1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

لبنان بعد وقف دعم الأدوية.. حياة المرضى صراع من أجل البقاء

٥ ديسمبر ٢٠٢١

بعد انهيار الليرة اللبنانية ورفع الدعم جزئيا عن الأدوية، أصبحت حياة المواطنين وخاصة المرضى صراعا يوميا من أجل البقاء. إحدى المريضات تروي لـ DW عربية حكايتها التي هي نموذج لمعاناة الآلاف. وماذا يقول مختصون عن أزمة الدواء؟

https://p.dw.com/p/43nFM
الأدوية من شأنها العلاج وليس إذلال الناس في ظل الأزمة الاقتصادية في لبنان
الأدوية من شأنها العلاج وليس إذلال الناس في ظل الأزمة الاقتصادية في لبنانصورة من: Rami Alamin

 تضع السيدة نوال الشعّار (58 سنة) علب أدويتها باهظة الثمن، والتي بالكاد تعثر عليها في الصيدليات، أمامنا على الطاولة البلاستيكية في باحة بيتها في منطقة شحيم وتحكي لـDW عربية حكايتها المؤلمة. فقد خرجت للتو من تجربة مريرة مع مرض السرطان دامت لأكثر من عام ونصف العام، استنزفتها صحياً ونفسياً واقتصادياً مع عائلتها.

ولا تزال تداعيات "المعركة" ضد هذا المرض الخبيث تؤثر بشكل يومي على حياتها وحياة أسرتها، بعد ان رفعت الدولة اللبنانية ووزارة الصحة الدعم جزئياً عن معظم الأدوية الموجودة في السوق، فارتفعت الأسعار مع الانهيار الاقتصاديوتداعي العملة المحلية إلى حدود تصفها نوال بـ"المجنونة".

بسبب الضغط النفسي الذي عاشته في فترة علاجها من السرطان، وصف لها الطبيب دواء مضاداً للإكتئاب، وقد اعتادت عليه وهو يريحها بشكل كبير في ظلّ الأزمات التي تعيشها مع زوجها المتقاعد من عمله لدى قوى الأمن الداخلي، والذي لم يعد راتبه يكفي لدفع ثمن الأدوية وفاتورة المولّد الكهربائي، "أما الطعام، فصرنا نأكل ما يتوفر، نأكل فقط لكي نعيش"، تقول نوال بحسرة تضيف "لهذا قررت إيقاف دواء الاكتئاب". وقد اتخذت هذا القرار بنفسها من دون الرجوع إلى الطبيب مع معرفتها أنها ستعاني من آثار ذلك. فسعره الذي زاد أضعافاً مضاعفة، بات أكبر من طاقتها، ولأنها تبدّي الأكل والشرب وأساسيات العيش على الصحة النفسية، التي باتت ترفاً في لبنان.

نوال الشعار في حديث مع DW عربية
نوال الشعار بعد تغلبها على السرطان أصبحت عاجزة عن تأمين الأدوية التي تحتاجها بسبب ارتفاع الأسعار وانهيار الليرة اللبنانيةصورة من: Rami Alamin

في السابق كان زوج نوال يؤمن أدويتها وأدوية أمه الثمانينية العاجزة التي تعاني من آثار جلطتين بالدماغ من قوى الأمن الداخلي. لكن اليوم، باتت الأدوية مقطوعة حتى في المؤسسة العسكرية، فيضطر زوجها إلى دفع ثمن الأدوية من راتبه التقاعدي الذي تدهور مع انهيار العملة إلى أقل من ثمانين دولاراً في الشهر بعدما كان في السابق يعادل ألف دولار. وجاء رفع الدعم الجزئي عن الدواء ليقصم ظهر مئات آلاف العائلات اللبنانية التي انحدرت إلى ما دون خط الفقر.

أدوية أساسية بأسعار خيالية

وزارة الصحة اللبنانية بررت، عبر تصريحات للوزير فراس الأبيض لوكالة "رويترز" رفع الدعم بـ "الضرورة المالية" بعد  ازمة السيولة  التي يعاني منها مصرف لبنان المركزي، وقال أبيض إن رفع الدعم الجزئي سيؤدي إلى توفّر الأدوية، التي كانت تختفي لشهور بسبب الاحتكار والتخزين. وأضاف الأبيض أن "أشكالاً من الدعم لا تزال سارية على كثير من الأدوية، بينها الأدوية الأغلى سعراً والأكثر أهمية، ويمكن للمواطنين الحصول على بعض الأدوية مجاناً في مراكز الرعاية الصحية الأولية".

لإعطاء مثل عن حجم ارتفاع أسعار الأدوية في لبنان، واختلافه بين ما قبل رفع الدعم وبعده، يمكن المقارنة بين الأدوية المسكّنة وخافضات الحرارة التي كان سعرها بحدود 4 آلاف ليرة لبنانية قبل الأزمة ورفع الدعم، وصل سعرها إلى نحو 40 الف ليرة لبنانية بعد رفعه، اي زاد بنسبة عشرة أضعاف. أيضاً أدوية معالجة أمراض القلب كان بعضها بحدود 22 ألف ليرة، وصار اليوم يتجاوز 200 الف ليرة، وأحد أدوية الدهون ارتفع سعره من 44 ألف ليرة إلى 847 ألف ليرة (حوالي 35 دولاراً أميركياً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء). وطالت هذه الارتفاعات بالأسعار الكثير من أدوية الأمراض المزمنة وبينها أدوية السكري والضغط وأدوية الأعصاب، التي يضطر أصحابها إلى تناولها مدى الحياة.

مراقبة الأسعار هو جزء من دور جمعية حماية المستهلك اللبنانية، وهي جمعية خاصة تعنى بملاحقة التزوير والاحتكار والربح غير المشروع، وتسجّل الانتهاكات في تقارير دورية. يقول رئيس الجمعية الطبيب زهير برو لـDW عربية إن مشكلة ارتفاع اسعار الدواء في لبنان سابقة للأزمة الاقتصادية ولرفع الدعم، "إذ كان هناك دائماً تلاعب بالأسعار وتضخيم لها بالمقارنة مع دول المنشأ". ويتابع برو أن "الدعم لطالما كان موجوداً لخدمة تجار الأدوية وتسليعها وتحقيق الأرباح لهم على حساب  صحة الناس". فإنه كان "باباً للفساد والنهب والاحتكار وهو ما أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه". وجمعية حماية المستهلك قدمت تصوّرها للحل، وهو، بحسب برو يتلخص، بأن تقوم الدولة "إما باستيراد الأدوية مباشرة لقطع الطريق على الأرباح الهائلة التي يحققها التجار، وإما دعم قطاع صناعة الدواء واستيراد المواد الأولية لتصنيع الأدوية الأساسية في لبنان"، مشيراً إلى وجود "434 مادة تعتبر دواءً له فعالية، بحسب منظمة الصحة العالمية، من أصل أكثر من خمسة آلاف دواء موجود في الأسواق، ومعظم الأدوية تعتبر من المتممات الغذائية والأدوية التجارية". وبالتالي فإن دعم هذه الأدوية الأساسية دون غيرها، عبر تصنيعها أو استيرادها مباشرة وعدم اخضاعها للاحتكار، يمكن ان يحلّ مسألة الأسعار ويخفف من عبء المواطن اللبناني.

الصيدلانية سهير بلوط في حديث مع DW عربية
سهير بلوط: شراء المواطنين للأدوية التي توقعوا ارتفاع أسعارها وتخزينها بالإضافة لاحتكار التجار ساهم في تقاقم أزمة الدواءصورة من: Privat

أدوية أساسية تتجاوز أسعارها الحد الأدنى للأجور

وتقول مديرة إحدى الصيدليات في ضواحي بيروت سهير بلوط لـDW عربية إن العوامل المؤثرة في أزمة الدواء في لبنان عديدة، ومن بينها إقدام الكثير من اللبنانيين في فترة الأزمة وقبيل رفع الدعم عن الدواء، على جمع أدوية الأمراض المزمنة من صيدليات مختلفة، وتخزينها في البيوت استباقاً لرفع الدعم. هذا، بالإضافة إلى قيام بعض تجار الأدوية والصيدليات بتخزين الأدوية بغية احتكارها، أدى إلى انقطاعها من الاسواق.

وبعد رفع الدعم، أصبح المرضى يلعبون دور الأطباء من دون العودة إليهم، بحسب بلوط، وباتوا ما أن يروا سعر الدواء الجديد الذي يفوق قدرتهم على الدفع، يقررون  من دون مراجعة الطبيب الانتقال إلى دواء اخر سعره اقل: "هذا مؤسف. نرى هذا الامر كثيراً في أدوية السكري التي أصبحت أسعارها تتجاور الحد الأدنى للأجور (675 ألف ليرة- تعادل تقريباً ثلاثين دولاراً بحسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء). ونصادف مرضى آخرين قرروا أن يقننوا استخدام الدواء والاقتصاد في تناوله، فمن وصف له الطبيب ثلاث حبات في النهار يقرر من تلقاء نفسه تخفيض العدد إلى حبة واحدة حتى يكفيه الدواء مدة أطول". وتتأسف بلوط لأن هناك اشخاصاً اخرين قرروا التوقف عن تناول أدويتهم بشكل كلّي مع ما يترتب عليه من مخاطر على صحتهم وحياتهم: "يسألون عن سعر الدواء لكنهم يعدلون عن شرائه بسبب ارتفاع سعره، بتنا نرى الكثير من هذه النماذج بأم العين في الصيدلية".

نوال الشعار تضع علب الأدوية أمامها على الطاولة. تقول إن بعض هذه الأدوية المزمنة لن تعود لشرائها بعد أن تستهلكها. لا قدرة لها على دفع ثمنها، وإذا لم تؤمنها لها الدولة عبر مؤسسة قوى الأمن الداخلي التي ينتمي إليها زوجها، أو عبر جمعيات الرعاية الصحية المجانية، فإنها ستتوقف عن تناولها: "هذه الحال أصعب من السرطان"، تقول نوال، وفي صوتها الكثير الكثير من اليأس.

بيروت- رامي الأمين