1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

بسبب الشيخوخة.. ألمانيا تبحث عن بدائل للروابط الأسرية

هيلين وايتل
١٦ فبراير ٢٠٢٤

مع ارتفاع نسبة الشيخوخة داخل المجتمع الألماني، تخطط الحكومة لتقديم آلية جديدة لمساعدة أفراد المجتمع على تحمل المسؤولية تجاه بعضهم البعض. لكن السؤال، هل تنجح بفضل ذلك في مواجهة مشاكل الشيخوخة والعيش الإنفرادي؟

https://p.dw.com/p/4cRB0
مبادرة لجميعة "أصدقاء كبار السن" تقوم بحملة  ضد الشعور بالوحدة بين كبار السن، برلين، 14 فبراير/ شباط 2023
أكثر من 30 بالمئة من الأشخاص الذين تجاوزوا سن 65 في ألمانيا يعيشون بمفردهم، هل يغير القانون الجديد من ذلك؟صورة من: Britta Pedersen/dpa/picture alliance

طرأت الكثير من التغيرات على حياة الألمان وعلاقاتهم الرومانسية وروابطهم الأسرية بشكل عام، بيد أن قضية الاعتناء بكبار السن والأطفال مازالت تثير القلق رغم وجود الكثير من دور الرعاية سواء للأطفال أو للمسنين.

يأتي ذلك فيما يقول واحد من كل أربعة أشخاص في ألمانيا إنه يشعر بالوحدة كونه يعيش بمفرده. وفي محاولة لحل الأزمة، تمت الموافقة على قانون "مجتمع تحمّل المسؤولية/ Verantwortungsgemeinschaft" الذي وصفه وزير العدل ماركو بوشمان بأنه يرتقي لأن يكون "أكبر إصلاح لقانون الأسرة منذ عقود".  ويرمي القانون إلى توفير آلية قانونية جديدة تمكن مجموعات مكونة من شخصين إلى ستة أشخاص من تحمل المسؤولية القانونية عن بعضهم البعض خاصة في حالات الطوارئ الطبية. وقال الوزير إن القانون يحمل في طياته "قيمة رمزية مضافة"، مضيفا بأن "كل شخص يدخل في نطاقه سوف يمنح  الروابط الاجتماعية  اسما ذا دلالة إيجابية".

التجربة أفضل معلم

وترى أندريا نيويرلا، عالمة الاجتماع والمتخصصة في أنماط العلاقات الاجتماعية، إن العلاقات الرومانسية الحديثة لا توفر "مساحة أمان كافية"، مضيفة أنه مع تقدم أعمار الكثير من سكان ألمانيا، فإن هناك حاجة إلى إعادة النظر في أشكال التعايش بين الناس وفي الروابط المجتمعية.

وفي مقابلة مع DW، قالت إن هذا يتضمن "عدم اقتصار الأمر على نموذج العلاقات الرومانسية"، مضيفة "عندما نريد القيام بشيء ما بشكل جماعي كمجموعة، لا أعرف أي مفهوم لذلك داخل المجتمع الحديث. نحن بحاجة إلى حوافز لأفراد المجتمع للتعايش معا بما يتجاوز العلاقات الرومانسية".

وفي هذا الصدد، أشارت نيويرلا إلى نموذج "العائلة المختارة" بين أفراد مجتمع الميم نتيجة للرفض من قبل عائلاتهم عقب الإعلان عن ميولهم الجنسية، قائلة: "علينا أن نكون مبدعين ونحن في حاجة إلى حوافز من الدولة لتمكيننا من تجربة مثل هذه الأشكال المختلفة". وقالت "يجب إعطاء القانون مساحة حرة حتى يمكن لأفراد المجتمع تجربة أشكال جديدة من  المعايشة والترابط المجتمعي  بطريقة تعترف بها الدولة وتكون محمية من القانون [مثل العلاقات الزوجية]".

وزير العدل الألماني ماركو بوشمان خلال جلسة للحكومة الألمانية، 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
قال وزير العدل ماركو بوشمان إن القانون الجديد يعد "أكبر إصلاح لقانون الأسرة منذ عقود"، لكن العبرة ستكون في التطبيقصورة من: ODD ANDERSEN/AFP

بعض التشكيك

وتقول الحكومة إن القانون سوف يساعد في تحسين معيشة كبار السن والآباء الذين يعيشون بمفردهم، لكن في المقابل يشكك نشطاء في مدى قدرة التشريع على تحسين معيشة هذه الفئات في المجتمع الألماني. وفي مقابلة مع DW، قالت ريجينا جورنر، رئيسة الرابطة الوطنية الألمانية لمنظمات كبار السن، إنها لا ترى أن القانون الجديد سوف "يحسن حياة كبار السن بشكل كبير". وأضافت "هناك آليات قائمة بالفعل مثل منظومة "مقدمي الرعاية الصحية" وهي تتسم بكونها أقل بيروقراطية وتوفر الكثير من الوقت".

وبحسب التقديرات، فإنه من المرجح أن يتضاعف  عدد كبار السن  الذين يعيشون بمفردهم في ألمانيا، فقد ذكر المعهد العلمي لرابطة شركات التأمين الصحي الخاصة أنه في عام 2022 كان 32 بالمئة من الأشخاص الذين تجاوز سن 65 في الاتحاد الأوروبي يعيشون بمفردهم فيما بلغت النسبة في ألمانيا 34 بالمئة. وعلى وقع هذه التقديرات، فإن أكثر من خمسة ملايين شخص سيكونون في حاجة إلى الرعاية في ألمانيا بحلول عام 2030، فيما سيرتفع العدد إلى 7.25 مليون بحلول عام 2050.

على ضوء ذلك تقول جورنر إنها تفضل بدلا من سن قانون جديد، إصلاح قانون الرعاية/  Pflegezeitgesetz الذي يُمكّن أفراد الأسرة المقربون من الحصول على إجازة مدفوعة الأجر من العمل لرعاية قريب أو قريبة في حالة المرض.

وتتفق مع هذا الرأي ايدي ثيمان، العضوة في مؤسسة "التاغسهيلدينن/ Alltagsheld:innen" التي تدافع عن حقوق الوالدين الذين يعيشون بمفردهم ، قائلة: "يحتاج الآباء الوحيدون إلى أشياء مختلفة تماما حتى يتمكنوا من تحسين وضعهم. (هذا القانون) هو عرض لم يطلبه أحد".

في سياق متصل أفاد معهد الاقتصاد الألماني بأن نسبة الأطفال الذين يُولودن لآباء غير متزوجين بلغت الآن قرابة 33 بالمئة ما يشكل ارتفاع عن نسبة عام 1998 التي بلغت 20 بالمئة. وقال المعهد إن معدل الطلاق بلغ 33.9 بالمئة عام 2021. وتشعر ايدي ثيمان بالقلق من أن الأشخاص الذين تربطهم علاقات رومانسية، لكنهم لا يريدون أن يتزوجوا بشكل قانوني يمكنهم استخدام الآلية القانونية الجديدة كبديل للزواج، ولكن مع حماية قانونية أقل. وقالت إن "الأمهات اللواتي ما زلن يتحملن عبء الرعاية الأكبر سوف يكنّ بعد ذلك في وضع أسوأ بكثير مما لو كن  متزوجات، غير أن الحكومة أكدت أن الأمر لن يشتمل على مزايا ضريبية في إطار الإصلاح، لكنها في نفس الوقت لم تستبعد عيوبا ضريبية".

أشخاص من كبار السن في ألمانيا في سكن مشترك أثناء تحضير طعام الغداء، 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2003
يسعى العديد من كبار السن في ألمانيا إلى تعزيز الروابط مع بعضهم البعض من خلال السكن المشتركصورة من: picture alliance/dpa

"تسهيل تعدد الزوجات"

وانضم إلى حملة الانتقادات ضد القانون الحزب الديمقراطي المسيحي المعارض الذي ينتمي إلى طيف يمين الوسط وحزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي اليميني. وقال المتحدث باسم الشؤون القانونية في الحزب الديمقراطي المسيحي، غونتر كرينجز، إن القانون الجديد يمكن أن تفتح الباب الخلفي أمام تعدد الزوجات، مضيفا  "لن يتمكن أحد من الوقوف على طبيعة العلاقات بين الأشخاص في ضوء هذا القانون".

 ويمنع القانون الألماني تعدد الزوجات، لكن قد يتم الاعتراف به في بعض الحالات إذا كان مبرما بشكل قانوني خارج البلاد. الجدير بالذكر أن الدستور الالماني أو ما يُعرف بـ "القانون الأساسي" يوفر حماية للزواج والأسرة. وأكدت الحكومة أن القانون الجديد يستهدف الأشخاص الذين تربطهم علاقات غير رومانسية، لاسيما كبار السن منهم. كما نفت الزعم بأن التشريع يفتح الباب الخلفي للزواج لعدم تضمنه أي مزايا ضريبية.

حلول واقعية

وقالت عالمة الاجتماع أندريا نيويرلا إن القانون قد يحمل في طياته إيجابيات، لكنها تشعر بالقلق بسبب المناخ السياسي في اوروبا، مضيفة "ترفض الأصوات الشعبوية اليمينية المفاهيم الحياتية الجديدة. هذه الأصوات تعرقل حياة الأشخاص الذين يريدون العيش في ظل تنوع. ليس فقط فيما يتعلق بالعلاقات الرومانسية وإنما كافة أشكال التنوع الأخرى".

وأضافت "تصب فكرة الأسرة الصغيرة في صالح الدولة ومبادئ الرأسمالية بسبب أنها تحمي أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقوم بها النساء في معظم الأحيان. وهذا يعد عنصرا أساسيا لحيوية المجتمع بما يدعم ايضا اقتصاد السوق". الجدير بالذكر أن الحزب الديمقراطي الحر قد اقترح قانونا مماثلا عام 2020، لكنه كان يتضمن طرقا جديدة لمعالجة القضايا المالية مثل الميراث. وفي ذلك، قالت نيويرلا أن المقترحات الحالية "لا تلبي كافة الطموحات"، مضيفة: "أسأل نفسي لماذا هذا الخوف الكبير من  الأشكال الجديدة للمعايشة. آمل أن يدرك الناس أنه لا شيء سوف يُؤخذ منهم، بل على العكس سوف يمنحون مزايا".

 

 أعده للعربية: محمد فرحان