1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"المأوى النظيف" يجمع إسرائيليين وفلسطينيين في برلين

١٧ مارس ٢٠٢٤

في ظل الوضع الإنساني الكارثي في غزة، هناك نقص في كل شيء، حتى المراحيض! إسرائيلية وفلسطينية في ألمانيا أطلقتا مبادرة للمساعدة بتوفير مراحيض وخيام وللتأكيد على أن الحوار ممكن.

https://p.dw.com/p/4dXzr
بعض من المشاركين في ورشة الحوار بين إسرائيليين وفلسطينيين في برلين: صبا أبو دقة، وتوم كيلنر، وغالي بلاي
بعض من المشاركين في ورشة الحوار بين إسرائيليين وفلسطينيين في برلين: صبا أبو دقة، وتوم كيلنر، وغالي بلايصورة من: Slieman Halabi

لا تتعدى مساحة مقصورة المرحاض متراً مربعاً. الجدران والأسقف من البلاستيك. متر مربع من الخصوصية في مكان يتكدس فيه آلاف الأشخاص فوق بعضهم البعض. المكان هو منطقة المواصي التي أعلنها الجيش الإسرائيلي "منطقة آمنة" لنزوح المدنيين إليها، ولكن دون أن يوفر لهم ما يلزم من بنية تحتية.

"والداي وأصدقائي ومعارفي موجودون في المواصي. سألت جميع معارفي عن أكثر ما يحتاجه النازحون، وكانت الإجابة: المراحيض والحمامات والخيام. وعندما سألتني توم إذا كان بإمكانهم المساعدة، أجبت بنعم". تقول صبا أبو دقة، وهي فلسطينية من قطاع غزة. وتوم كيلنر يهودية إسرائيلية من حيفا. واليوم تعيش السيدتان في ألمانيا، صبا أبو دقة في ميونيخ، وتوم كيلنر في برلين. ولم يكن من الممكن أن تلتقيا أبداً في إسرائيل وغزة، ولكن ألمانيا جعلت ذلك ممكناً.

أحد المراحيض من مشروع "المأوى النظيف"
أحد المراحيض من مشروع "المأوى النظيف"صورة من: Clean Shelter

مراحيض وخيام

أرسلت توم كيلنر وصبا أبو دقة نداءات للتبرع للأصدقاء والمعارف والأقارب في إسرائيل والأراضي الفلسطينية وألمانيا وفي جميع أنحاء العالم. واستغلت صبا أبو دقة شبكة معارفها في غزة لتوفير المواد اللازمة ولبناء مرافق الصرف الصحي والخيام. لأنه كان واضحا منذ البداية: لن يكون العمل ممكناً إلا بما هو متاح في قطاع غزة؛ إذ أن الجيش الإسرائيلي فرض قيوداً تجعل من الصعوبة حتى على منظمات الإغاثة الكبرى الدخول للشريط الساحلي والعمل هناك.

وتبلغ تكلفة المرحاض الواحد ما بين 200 و500 يورو. ومنذ إطلاق مشروع "المأوى النظيف" في يناير/كانون الثاني، تم بناء 28 مرحاضاً، بعضها مزود بدش، بالإضافة إلى 30 خيمة تتسع كل منها لعشرة أشخاص.

نيران الحرب تصل أوروبا

تعارفت السيدتان من خلال مشروع حوار بين إسرائيليين وفلسطينيين يعيشون في أوروبا. داومت المرأتان على مدار أسابيع على اللقاء عبر الفضاء الافتراضي، وقد التقيا قبل مدة للمرة الأولى في ورشة عمل في برلين. أطلق سليمان حلبي، وهو دكتور في علم النفس الاجتماعي، مبادرة الحوار. ويقول الفلسطيني الحامل للجنسية الإسرائيلية ويعيش الآن مثل صبا أبو دقة في ميونيخ: "بالأخص في أوقات الحرب، نشعر بالوحدة الشديدة هنا في أوروبا".

تلقى سليمان الحلبي تدريباً على الحوار في قرية "واحة السلام" (باللغة العبرية: نيفي شالوم)، الواقعة بين تل أبيب والقدس. هدف "مدرسة السلام" الواقعة في القرية  تسهيل اللقاءات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. "نحن لا نحاول إيجاد حل فوري للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولكننا نعتقد أنه من أجل إيجاد حل، يجب على المرء أن يفهم وجهة نظر الآخر".

 في أول جولة حوار لمدرسة السلام خارج إسرائيل، شارك فلسطينيون من غزة وسوريا والضفة الغربية والتقوا بإسرائيليين يهود. وكان هذا فقط ممكناً لوجودهم جميعاً في أوروبا.

سليمان حلبي وغالي بلاي
سليمان حلبي وغالي بلايصورة من: Sarah Hofmann/DW

صدمة هجوم حماس

كانت فكرة تأسيس مجموعة من "الإسرائيليين والفلسطينيين المقيمين في الخارج" تدور في خلد سليمان حلبي منذ فترة طويلة، وحدد موعد اللقاء الأول الافتراضي في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023. ولم يكن يخطر ببال المشاركين الـ 17 أن اللقاء سيكون بعد يوم من هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل.

يتذكر سليمان حلبي ذلك اليوم: "لم يكن بوسعي أن أفعل شيئاً سوى الجلوس ومتابعة الأخبار والجنون".

وتساءل العديد ممن تلقوا دعوة لحضور الاجتماع عما إذا كان ينبغي عليهم إلغاء اللقاء برمته. لكن سليمان حلبي بالتأكيد لم يكن يريد ذلك: "قلت لهم: من فضلكم تعالوا. علينا أن نتحدث، خاصة في هذا الوقت". وفي اليوم التالي شارك الجميع في اللقاء الافتراضي.

وكان من بينهم المشاركين غالي بلاي. تعيش عائلة ابنة عم غالي بلاي في بئيري، أحد الكيبوتسات التي ارتكب فيها الإرهابيون أسوأ الفظائع. وتتذكر غالي بلاي قائلة: "آنذاك لم أستطع أفهم حتى حجم الأمر، كنت في حالة صدمة. كان الجميع في حالة صدمة". وعلمت فيما بعد أن بعض أقاربها قد قُتلوا.

ومع ذلك - أو لهذا السبب على وجه التحديد - فكرت أيضاً في الناس في غزة. "كنت أخشى أن يكون رد الفعل من الجانب الإسرائيلي قاسياً للغاية. وكنت أعتقد أن العديد من المدنيين في غزة سيتأثرون برد الفعل ذلك".

وهو ما حدث بالفعل، بعد أيام من السابع من أكتوبر، بدأت القوات الإسرائليلية في ضربات جوية على غزة وهجوم بري ووفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس، فقد قتل أكثر من 30 ألف شخص في غزة. كما تحذر الأمم المتحدة من أن قطاع غزة يواجه خطر المجاعة.

ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

العناق في ورشة الحوار في برلين
العناق في ورشة الحوار في برلينصورة من: Slieman Halabi

تعلم التحدث مع بعضنا البعض

"في بداية كل مجموعة حوار، نقرر القواعد المشتركة للحوار والحديث مع بعضنا البعض. لا أحد يريد أن يتعرض للإهانة أو الأذى. القاعدة الأكثر أهمية: استمعوا لبعضكم البعض. على سبيل المثال، تساءل بعض الفلسطينيين: ما الذي يدور في ذهن جندي إسرائيلي يقصف غزة؟"، يقول سليمان حلبي.

مواضيع حساسة تكون في بعض الأحيان عاطفية للغاية. في لقاء برلين كان هناك الكثير من البكاء، ولكن أيضاً الكثير من العناق، كما يؤكد كل من سليمان حلبي وغالي بلاي.

"كان الأمر كما لو كنا نعيش في واقع آخر، في عالم مليء بالحب والاحترام" تقول بلاي. وتؤكد أنه أمر ضروري في أوروبا وخاصة ألمانيا، حيث يتحول أي حوار حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بسرعة إلى حوار مسموم مليء بالاتهامات المتبادلة، منها اتهام معاداة السامية الذي يستخدم في رأي حفيدة أحد الناجيين من الهولوكوست، بشكل مبالغ فيه. 

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن شيئاً ما "يجب أن يتغير"، يقول سليمان حلبي، ويتابع: "لقد نشأ الفلسطينيون والإسرائيليون على كراهية بعضهم البعض، وتم تنشئتهم اجتماعياً من خلال الخوف. لكنني رأيت الناس يتغيرون بعد المواجهات". ويشرح أن هدف مجموعة الحوار هو "إحداث التغيير من الأسفل، لتشجيع الناس على المشاركة والتحول إلى نشطاء".

وبالفعل تحولت صبا أبو دقة وتوم كيلنر وغالي بلاي إلى ناشطات. وأطلقت غالي بلاي صفحة لـ"المأوى النظيف" على شبكة الإنترنت.

المرافق الصحية لا توفر مجرد متر مربع من الخصوصية، بل قد تنقذ البعض من الموت: لقد حذرت منظمات الإغاثة منذ فترة طويلة من الأمراض الناجمة عن نقص النظافة في قطاع غزة، بسبب نقص مياه الشرب والغسيل.

ولا تعرف المجموعة المدة التي ستبقى فيها الخيام والمراحيض في المواصي. وأعلن الجيش الإسرائيلي منذ فترة أنه يخطط لهجوم بري في رفح جنوب قطاع غزة. تأثير الهجوم المحتمل على المواصي غير واضح بعد، لكن صبا أبو دقة تعلق: "على الأقل نفعل شيئاً ، بدلاً من مجرد المشاهدة بيأس والسماح للآخرين بأن يكونوا هم الفاعلين وحدهم في الساحة".

أعده للعربية: خ.س