1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هل تقوّض أنقرة حلم القاهرة في سوق الطاقة؟

٢٤ فبراير ٢٠١٨

شكل الاتفاق على تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر مفاجأة في سوق الطاقة الشرق متوسطي التي تريد مصر أن تصبح اللاعب الأهم فيه. هل تنجح القاهرة في ذلك على ضوء الميزات التي تتمتع بها مقارنة بتركيا الطامحة بدورها للعب هذه الدور؟

https://p.dw.com/p/2tEa8
Mittelmeer Israel Bohrplattform Gasfeld Tamar
صورة من: picture-alliance/dpa/Albatross Aerial Photography

مفاجأة مصرية إسرائيلية من العيار الثقيل زفها رئيس الوزراء الإٍسرائيلي بنيامين نتنياهو بنشوة غير معهودة. المفاجأة هذه تتمثل بتوقيع اتفاق ضخم بين الجانب الإسرائيلي وشركة دولفينوس المصرية الخاصة لتصدير 64 مليار متر مكعب من غاز إسرائيل إلى مصر بقيمة 15 مليار دولار على مدى السنوات العشر القادمة. وجاء هذا الاتفاق في وقت يشتد فيه النزاع بين لبنان وإسرائيل من جهة وتركيا وقبرص من جهة أخرى حول حقوق استغلال مكامن الغاز الواقعة قبالة الساحلين اللبناني والقبرصي. نتنياهو وصف الاتفاقية مع الجانب المصري بأنها تاريخية واعتبرها "يوم عيد" لبلاده بسبب المليارات التي ستضخها إلى الميزانية الإسرائيلية والتي ستنعكس إيجابياً على مستوى معيشة الإسرائيليين.

أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فقال بأن الصفقة مكنت مصر من "إحراز هدف" على طريق تحولها إلى "مركز إقليمي للطاقة في منطقة شرق البحر المتوسط" حسب قوله. وقد فسر مراقبون ذلك بأنه إشارة إلى تركيا التي كانت المرشح الأول لاستقبال الغاز الإسرائيلي بدلاً من مصر. وتقع الحقول الإسرائيلية وسط المنطقة التي تذهب تقديرات إلى أنها تعوم على بحيرة من الغاز الطبيعي باحتياطات تصل إلى أكثر من 120 تريليون قدم مكعبة. ومما يعنيه ذلك أن هذه الاحتياطات تزيد على الاحتياطات المقدرة في روسيا وإيران وقطر والولايات المتحدة الأمريكية مجتمعة.

ميزات في صالح مصر

منذ اكتشاف حقل "ظهر" المصري للغاز وحقول أخرى تابعة لمصر في البحر المتوسط تكرر القيادة المصرية مقولة تحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة على أساس استيراد الغاز من الدول المجاورة ومعالجته وتخزينه إما للاستهلاك المحلي أو لإعادة التصدير إلى أوروبا وأفريقيا ومناطق أخرى. ويبدو أن حلم الرئيس السيسي بهذا المركز بدأ بالتحقق مع عبور الغاز الإسرائيلي إلى مصر. أما فرصة مصر في التحول إلى مركز كهذا فتبدو الأقوى مقارنة بتركيا ودول أخرى ليس فقط بسبب قناة السويس والموقع الجغرافي الحيوي بين القارات، بل أيضا لميزات سياسية واقتصادية عديدة في منطقة مليئة بالنزاعات الجيوسياسية. فيما يتعلق بالشأن السياسي يقول خبير الطاقة مصطفى البزركان في مقابلة مع DW عربية أن مصر وقبل كل شيء لديها اتفاقية سلام مع إسرائيل وكلاهما حليف لأوروبا التي تسعى لتنويع أكبر في واردات الغاز بهدف تقليص اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية.

على الصعيد الاقتصادي يحقق نقل الغاز الإسرائيلي وعلى الأرجح القبرصي واليوناني لاحقاً إلى مصر الجدوى الاقتصادية الأعلى للبلدان المعنية والتي تقدر قيمتها بالمليارات سنوياً لكل طرف. فمصر حسب الخبير البزركان تمتلك في دمياط وقرب الإسكندرية منصتين كبيرتين عاليتي الجدوى لتسييل الغاز. ومثل هاتين المنصتين غير متوفر، لا في إسرائيل ولا في الدول الأخرى القريبة منها. وبحكم وجود خط أنابيب لنقل الغاز بين مصر وإسرائيل من جهة وقرب دمياط والإسكندرية من حقول النفط المكتشفة في مياه مصر قبرص واليونان، فإن ذلك يعني أن نقل غاز المتوسط التابع لهذه البلدان بالسفن أو عبر أنابيب من أجل تسييله وبيعه في مصر أقل تكلفة. ويعود السبب في ذلك إلى أن مد خطوط أنابيب طويلة في قاع البحر من إسرائيل أو قبرص أو اليونان إلى القارة الأوروبية وبناء محطات تسييل يكلفها الكثير من المليارات التي يمكنها توفيرها عن طريق الاعتماد على مصر. وعلى هذا الأساس لا يستبعد الخبير البزركان أيضاً احتمال لجوء لبنان إلى مصر أيضاً من أجل تسييل غازه وبيعه. 

أي دور لتركيا؟

لكن رغم الميزات التي تتمتع بها مصر، أليست تركيا الطامحة بدورها إلى لعب مركز إقليمي للطاقة أكثر حظاً؟ تشير المعطيات الحالية بالفعل إلى أن فرصة تركيا فعلياً أضعف لأسباب عديدة. ويأتي في مقدمة هذه الأسباب خلافاتها السياسية المستمرة مع جاراتها وفي المقدمة قبرص واليونان. وحتى علاقاتها مع إسرائيل لا تبدو حالياً على ما يرام بعكس مصر التي تجمعها علاقات طيبة أو عادية مع هذه الدول. وعلى خلاف مصر لا يوجد في تركيا حتى الآن اكتشافات غازية أو نفطية تشكل أساس نشوء مركز كهذا. وهنا يشير الخبير البزركان إلى سبب تاريخي لا يعرفه الكثيرون. ويعود هذا السبب إلى أنه لا يحق لتركيا بموجب اتفاقية لوزان لعام 1923 التنقيب عن النفط قبل مرور 100 مائة سنة على مرورها، أي حتى عام 2023. الجدير ذكره أن الاتفاقية وزعت تركة السلطة العثمانية أو تركة "الرجل المريض" بين الدول العظمى آنذاك وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا.

غير أن تركيا المحرومة حتى الآن من منابع النفط والغاز تستطيع بحكم موقعها الجغرافي الحيوي أن تكون مركزاً لنقل الطاقة من روسيا والعراق وإيران وغيرها للاستهلاك المحلي والتصدير. وعلى هذا الأساس اتفقت مع روسيا على بناء خط أنابيب لنقل الغاز عبر قاع البحر الأسود إليها ومنها إلى جنوب أوروبا لاحقاً حسب الخطط الموضوعة. على صعيد متصل يمكن لأنقرة أن تعرقل أو تفرمل مشروع تحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة من خلال محاولات منع قبرص من استغلال حقولها الغازية. وهو الأمر الذي ظهر من خلال معارضتها لاتفاقية مصرية قبرصية يونانية لترسيم الحدود البحرية بينها. وقبل أيام قامت سفن حربية تركية بمنع شركة استأجرتها شركة الطاقة الإيطالية "ايني" من التوجه إلى جنوب شرق لارنكا القبرصية للتنقيب عن الغاز على أساس أنها منطقة متنازع عليها. وإذا كانت مصر نجحت في استقطاب فوائض الغاز الإسرائيلي فليس من الواضح بعد ما إذا كانت ستنجح باستقطاب الغاز القبرصي واليوناني على ضوء الخلافات المتزايدة مع أنقرة، ثم ماذا بالنسبة للغاز اللبناني والسوري المكتشف أيضاً بكميات ضخمة قبالة سواحل البلدين، أليس من الأجدى لهما التوجه شمالاً صوب تركيا لتسويقه إلى الخارج؟

فرصة لإنهاء الحرب في سوريا؟

تعج منطقة شرق المتوسط بمشاكل سياسية ونزاعات جيوسياسية كثيرة وخطيرة. غير أن المصالح الاقتصادية المرتبطة باستغلال مكامن الغاز الضخمة هناك تشكل أيضاً فرصة للتخفيف من حدة هذه النزاعات أو غالبيتها في حال الاتفاق على المنافع بشكل يرضي إلى حد مقبول مختلف الأطراف المعنية. السؤال هل يتعلم هؤلاء من تجربة عصر النفط المريرة التي شهدت عشرات الحروب المدمرة من أجل الفوز بحقول الذهب الأسود؟ معظم الخبراء يؤكد أن عصر الغاز بدأ وأن من أسباب الحرب السورية الطاحنة أيضاً محاولة للسيطرة على أحد أوسع أبوابه انطلاقاً من شرق المتوسط. السؤال المطروح، ألا يعني استغلال حقول الغاز هناك فرصة لوقف هذه الحرب وبدء صفحة جديدة؟

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد