1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: تحديات الاقتصاد المصري والنمو المستدام في عام 2022

١٧ يناير ٢٠٢٢

تنمو قطاعات اقتصادية مصرية بقوة تخفف من نسبة البطالة، غير أن نقاط ضعف كثيرة كارتفاع الأسعار والمديونية العالية والعراقيل الكثيرة في وجه القطاع الخاص تطرح تحديات كبيرة أمامه، فيما يلي نظرة على هذه التحديات وأهمية تجاوزها.

https://p.dw.com/p/45bwq
ازدحام مألوف في أسواق المدينة القديمة في القاهرة
أسواق القاهرة الشعبية تغص بالمتسوقين بسبب أسعارها المعتدلة مقارنة مع المولات الحديثةصورة من: picture alliance/zb/M. Tödt

رغم استمرار جائحة كورونا وتبعاتها حقق الاقتصاد المصري خلال العام المنصرم نسبة نمو وصلت إلى 3,3 بالمائة حسب توقعات مؤسسة التجارة والاستثمار الألمانية. وذهب كل من صندوق النقد الدولي وصندوق النقد العربي إلى توقع نسبة نمو زادت على 5 بالمائة. وبالنسبة للعام الجاري 2022 فإن توقعات وزارة التخطيط والتنمية المصرية تذهب إلى القول بأن نسبة النمو ستكون بحدود 5,6 بالمائة، في حين تتوقع المؤسسة الألمانية المذكورة أعلاه نسبة نمو بحدود 5,2 بالمائة.

تعكس نسب النمو هذه تأثير أكثر من عامل بشكل إيجابيعلى التطورات الاقتصادية في مصر. ومن أبرزها الاستمرار في تطوير وتوسيع صناعة الغاز واستخراجه وتصديره كغاز مسال إلى الأسواق الأوروبية والخارجية الأخرى بأسعار زادت على الضعف مقارنة بأسعار عام 2020.

سخاء غربي في تقديم القروض!

في سياق متصل استمرت الحكومة في تحديث البنية التحتية وتوسيعها بمشاريع ضخمة في مجالات البنية التحتية والإنتاجين الصناعي والزراعي. ومن بينها مشاريع السكك الحديدية والطاقة الكهربائية والمياه والإسكان والبتروكيماويات. وقد خصصت الدولة لها عشرات مليارات الدولارات من خلال ضمانات واستثمارات خاصة وقروض أجنبية. وهنا يتم الاعتماد بشكل متزايد على القروض التي يقدمها صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الغربية الأخرى بسخاء لمصر، رغم الانتقادات الغربية للرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته في مجال حقوق الإنسان والتعددية السياسية والحريات.

ويساعد على هذا السخاء سياسات التيسير النقدي التي تتبعها البنوك المركزية الرئيسية مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي، ما يجعل الفوائد منخفضة وخدمة الديون أقل تكلفة. ومع استقرار الجنيه المصري وارتفاع نسبة الفائدة التي تقدمها البنوك المصرية وعوائد الاستثمار العالية في السندات الحكومية الخاصة بمشاريعها، تدفقت استثمارات من الخارج بحدود 6 مليارات دولار خلال العام الماضي شكلت 15 بالمائة من مجمل الاستثمارات المتدفقة إلى القارة الأفريقية.

تصور توضيحي لقطار سيمنس السريع الذي يمكن أن يدخل إلى الخدمة في مصر
بعد مساهمتها في تحديث قطاع الكهرباء تدخل شركة سيمنس الألمانية بقوة ميدان تحديث القطارات في مصرصورة من: Siemens AG/dpa/picture alliance

زيادة الصادرات وتحسن السياحة

ومن العوامل الأخرى التي عززت النمو زيادة إيرادات القطاعين الزراعي والصناعي من صادرات الحديد والاسمنت والألمنيوم والبلاستيك والخضار والحمضيات، بفعل زيادة الطلب المحلي والعالمي عليها. كما توجه ما بين 5 إلى 6 ملايين سائح أجنبي إلى مصر خلال العام المنصرم بعد أضرار جسيمة لحقت بالسياحة المصرية قبل ذلك. ويعزز استئناف الرحلات السياحية الروسية إلى مصر قدوم المزيد من السياح والتدفقات المالية إلى الخزينة المصرية.

الفقر وخطره على النمو المستدام

مما لا شك فيه أن معدلات النمو الجيدة خففت من تبعات جائحة كورونا وخفّضت البطالة بنسبة لا تقل عن 2 إلى 3 بالمائة، غير أن نسبة المصريين تحت خط الفقر لا تزال عالية بحدود 30 بالمائة. وهو الأمر الذي يشكل عامل خطر على نمو مستدام وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي. ويزيد من خطورته الضغوط التضخمية المتزايدة محليا وعالميا منذ أواخر الصيف الماضي.

صورة من الأقصر حيث يتدفق ملايين السياح سنويا
السياحة في مصر قطاع أساسي وانتعاشها يساهم بشكل رئيسي في حل مشكلة البطالة في صفوف الشبابصورة من: DW

ويدل على ذلك ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وفي مقدمتها الحبوب والزيوت بمعدلات عالية في إطار معدل تضخم وصل إلى 6 بالمائة خلال الشهرين الماضيين. ومن شأن معدلات كهذه جعل الفقراء أكثر فقرا وإضعاف القوة الشرائية للفئات محدودة الدخل والطبقة الوسطى التي فقدت الكثير من مكانتها خلال السنوات العشر الماضية. ومن تبعات ذلك جعل الوضع السياسي أقل استقرارا ومناخ الاستثمار أقل جاذبية. وهو أمر ينبغي مواجهته بكل السبل الممكنة، لأن ارتدادات زعزعة الاستقرار في بلد يزيد عدد سكانه على 100 مليون نسمة كمصر لا تطال بقوة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحسب، بل والقارة الأوروبية كذلك.

خطر الوقوع في فخ الديون الخارجية

وإضافة إلى الضغوط التضخمية التي يعززها ارتفاع معدلات التضخم العالمي الذي نشهده حاليا بشكل غير مسبوق حتى في البلدان الصناعية الرئيسية كالولايات المتحدة وألمانيا واليابان، فإن عجز الميزان التجاري المصري لا يزال متفاقما. ويدل على ذلك أن حجم الصادرات لا يزال أقل من نصف حجم الواردات على مدى السنوات الأربع الماضية. وتزيد قيمة معدل العجز السنوي على 30 مليار دولار يتم تعويض قسم منها من خلال عائدات قناة السويس وتحويلات المغتربين والقروض الخارجية. ومما لا شك فيه أن الاعتماد المتزايد على هذه سيزيد العجز ويرفع حجم المديونية الخارجية الذي يزيد حاليا على 130 مقابل 100 مليار دولار عام 2018. مقابل ذلك فإن الاحتياطات الأجنبية من العملات الصعبة ما تزال متوسطة الحجم وهي تتراوح بين 38 إلى 42 مليار دولار. 

الجنية المصري مرتبط بالدولار الأمريكي وتوفير احتياطات كبيرة من الأخير مهم جدا لاستقرار العملة المصرية
مجمل الاحتياطات الأجنبية من العملات الصعبة في مصر ما تزال دون مستوى المبلغ المطلوب لتمويل الواردات السنويةصورة من: picture-alliance/F. El-Geziry

تجعل سياسات التيسير الكمي للبنوك المركزية الرئيسية في العالم وانخفاض معدلات الفوائد على القروض، الاقتراض من الخارج أكثر جاذبية. وبالنسبة إلى مصر ما تزال خدمة الديون الخارجية تحت السيطرة مقارنة بحجم الناتج المحلي الاجمالي ومعدل النمو الجيد. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا لو أدمنت البلاد على القروض ووصلت خدمة الديون إلى نقطة تصعب معها السيطرة على خدمتها كما حصل في تركيا مؤخرا؟

أهمية أموال القطاع الخاص للمشروعات الوطنية

وهكذا فإن سياسة الاعتماد على القروض الخارجية ينبغي أن تكون أكثر حذرا في المستقبل لصالح تشجيع القطاع الخاص المصري على استثمار أمواله في مشاريع الدولة وممارسة مختلف أشكال النشاط الاقتصادي فيها، بما في ذلك المشروعات الكبيرة التي تساهم في تحديث البنية التحتية. ومن المفارقات هنا أن الحكومة المصرية تؤكد في مختلف المناسبات على ضرورة تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد من 30 إلى 50 بالمائة خلال سنوات قليلة، غير أن سياسات العراقيل المتبعة تجاهه حتى الآن لا تسمح بذلك. وهنا يطرح السؤال التالي نفسه، كيف للقطاع المذكور أن يساهم في 50 بالمائة إذا بقي نشاطه خارج القطاعات الرئيسية؟ 

ابراهيم محمد: الخبير في الشؤون الاقتصادية في مؤسسة دويتشه فيله الألمانية
ابراهيم محمد: مصر ينبغي أن تكون أكثر حذرا من الاقتراض الخارجيصورة من: DW/P.Henriksen

وتبدو العراقيل التي تواجه القطاع الخاص في نشاطه ليست بالأمر السهل. ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر حصول شركات القطاع العام والشركات التابعة للجيش على امتيازات وإعفاءات تجعل المنافسة المتكافئة معها غير ممكنة. وعلى ضوء ذلك يطالب رجل الأعمال المصري المعروف نجيب ساويرس بأن بحصر دور الدولة في تنظيم شؤون الاقتصاد وليس في تملك مؤسساته وأنشطته. وقال ساويرس في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية بأن "الشركات المملوكة للحكومة أو التابعة للجيش لا تدفع ضرائب أو جمارك ما يجعل المنافسة غير عادلة مع شركات ومؤسسات القطاع الخاص". كما أن ذلك حسب ساويرس يخيف المستثمرين بشكل عام والأجانب بشكل خاص، ويقول: "أنا نفسي لا أتقدم بعروض عندما تكون هناك شركات حكومية في الساحة، لأن هذه الأخيرة لا تكون متكافئة".

وهكذا فإن تحقيق التنافسية المتكافئة بين مؤسسات الدولة والجيش من جهة ومؤسسات القطاع الخاص من جهة أخرى هو أيضا من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري في المستقبل المنظور. وتزداد أهمية ذلك على توجه البنوك المركزية الرئيسية في الغرب إلى التوقف عن سياسات التيسير النقدي ورفع أسعار الفائدة. وهو الأمر الذي سيجعل خدمة القروض أعلى تكلفة أيضا على الخزينة المصرية التي قد تضطر إلى مزيد من الاقتراض لخدمة الديون القديمة وليس لتمويل مشروعات جديدة. 

ابراهيم محمد