سقوط مبارك واهتزاز عرش الأسد عَجَّلا بالمصالحة الفلسطينية
٢٩ أبريل ٢٠١١منذ سنوات توجد عملياً حكومتان فلسطينيتان، الأولى حكومة فتح في الضفة والثانية حكومة حماس في قطاع غزة، وهذا التقسيم كان إحدى نتائج الخلافات والانشقاقات العميقة. لكن يبدو أن رياح التغيير التي هبت على العالم العربي واقتلعت حتى الآن نظامين من أنظمته، نظام بن علي في تونس ونظام مبارك في مصر، وصلت الآن إلى الأراضي الفلسطينية، بعد أن فشلت الكثير من محاولات المصالحة العربية في التقريب بين الإخوة الأعداء. وفي ضوء هذه الظروف الإقليمية تم الإعلان يوم الأربعاء بشكل مفاجئ عن اتفاق مصالحة برعاية مصر، يفتح الباب أمام تشكيل حكومة مؤقتة قبل إجراء انتخابات خلال عام.
التوقيت والتغييرات في المنطقة
الاتفاق يأتي إذن بعد تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك، الذي لعب نظامه الدور الأكبر في الملف الفلسطيني داخلياً وخارجياً. لكن المحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل يرى أن "على الرغم من أن حسني مبارك لعب دوراً سلبياً إلى حد ما في تحقيق المصالحة نظراً لطبيعة علاقات بلاده بإسرائيل، إلا أن الموقف (دور مبارك) لا يرقى إلى تحديد قرار كبير مثل المصالحة الداخلية". ويشير عوكل إلى أن تطلعات حركة حماس من الثورة المصرية كانت أكبر مما ينبغي. "كانت حماس تعول على نظام جديد في مصر، خصوصاً وأنه بات للإخوان المسلمين دور أكبر في الحياة السياسية المصرية، يقوم بفك الحصار عن غزة وفتح المعبر. لكن النتائج جاءت على غير هذه التوقعات".
وفي الوقت الذي يشير فيه عوكل في حديث إلى دويتشه فيله إلى أن توقيت الاتفاق جاء لعوامل داخلية في المقام الأول تتعلق بأن "الرئيس الفلسطيني عباس تنتهي ولايته في سبتمبر القادم ويريد تحقيق المصالحة بأي ثمن"، يرى المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان أن هناك عوامل خارجية تتمثل بالاحتجاجات التي تشهدها سوريا. ويضيف نيسان في حديث إلى دويتشه فيله بالقول: "إن الاتفاق يأتي انعكاساً للتغييرات الجارية في العالم العربي، وبشكل خاص في سوريا. فحماس ترى أن المأوى الذي قدمته سوريا لها بات مهدداً، وبشكل خاص وضع خالد مشعل، بعد أن بات مستقبل نظام بشار الأسد على شفير هاوية".
مخاوف إسرائيلية من سيطرة حماس على الضفة
وفيما سارع الطرفان إلى الترحيب بهذا الاتفاق، "الذي يطوي صفحة انقسام الشعب الفلسطيني ويضعه على أعتاب مرحلة جديدة"، أعلنت إسرائيل علي لسان وزير خارجيتها افيغدور ليبرمان أنها ستلجأ إلى "ترسانة كبيرة من الإجراءات" الانتقامية ضد السلطة الفلسطينية، معتبراً أن الاتفاق يعد تخطياً لـ"خط أحمر". عن خلفيات هذا الموقف الإسرائيلي الرافض لاتفاق المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية يقول المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان إن المشكلة تكمن بالنسبة لإسرائيل في موقف حماس من دولة إسرائيل، فهي تهدد في أكثر من مناسبة بالقضاء عليها.
ويضيف نيسان قائلاً: "إن السلطة الفلسطينية أبرمت تفاهمات واتفاقات مع إسرائيل، وهذه الاتفاقيات تقضي بالاعتراف بدولة إسرائيل. لكن حماس لا تعترف بهذه الاتفاقيات المبرمة بين السلطة وإسرائيل. وعلى الرغم من توقيع اتفاق المصالحة ما زالت حماس تقول إنها لن تعترف بدولة إسرائيل". والرفض الإسرائيلي لا يتوقف على موقف حماس من الاعتراف بإسرائيل، بل يمتد أيضاً إلى "التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، الذي أتى بشكل خاص ضد حركة حماس. وهذا التنسيق بين الجانبين طالماً كان مدعاة لانتقادات قادة حماس، كما يقول نيسان. كما أن إسرائيل تتخوف من أن تستغل حماس هذا الاتفاق "في فرض سيطرتها على الضفة الغربية ومدنها، كما حصل في قطاع غزة"، بحسب الخبير الإسرائيلي.
الانقسام يعطل الدور الأوروبي
في الوقت الذي أعلن فيه الاتحاد الأوروبي أنه "يدرس تفاصيل" اتفاق المصالحة، سارعت ألمانيا إلى التأكيد على أن الاعتراف بإسرائيل شرط لقبولها حماس شريكة في الحوار. إذ أن الحكومة الألمانية تنظر إلى الاتفاق بتشكك، وفي هذا السياق قال وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله إن "حماس لا يمكن أن تصبح شريكة في الحوار بالنسبة لألمانيا طالما أنها تشكك في حق إسرائيل في الوجود. هذا سيظل مبدأ بالنسبة لنا".
من جانبه يرى عوكل أن على أوروبا أن تدعم هذا الاتفاق، "كما كان موقفها من انتخابات عام 2006، التي حظيت بمباركة أوروبية وأمريكية. وهذا الدعم يأتي متماشياً مع التوجهات التي نلمسها لدى بعض الدول الأوروبية للاعتراف بدولة فلسطينية". ويضيف المحلل السياسي الفلسطيني قائلاً: "مصلحة أوروبا تتمثل في وحدة الحال الفلسطيني، لأن بقاء الانقسام يعطل الدور الأوروبي في حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ويقدم مبرراً لإسرائيل للاعتراض على دور أوروبا في عملية السلام".
استحالة تطبيق الاتفاق
أما نيسان فيرى أن هذا "الاتفاق سيجعل الدول الأوروبية أمام خيار صعب في تعاملها مع أي حكومة فلسطينية جديدة تنبثق عنه وتكون حماس مشاركة فيها، لأن حركة حماس لن تقبل بشروط الرباعية الدولية المتضمنة الاعتراف بدولة إسرائيل". وبحسب الخبير الإسرائيلي فإن هذا سيقود إلى "عزل هذا الكيان الجديد ووقف الدعم الأوروبي للسلطة الفلسطينية، على غرار مطالبات بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي بوقف جميع المساعدات إلى السلطة الفلسطينية في حال كون حماس جزءا من أي حكومة فلسطينية قادمة".
ويعتقد الخبير الإسرائيلي أنه من المستحيل تطبيق هذا الاتفاق على أرض الواقع، ليس للموقف الدولي منه، بل وللتناقضات الكثيرة التي تكتنف موقف طرفيه من مستقبل عملية السلام ومن التزامات السلطة الفلسطينية مع إسرائيل.
عماد م. غانم
مراجعة: عبده جميل المخلافي