ما أهمية دونباس التاريخية والاستراتيجية بالنسبة لروسيا؟
٢١ أبريل ٢٠٢٢حسب تصريحات الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، "بدأت المعركة حول دونباس". في بداية شهر أبريل/ نيسان سحبت روسيا قواتها بشكل مفاجئ من منطقة العاصمة كييف، من أجل التركيز على منطقة دونباس على ما يبدو. والهجوم على تلك المنطقة وشرق أوكرانيا كان متوقعا منذ أيام. ولكن لماذا كل هذا التركيز على دونباس؟
ما الذي يميز علاقة هذه المنطقة مع روسيا عن باقي مناطق أوكرانيا؟
منطقتا لوهانسك ودونيتسك الإداريتان تنتميان، مثل شبه جزيرة القرم، إلى مناطق أوكرانيا التي تعتبر فيها اللغة الروسية هي اللغة الأم لكثير من المواطنين. كما أن نسبة السكان ذوي الأصول الروسية أيضا عالية هنا مقارنة بالمناطق الأخرى. ونفس الشيء بالنسبة للمناطق المحاذية الأخرى: سابوريشتشيا وخاركيف وكذلك أوديسا، التي تقع على البحر الأسود. وتجدر الإشارة إلى أن من ينتمون للإثنية الروسية يشكلون أغلبية السكان في شبه جزيرة القرم فقط.
بعد "الثورة البرتقالية" وما أعقبها من انتخابات رئاسية عام 2004، وأحداث "يوروميدان" عام 2014، كانت المقاومة للتوجهات الغربية كبيرة في هذه المناطق، لكن ليس من قبل أغلبية السكان. لكن الميليشيات الروسية الانفصالية، التي يعتقد أنها تتلقى الدعم من موسكو، قاتلت من أجل السيطرة على جزء من المنطقة. وفي نفس الوقت استغلت روسيا فراغ السلطة في كييف، لاقتطاع شبه جزيرة القرم من أوكرانيا. "إنهما مثالان من كثير من الأمثلة التي توضح تصرف روسيا بموجب المبدأ القائل: الفرصة تخلق اللصوص"، يقول أندرياس هاينمان غرودر، الباحث الخبير بشؤون شرق أوروبا في مركز بون الدولي للحوار (BICC)، فلم تكن هناك خطة واسعة وراء ذلك.
الخلفية التاريخية للتطورات الراهنة
مناطق جنوب أوكرانيا الحالية المحاذية لروسيا، متأثرة بروسيا ووقعت تحت النفوذ الروسي في عهد روسيا القيصرية وكذلك الاتحاد السوفياتي، أكثر من المناطق الأخرى. ومنطقة دونباس كانت حتى منتصف القرن التاسع عشر منطقة شبه خالية من السكان. وبعد اكتشاف الفحم الحجري بكميات كبيرة أصبحت مركزا للثورة الصناعية في روسيا. "في هذه الفترة قمعت الإمبراطورية الروسية استخدام اللغة الأوكرانية، وأصبحت اللغة الروسية أكثر شيوعا في التعليم"، يقول المؤرخ غيدو هاوسمان، الباحث بمعهد "لايبنيتس" لأبحاث شرق وجنوب شرق أوروبا بجامعة ريغنسبورغ الألمانية. ويضيف "من ناحية أخرى تدفق الكثير من الفلاحين الروس على هذه المنطقة الصناعية الجديدة".
خلال فترة الاستقلال القصيرة عام 1918 لم تكن دونباس جزء من أوكرانيا. وخلال الحقبة السوفياتية انتقل المزيد من الروس للعيش هنا، وفي هذا السياق يشعر كثير من السكان بارتباطهم بروسيا أو حتى بالاتحاد السوفياتي، ويضيف المؤرخ هاوسمان موضحا "رغم ذلك يتكلم الناس في دونباس الأوكرانية أيضا والأغلبية مرتبطة بشكل أقوى بأوكرانيا".
أيضا الباحث السياسي هاينمان غرودر، يرى أن القول بأن الإثنية أو اللغة الأم تحدد الهوية الوطنية لسكان أوكرانيا غير صحيح، ويقول "حتى في بعض كتائب الجيش الأوكراني التي قاتلت ضد الانفصاليين في عامي 2015/2014 كانوا يتكلمون الروسية" وفي الوقت الحالي لم يعد الأمر كذلك، كما هو الحال بالنسبة لاستخدام اللغة الروسية، الذي تراجع كثيرا خلال السنوات الأخيرة. ويقول هاينمان غرودر "إذا كان هناك عامل ساهم في تكوين الأمة الأوكرانية، فإنه العدوان الروسي خلال السنوات الثماني الأخيرة" ويضيف بأن "القنابل الروسية وحدت الأوكرانيين".
هل هناك مطامع اقتصادية أيضا وراء الهجوم على شرق أوكرانيا؟
بعد الحرب العالمية الثانية كانت منطقة سيبيريا الصناعية أهم من دونباس بالنسبة إلى الاتحاد السوفياتي، أما بالنسبة لأوكرانيا فكانت دونباس أهم منطقة صناعية حتى عام 2014. لكن مع نشوب النزاع هناك تراجعت أهمية المنطقة وتم إهمال الكثير من مناجم الفحم. ومع اندلاع الحرب تم تدمير المزيد من المنشآت الصناعية والبنية التحتية.
بالنسبة لروسيا، فإن العامل الاقتصادي لم يكن حاسما للسيطرة على هذه المنطقة، يقول المؤرخ هاوسمان. لكن بالنسبة لاستقلال أوكرانيا الاقتصادي "فإن أحد الأهداف الرئيسية لحرب روسيا هو جعل أوكرانيا معتمدة دائما على روسيا سياسيا وثقافيا واقتصاديا أيضا".
أهمية دونباس من الناحية المعنوية والإيديولوجية
منذ ثماني سنوات هناك حرب في دونباس. في عام 2014 أعلن الانفصاليون المؤيدون لروسيا، "جمهورية شعبية" مستقلة في منطقتي لوهانسك ودونيتسك. وبعد فترة من المعارك بين الانفصاليين والجيش الأوكراني، تم التوصل بموجب اتفاقية مينسك الثانية عام 2015 إلى هدنة هشة وتحديد "خط تماس" يفصل بين المناطق التي تحت سيطرة أوكرانيا ومناطق سيطرة الانفصاليين المحاذية لروسيا.
في الـ 21 من فبراير/ شباط الماضي وقبل ثلاثة أيام من غزوها أوكرانيا، اعترفت روسيا رسميا "بجمهوريتي لوهانسك ودونيتسك الشعبيتين" و"عنت روسيا بذلك كل منطقة دونباس"، يقول هاينمان غرودر. والآن يجب أن تسيطر روسيا على كامل المنطقة لتنفيذ عملية الضم، التي حضرت لها من خلال اعترافها "بالجمهوريتين"، بحسب رأي هاينمان غرودر، الذي يضيف "وبهذا يمكنهم (الروس) إعلان النصر وربما إنهاء الحرب".
من ناحية أخرى تقاتل في هذه المناطق الأوكرانية مجموعات ذات توجه يميني قومي، وخاصة "فوج أزوف"، الذي ساعد عام 2014 في منع سيطرة الانفصاليين على مدينة ماريوبول. "مع النصر على هذه القوات يمكن لبوتين أن يعلن تنفيذ مهمة اجتثاث النازية المزعومة على الأقل في دونباس"، يوضح هاينمان غرودر. فالكرملين يدعي أن الأمر يتعلق بمحاربة النظام النازي في أوكرانيا. والسيطرة على مدينة ماريوبول التي أصبحت بعد أسابيع من الحصار رمزا للمقاومة الأوكرانية، ستكون نصرا رمزيا كبيرا.
ما هي الأهمية الاستراتيجية للمنطقة؟
"نتيجة الحرب في دونباس ستحدد ما سيتبقى من أوكرانيا"، بحسب رأي هاينمان عرودر. فمن خلال اقتطاعها شبه جزيرة القرم، لم تستعد روسيا السيطرة على ميناء وطني سابق كان مفخرة لأسطولها في البحر الأسود فقط، وإنما أصبح لديها من جديد بعد الحقبة السوفياتية، ميناء بحري لا تتجمد مياهه طوال العام وقريب من جزئها الأوروبي.
تجدر الإشارة إلى أن منطقة القرم لا تزال جيبا، تم ربطها لأول مرة مع روسيا عام 2018 من خلال جسر القرم فوق مضيق كريتش بين بحر أزوف والبحر الأسود. ومن خلال السيطرة على كامل منطقة دونباس ستنتزع روسيا ميناء مهما آخر من أوكرانيا وهو ميناء ماريوبول الذي سيربطها بشبه جزيرة القرم ومن ثم البحر المتوسط.
ويرى الباحث والخبير بشؤون شرق أوروبا، أندرياس هاينمان غرودر، أنه بحسب وضع الجيش الروسي وحركة الإمدادات يمكن لموسكو أن تحدد أهدافها التالية وخاصة المنطقة البرية التي تصل سواحل شبه جزيرة القرم. وهذا يمكن أن يفتح آفاقا عسكرية جديدة. "إذا رأى بوتين أن هناك فرصة للقضاء على أوكرانيا كدولة مستقلة، فإنه سينتهزها"، يعتقد هاينمان غرودر. وبالتالي فإن الحكومة الأوكرانية ستسأل نفسها "هل يجب علينا أن ندفع دونباس ثمنا لإنقاذ كييف؟".
يان فالتر/ عارف جابو