبد العظيم خلال تجوله في شارع القصر العيني في وسط العاصمة المصرية القاهرة، ماراً بمجلسي الشعب والشورى والجامعة الأمريكية. السيارات تسير باتجاه ميدان التحرير وسط الضوضاء والأتربة ودرجات الحرارة المرتفعة. ويبدو الأمر كما لو أن الحياة في أحد أهم شوارع القاهرة على الأقل عادت إلى طبيعتها. فقد كان أيام ثورة 25 يناير، التي أطاحت بنظام حسني مبارك، مسرح أحداث لاعتداءات أليمة وقعت من قبل الشرطة المصرية ضد المتظاهرين. الشوارع نفسها لم تتغير منذ قيام ثورة 25 يناير، إلا أن "نظرتي للقاهرة وبالتحديد لميدان التحرير تغيرت"، كما يقول شريف.
ويفتخر شريف بمدينته، ولم يكن يتخيل أن الشعب المصري سينجح بتحرير نفسه من قبضة حسني مبارك. وشريف انتهى لتوه من عمله في إحدى المنظمات التي تعمل على دعم الديمقراطية ومراقبة الانتخابات، وهو يعمل فيها منذ عام 2006، حيث لم يكن هناك أي حديث عن قيام ثورة في البلاد آنذاك. وحين يصل إلى ميدان التحرير يقف صامتاً مشيراً إلى مبنى الحزب الوطني، حزب الدكتاتور المخلوع حسني مبارك، وبعد برهة من الصمت يقول: "حين أرى مبنى الحزب الوطني المحترق أعرف أن شيئاً ما قد تغير. فمن هذا المبنى كانت تحكم مصر لسنوات عدة وبأبشع الصور".
ثورة تائهة
شريف قضى 18 يوماً معتصماً في خيمة مع آخرين في ميدان التحرير. ويبدو الإجهاد على وجهه، فهو يعمل كثيراً، إذ مازال يجب إنجاز الكثير قبل الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر. ويريد شريف المشاركة فيها لتكون انتخابات نزيهة وحرة. لكن هذه مهمة ليست بالسهلة في الوقت الراهن: "للأسف الثورة بدأت تضيع من بين أيادينا، بل حتى هناك من يقول إن المجلس العسكري سرق ثورتنا". ويرى الناشط أن الثورة المصرية تعاني حالياً من انتكاسة، فالعسكر، الذين أعطاهم مبارك الحكومة، يعملون كما في السابق ويبدو أن دعاية الثورة المضادة للماسكين بزمام السلطة بدأت تظهر مفعولها. سائقو التاكسي والبائعون المتجولون يشكون من ضيق الحال لتواصل المظاهرات. وكذلك بعض المتعلمين المصريين نسمع منهم جملا مثل:" لقد قمنا بثورة، هذا شيء جميل، ولكن إلى متى؟". أما العسكر فيشيعون الخوف في قلوب الناس من كل ما هو أجنبي ومن الأجانب الذين يزورون البلاد، حيث يُزعم أنهم جاءوا لتصفية مصر. وماذا يعني ذلك بالتحديد؟ هذا ما لا يمكن لأحد أن يجيب عليه. لكن إلى جانب هذا أيضاً، يشاع أن الحركات الثورية تم تمويلها من الخارج. وهذا اتهام غريب في حد ذاته، خاصة وأن الجيش المصري نفسه يحصل على معونة من الولايات المتحدة، تصل إلى قرابة مليار دولار. لا عجب إذاً، أنهم لا يريدون تسليم السلطة بسرعة، كما يقول الكثير من المصريين.
الكفاح يتواصل
لكن مثل هذه الدعيات لا تؤثر على جميع المصريين، الذين يواصلون الدفاع عن الحرية. وفي ميدان التحرير تنظم بصفة دورية مظاهرات، ينتقد أغلبها المجلس العسكري. ومثل هذا اليوم الذي اجتمع فيه المئات في ميدان التحرير مطالبين بـ"إسقاط حكم العسكر وابتعاده عن إصدار القوانين وتسليم السلطة بطريقة سلمية"، كما يقول لنا أحد المتظاهرين. "وهذا ما يجب عليهم فعله منذ البداية. لقد انتهينا من مبارك والآن جاءنا العسكر". كما ينتقد المتظاهرون حملات الاعتقال العشوائية والتعذيب في أقسام الشرطة حتى بعد مرور أكثر من ستة أشهر على إسقاط حسني مبارك. إحدى المتظاهرات الشابات تقول: "لا يوجد من يقف معنا لذلك سنتعامل مع ذلك بأنفسنا سننتزع حقوقناً. هناك أزمة ثقة كبيرة بين الشعب والحكام الحاليين. نريد فقط تأسيس دولة مدنية وترسيخ الديمقراطية".
العسكر يرضخ للشارع
مؤخراً هدد ناشطون وأحزاب بالامتناع عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، لأن قانون تنظيم الانتخابات يأتي لصالح أنصار نظام المخلوع حسني مبارك. والسلطة العسكرية الحالية رضخت لضغط الشارع معلنة إجراء بعض التعديلات على قانون الانتخابات. كما سيتم النظر في قانون "العزل السياسي" الذي يمنع أعضاء حزب مبارك السابق (الحزب الوطني) من الانخراط في العمل السياسي مستقبلاً. كما أنه أعلن إمكانية رفع حالة الطوارئ التي تعاني منها البلاد على مر العقود الثلاثة المنصرمة. إلا أن المجلس العسكري لم يعلن عن مواعيد محددة لتنفيذ هذه المطالب. وبالنسبة لشريف عبد العظيم فإن طريقة الاستجابة للمطالب ليست بالكافية. "لدينا رؤية لبلادنا ولا نسمح بتنفيذ التغييرات ببطء أو على مراحل. لا! نحن نريد انتخابات حرة ونزيهة".
إذاً هل فشلت الثورة المصرية؟ الباحث السياسي في الجامعة الأمريكية سامر سليمان يجيب على هذا السؤال بالنفي. وحسب تحليله فإن الثورة المصرية تقف على أولى عتباتها. ويضيف سليمان قائلا: "حسني مبارك رحل والحركات الثورية تعمل بنشاط. ينقصنا فقط بعض الوقت". إلا أن الباحث السياسي يعيب على الكثير من الناشطين عدم انخراطهم في العمل الحزبي. لكن شريف ليس كذلك، فقد انضم إلى حزب "مصر الحرية" يكون فاعلاً وليتمكن من المشاركة في بناء مصر، على حد تعبيره. فمصر، كما يرى، لم تصل بعد إلى ما يجب أن تصل إليه، إلا أن الحالة السياسية في البلاد تحسنت عن ذي قبل. "أريد الانخراط في السياسة، لأغير. فلا يكفي أن أكون مدوناً أو اكتب تعليقات على تويتر. علينا الانخراط أكثر في المجال السياسي والاجتماعي".
ديانا هودالي/ هبة الله إسماعيل
مراجعة: عماد غانم