1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

لامبيدوزا ـ أوروبا في فخ غياب ميثاق هجرة موحدة!

٢٢ سبتمبر ٢٠٢٣

أعادت أزمة اللاجئين في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية معضلة الهجرة في أوروبا إلى الواجهة وسط تنامي شعبية اليمين الشعبوي. ومرة أخرى يجد التكتل القاري نفسه ضحية انقساماته الداخلية وفق عدد من المعلقين الألمان والأوروبيين.

https://p.dw.com/p/4WfXq
الانقسامات بين الدول الأعضاء تمنع المصادقة على ميثاق أوروبي للهجرة
رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون ديرلاين ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجينا ميلوني (لامبيدوزا، 17 سبتمبر 2023)صورة من: Yara Nardi/REUTERS

في موجة هجرة غير مسبوقة، وصل ما لا يقل عن 120 ألف مهاجر في قوارب إلى إيطاليا منذ بداية العام الجاري، أي ما يقرب ضعف العدد المسجل في نفس الفترة من عام 2022 والذي بلغ 64 ألفا، وفقا لبيانات وزارة الداخلية الإيطالية. هذه الأرقام دقت ناقوس الإنذار في معظم العواصم الأوروبية وزادت من حدة وآنية ملف الهجرة في التكتل القاري كأولوية قصوى.

تظافرت عدة عوامل ساهمت في موجة الهجرة هذه، منها الطقس المعتدل حاليا وهدوء أمواج البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى تصاعد الاضطرابات في منطقة الساحل والصحراء وكذلك في تونس وليبيا والسودان. وتتزامن أزمة لامبيدوزا مع تصاعد اليمين الشعبوي في دول التكتل قبيل الانتخابات الأوروبية المقررة العام المقبل، بشكل باتت معه سياسة الهجرة محددا رئيسيا لاتجاهات الرأي العام. ويزيد عدد سكان لامبيدوزا قليلا عن ستة آلاف نسمة، على البحر المتوسط قبالة تونس وغير بعيد عن مالطا وصقلية، وهي أول ميناء يبلغه العديد من المهاجرين الساعين للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي.

صور تدفق اللاجئين بالآلاف استغلها اليمين المتشدد، معتبرا هذا التدفق مجرد مقدمة لما ينتظر أوروبا في المستقبل. صحيفة "لا فانغوارديا" الإسبانية (18 سبتمبر/ أيلول 2023) كتبت بشأن هذا الوضع معلقة "يبدو الأمر كما لو أن عدد سكان مدريد أو برشلونة، تضاعف في ما يزيد قليلا عن يوم واحد، ما يعني أن المدينتين ستنفجران بالمعنى الحرفي للكلمة، هذا ما يجب تصوره في لامبيدوزا (..) إنه تحدي لأوروبا وقيمها، وهو سؤال يهم كل واحد منا (...) إن قضية الهجرة، كما قالت منذ فترة (المستشارة أنغيلا) ميركل، سوف تهمنا في المستقبل أكثر من استقرار اليورو. إنهم (اللاجئون) ليسوا مشكلة، بل هم الحل. إن سنوات من انخفاض معدلات المواليد، والخسائر السكانية، والشيخوخة، ستعني أنه لا بد من فتح حواجز الاتحاد الأوروبي أمام العديد منهم. سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى 60 مليون مهاجر من أجل البقاء. وفي هذه النقطة كانت ميركل على حق".

 

ألمانيا ـ الهجرة تؤجج المد اليميني الشعبوي

أحداث لامبيدوزا لها تداعيات مباشرة على المشهد السياسي في ألمانيا، لأن فئة واسعة من المهاجرين الذين يصلون إيطاليا، يواصلون طريقهم بهدف الاستقرار والعيش في ألمانيا. الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير دعا كمعظم القادة السياسيين في البلاد إلى حل أوروبي لمشاكل الهجرة. وخلال زيارة له لمدينة سيراكوس الإيطالية بجزيرة صقلية حيث التقى نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، قال شتاينماير (20 سبتمبر) "لن تسير الأمور بدون قواعد أوروبية مشتركة"، مؤكدا أن العدد المتزايد للاجئين القادمين إلى إيطاليا وألمانيا أيضا، وصل بالبلديات إلى أقصى قدرة لها على التحمل. وأضاف الرئيس الألماني "لهذا السبب تزداد الحاجة إلى التوصل أخيرا إلى الحل الأوروبي المشترك وأن يدخل حيز التنفيذ".

مشهد من تدفق المهاجرين في لامبدوزا (18 سبتمبر 2023)
مشهد من تدفق المهاجرين في لامبدوزا (18 سبتمبر 2023)صورة من: Yara Nardi/REUTERS

من جهتها، طالبت رئيسة حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي، أليس فايدل، بفرض منع قوارب المهربين من العبور إلى أوروبا. وفي بيان قالت فايدل (21 سبتمبر) "يتعين على أوروبا حماية نفسها من خلال فرض حصار على البحر المتوسط عن طريق قوات مشتركة تهدف حصريا إلى حماية سيادة القانون ووقف موجة الهجرة غير الشرعية".

وفي هذا الصدد كتبت صحيفة "تاغس أنتسايغر" السويسرية الناطقة بالألمانية (19 سبتمبر/أيلول 2023) معلقة  "ليس فقط لامبيدوزا، ولكن أيضًا البلديات الألمانية توجد في حالة إرهاق وتواجه عدم فهم السكان (..) يجب أن تكون جميع الأطراف مهتمة بالتوصل إلى حل. ولا يمكن للاتحاد الأوروبي ودول شنغن أن ينظموا الهجرة إلا بالتعاون مع بعضهما البعض".

 

تعثر المساعي الأوروبية لبلورة ميثاق للهجرة

يسعى القادة الأوروبيون لبلورة سياسة هجرة موحدة عبر  ميثاق جديد، غير أن المراقبين يرون أن تحقيق هذا الهدف لا يزال صعب المنال، لأن موضوع الهجرة يسبب انقسامات كثيرة بين الدول الأعضاء. وينص اقتراح تسوية سبق وأن قدمته السويد، على تضامن أوروبي إلزامي و"مرن" في الوقت نفسه، بحيث تلتزم كل الدول الأعضاء باستقبال عدد معين من طالبي اللجوء الذين يصلون إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي المعرضة لضغط الهجرة أو ما يسمى "إعادة التوطين"، أو إذا لم ترغب في ذلك، تقدم مساهمة مالية لهذا البلد. ويهدف هذا الاقتراح إلى خلق توازن بين الدول الأوروبية المتوسطية التي يتدفق إليها المهاجرون ودول مثل المجر أو بولندا التي ترفض فرض طالبي اللجوء عليها. تسريبات دبلوماسية كشفت أن المناقشات تتعلق بتعويض مالي يبلغ حوالى 20 ألف يورو لكل طالب لجوء لم يتم نقله.

غير أن تبني ميثاق للهجرة لا يزال متعثرا، وحتى إن تم التوقيع على اتفاق لتوزيع طالبي اللجوء، فإن صيغة التسوية أضعفت جوهر النص كثيرا، على نحو سيجعله بدون تأثير يذكر، ولا سيما إمكانية دفع شكل من أشكال الغرامة بدلا من استقبال اللاجئين. وفي انتظار الموافقة على الميثاق الجديد، تبنى البرلمان الأوروبي قراراً في منتصف تموز/ يوليو لزيادة موارد فرونتكس المخصصة لعمليات الإنقاذ. وبهذا الشأن كتبت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية معلقة (18 سبتمبر/أيلول 2023) "لقد حان الوقت لكي يجتمع الأوروبيون ويعتمدون أخيرًا ميثاقًا جديدًا للهجرة. بالإضافة إلى التعاون الضروري مع بلدان المنشأ والعبور، فإن حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي تشكل تحدياً كبيراً. هذا هو السبيل الوحيد لضمان حرية التنقل داخل الاتحاد، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للأوروبيين. ومما لا شك فيه أن قضية الهجرة سوف تبرز كواحدة من القضايا المركزية في الانتخابات الأوروبية، لأنها تقلق أوروبا بأكملها". وذهبت صحيفة "لوموند الفرنسية" (19 سبتمبر) في نفس الاتجاه وكتبت "إن رئيسة المفوضية الأوروبية محقة عندما تقول إن "مسألة الهجرة غير الشرعية تتطلب حلاً أوروبياً”. (...) لم تعد أوروبا قادرة على الانتظار".

بين إفريقيا وأوروبا ـ تونس على فوهة بركان

قبل شهرين تقريبا وقفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى جانب رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني في  تونس وقدمتا الاتفاقية بين هذا البلد والتكتل القاري، اتفاق يهدف أيضا لإنقاذ تونس من الانهيار وفي الوقت نفسه دفعها لضبط حدودها البحرية وبالتالي حركة الهجرة نحو أوروبا وإيطاليا تحديدا. وتواجه تونس أسوأ أزمة تدفق مهاجرين يصل معظمهم عبر الحدود البرية من الجزائر. وبعد أزمة لامبيدوزا وضغوط الاتحاد الأوروبي، ذكرت رويترز نقلا عن مسؤولي الحرس الوطني التونسي (20 سبتمبر) أن خفر السواحل اعترض أكثر من 2.500 مهاجر واعتقل العشرات من مهربي البشر، بعد حملة واسعة النطاق بمنطقة صفاقس الساحلية، وهي نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين باتجاه السواحل الايطالية.

وذكر الحرس الوطني التونسي أنه ألقى القبض على 62 مهربا للبشر فضلا عن احتجاز وتدمير عشرات القوارب في إطار هذه الحملة. وأضاف أيضا أن قوات الأمن منعت نحو 1.900 مهاجر من دول إفريقيا جنوب الصحراء من دخول تونس عبر الحدود مع الجزائر.

وبهذا الصدد كتبت "تاغس أنتسايغر" (19 سبتمبر/أيلول 2023) محذرة "هناك اتفاق مع تونس أبرمته أورسولا فون دير لاين خلال الصيف مع الهولندي مارك روتي والإيطالية جورجيا ميلوني. مقابل الأموال الكثيرة التي تتلقاها تونس، من المفترض أن تمنع قوارب المهاجرين من المغادرة إلى أوروبا. غير أن الاتفاق مع الرئيس التونسي المستبد، غير أخلاقي بالمرة. ومع ذلك، لا يستطيع الاتحاد الأوروبي اختيار شركائه في الجوار (..) لكن لا ينبغي لبروكسل أن تكون ساذجة، يجب ألا تدفع الأموال إلا إذا كانت هناك شروط صارمة".

 

بين مطالب تونس وشروط أوروبا

تطالب تونس بمرونة أكبر من قبل التكتل القاري بشأن الهجرة الشرعية للتونسيين، بعدما فرضت أوروبا مزيدا من القيود على إجراءات الحصول على التأشيرات، لا سيما إلى الدول التي تمثل وجهات رئيسية للتونسيين مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا. غير أن الوضع الحقوقي في بلاد الرئيس قيس سعيد يشهد تدهورا مطردا، رئيس ابتعد عن الآمال الديموقراطية التي أتى بها الربيع التونسي. صحيفة "راينشه بوست" الألمانية (18 سبتمبر/أيلول 2023)  كتبت معلقة "لقد حولت تونس نفسها إلى دولة استبدادية تدفع شبابها للهروب من البلاد، وهذا النوع من الأنظمة في إفريقيا آخذ في الازدياد. إن الكوارث المناخية المتزايدة بسرعة في إفريقيا تقابلها بنية تحتية غير مجهزة تدفع المزيد من الناس إلى التفكير في الفرار إلى الشمال. وعلى الرغم من كل الجهود التي تبذلها أوروبا، فإن حركة اللاجئين، التي وصلت إلى مستويات قياسية كل عام، لم تتراجع، بل تنمو بشكل أسرع مع تنامي الاضطهاد السياسي، والمزيد من الحروب والتهديدات المناخية".

صحيفة "دي فولكس كرانت" الهولندية كتبت معلقة (18 سبتمبر) "الاتفاق المبدئي مع تونس، الذي وصلت إليه فون دير لاين في يوليو برفقة ميلوني ورئيس الوزراء الهولندي مارك روتي لم يؤد حتى الآن بأي حال من الأحوال إلى انخفاض عدد المهاجرين. ومع ذلك، يبدو أن فون دير لاين وميلوني ما زالتا تعتبران ذلك بمثابة الخلاص وأصرتا على تنفيذ الاتفاقية. وهذا يعني أن خفر السواحل التونسي يجب أن يكون مجهزًا بشكل أفضل بقوارب جديدة لاعتراض حركة المرور غير النظامية".

ح.ز