قانون الجرائم الإلكترونية بالأردن في مرمى سهام الانتقادات
٣٠ أغسطس ٢٠٢٣على وقع مصادقة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مؤخراً على قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في البلاد، كان هشام الذي لم يرغب في الكشف عن هويته، ينوي إبداء رأيه في التشريع عبر منصات التواصل الاجتماعي.
بيد أن خشيته من تعرضه لعقوبات شديدة في إطار القانون الذي يعاقب أي شخص يرسل أو ينشر بيانات تنطوي على "أخبار كاذبة أو خطاب كراهية أو تقويض للوحدة الوطنية أو تحقير أو تروج للأعمال الإباحية" عبر الإنترنت، لم يجد هشام، الناشط في مجتمع الميم، مناصاً سوى عدم مشاركة مخاوفه حيال القانون عبر الإنترنت.
ويرى مراقبون ونشطاء حقوق الإنسان أن التشريع الجديد بكتب نهاية لحرية التعبير على الإنترنت في الأردن التي نالت تصنيف "غير حرة" في وقت سابق من العام الجاري من قبل منظمة "فريدوم هاوس" ومقرها الولايات المتحدة.
وفي مقابلة مع DW، قالت لورينا ستيلا مارتيني، الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ECFR، إن "صياغة قانون الجرائم الإلكترونية الجديد بهذا الشكل الغامض مبعث قلق بالغ لأنه يمكن تفسير العديد من المواد بطرق مختلفة".
في المقابل، دافع رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة عن مشروع القانون في جلسة برلمانية في يوليو/تموز الماضي، مشيراً إلى زيادة الجرائم عبر الإنترنت من خلال انتهاك الخصوصية بمقدار ستة أمثال. وشدد على ان القانون "لا يمس أو ينتقص من جوهر الحريات المنصوص عليها في الدستور الأردني على الإطلاق”.
وقبل إقرار القانون، كانت 14 منظمة حقوقية أبرزها "هيومن رايتس ووتش" و"أكسس ناو" و"أرتيكل 19" و"مركز الخليج لحقوق الإنسان"، قد دعت العاهل الأردني في رسالة مفتوحة إلى "مراجعة مشروع القانون لأنه "سيزيد من تقويض حرية التعبير عبر الإنترنت ويهدد حق مستخدمي الإنترنت في عدم الكشف عن هويتهم بما في ذلك إدخال سلطة جديدة للسيطرة على منصات التواصل الاجتماعي وهو الأمر الذي من شأنه أن يمهد الطريق أمام زيادة مقلقة في وتيرة الرقابة على الإنترنت".
وأعربت المنظمات عن قلقها بشكل خاص حيال المواد 12 و13 و14 من القانون. وتحظر المادة 12 استخدام "شبكة خاصة افتراضية" (VPN): يعرض نفسه للعقوبة "كل من تحايل على العنوان البروتوكولي باستخدام عنوان وهمي أو عنوان عائد للغير أو بأي وسيلة أخرى، بقصد ارتكاب جريمة أو الحيلولة دون اكتشافها ربما باستخدام الشبكات الخاصة الافتراضية ومتصفح إخفاء الهوية". وهما من أكثر الوسائل الآمنة التي تلجأ إليها الأصوات المعارضة والمنتقدة في جميع أنحاء العالم.
"تجريم" لنشاط مجتمع الميم
وفي مقابلة مع DW، قالت رشا يونس، الباحثة البارزة في برنامج حقوق المثليين في هيومن رايتس ووتش، إن القانون يضع المواطنين بين خيارين إما "الحفاظ على هويتهم آمنة أو التعبير بحرية عن آرائهم".
وتعاقب المادتان الثالثة عشر والرابعة عشر من القانون نشر أو إعادة نشر "المحتوى الإباحي" والمحتوى "الذي يشجع أو يحرض أو يساعد على نشر الفسق" بالسجن لمدة ستة أشهر على الأقل وفرض غرامات كبيرة.
وأضافت لورينا مارتيني أن القانون الجديد "يجرم بشكل فعلي نشاط مجتمع الميم الأردني عبر الإنترنت مع تداعيات واسعة النطاق على حياتهم خارج العالم الافتراضي".
ولم تتوقف الانتقادات على المنظمات الحقوقية بل امتدت إلى الدول؛ إذ انتقدت الولايات المتحدة التشريع حيث حذر الناطق باسم خارجيتها فيدانت باتيل في تموز/يوليو الماضي من أن "القانون بتعريفاته ومفاهيمه الغامضة أن يقوض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي في الأردن". وأضاف أن التشريع "يقلل من الحيز المدني المتاح أمام عمل الصحافيين والمدونين وغيرهم من أفراد المجتمع المدني في الأردن".
وكانت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قد أقرت في منتصف أغسطس/آب بحاجة الدول إلى اتخاذ خطوات لمكافحة الجريمة السيبرانية" لكنها شددت على أن "حماية الأمن وضمان الحريات عبر الإنترنت يجب أن تعامل كأهداف تكميلية." واضافت المتحدّثة باسم مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان ليز ثروسل "تتزايد مخاوفنا بشأن القانون نظراً لتزايد الترهيب والمضايقة واعتقال النشطاء وسط تقلص الفضاء المدني في الأردن. تم استخدام قانون الجرائم الإلكترونية السابق لعام 2015، والذي يحل محله هذا التشريع، لاعتقال العديد من نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين بتهم (التشهير)".
تسريع في إقرار التشريع
وفي خضم الجدل الذي أثاره التشريع قبل إقراره، لم يقدم مجلس النواب أو العاهل الأردني على الدعوة إلى مناقشة عامة؛ إذ جرت الموافقة على مشروع القانون في وقت قياسي لم يتجاوز الشهرين.
وفي ذلك، قالت مارتيني إن غياب أي "نقاش عام حول القانون يحمل في طياته موافقة ضمنية على المسار المتخذ عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير في البلاد".
ويتفق في هذا الرأي إدموند راتك، رئيس مكتب "مؤسسة كونراد أديناور" الألمانية في الأردن، المقربة من الحزب المسيحي الديمقراطي، قائلاً: "لا أحد يعرف السبب وراء التعجيل بإقرار القانون في مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة ومن دون إجراء حوار مع المجتمع المدني". واعتبر في مقابلة مع DW معظم مواد القانون "معقولة تماماً لأنها تحدد بشكل صارم أفعال وعقوبات سوف يتعرض لها القراصنة أو سارقي الصور أو الأشخاص الذين يُقدمون على أعمال تنطوي على ابتزاز أو تحريض أو احتيال عبر الإنترنت".
ورغم ذلك، أقر بأن القانون يثير إشكاليات تتجاوز صلاحيات المواد الثانية عشر والثالثة عشر والرابعة عشر؛ إذ يشعر بالقلق من أن التشريع الجديد لا يحصر المسؤولية على المنشورات التي ينشرها الفرد على منصات التواصل الاجتماعي بل يمتد ذلك إلى التعليقات التي يكتبها رواد التواصل الاجتماعي.
وفي هذا السياق، قال إدموند راتكا إن "المدعي العام يمكن أن يوجه اتهامات دون تقديم شكوى..هذه قد تكون وسيلة يمكت أن تستخدمها الدولة لاتخاذ إجراءات ضد المعارضين، ولكن حتى الآن، لا أحد يعرف ما إذا كانت الدولة ستفعل ذلك أم لا؟".
"مفارقة"
يشار إلى أن الأردن قد اتخذ خلال العامين الماضيين خطوات تعزز مشاركة الشباب في العملية السياسية خاصة في إطار قانون انتخابي جديد وقانون جديد للأحزاب.
وفي ذلك، قال إدموند راتك، رئيس مكتب "مؤسسة كونراد أديناور" الألمانية في الأردن، المقربة من الحزب المسيحي الديمقراطي: "من المفارقة الاعتقاد بأنه يمكن تشجيع الشباب على وجه الخصوص للمشاركة في الحياة السياسية فيما يتم في الوقت نفسه الحد من حرية التعبير على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي".
ويرى إدموند راتكا أن الانتخابات البرلمانية الأردنية المقبلة المقررة عام 2025 تعد "اختباراً حقيقياً للصحوة السياسية في الأردن"، مضيفاً "إذا لم يتم تعديل قانون الجرائم الإلكترونية، فقد يتم استخدامه ضد الحملات الانتخابية التي ستُجرى عبر الإنترنت لأن القانون يصعب من تنظيم الحملات الانتخابية في العالم الافتراضي".
جنيفر هوليس / م. ع