البرامج الرمضانية المحلية في عيون المغاربة
٢٥ أغسطس ٢٠١١شارف شهر رمضان على نهايته، ولا تزال الأسر المغربية تجتمع عند كل إفطار حول الموائد الرمضانية لمتابعة ما تبثه القناتان المغربيتان الأولى والثانية من برامج فكاهية. فالمغاربة يعتبرون هذا الشهر فرصة من أجل التعرف على إعلامهم المحلي الذي يهجرونه خلال السنة بأكملها ويتحولون عنه للقنوات العربية الأخرى.
وفي هذا الصدد توضح سلوى أنه بسبب هذه الدراما الفكاهية التي تسخر من المشاهد ولا تقدم له الفن الذي يبحث عنه، تتوجه نسبة كبيرة منهم إلى القنوات العربية الأخرى، وتقول سلوى بتذمر: "تقدم هذه القنوات سلسلات تضحك الأطفال فقط، وبوصلات إعلانية تتجاوز الزمن القانوني المعمول به".
واحتجاجا على هذه البرامج التي أسالت مداد العديد من الصحفيين، أنشأ عدد من الشباب المغاربة مجموعة على الفيسبوك تحت اسم "فالشوهة مامفرجينش"، وتهدف هذه المجموعة التي تضم نحو 5000 عضوا إلى التعبير عن غضب المغاربة من هذه البرامج التي يصفها أصحاب المجموعة بـ "برامج هابطة ومستفزة وتافهة"، إذ تقول إحدى المشاركات بالمجموعة: "يوم أمس تعرضت لجميع أنواع التعسف السمعي البصري، عندما قررت مشاهدة تلك البرامج بدون انقطاع، وأنا الآن متأزمة نفسيا" ويعتبر أحد المنضمين إلى المجموعة أن هذه القنوات الممولة من طرف الشعب يجب عليها احترام ذوق المشاهد، وبذل مجهود من أجل إرضائه.
ميزانية ضخمة مقابل منتوج "هابط"
ومن جانبها، كشفت مصادر من القناة الثانية أن الميزانية المالية للإنتاج الدرامي الخاص بهذه القناة خلال سنة 2011 بلغت أكثر من 500 ألف يورو، فيما تجاوزت ميزانية القناة الأولى 360 ألف يورو، وهذا ما يثير حفيظة المشاهدين الذين عبر العديد منهم عبر الصحافة الوطنية والإنترنت عن استيائهم من استغلال أموال الشعب في تمويل برامج تسيء إلى ذوق المغاربة، الأمر الذي أكده رشيد خريج المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي الذي أوضح أن أغلب الانتقادات توجه إلى النصوص التي يغيب عنها الانسجام والإبداع مضيفاً أن بعض الممثلين يعمدون إلى الارتجال، ما يفقد النص الإبداعي أي إمكانية للترابط والتكامل.
كما يفسر رشيد الذي يدرس النقد الفني بفرنسا أن القائمين على الكاميرا الخفية لم يفقهوا بعد أن الهدف منها هو إبلاغ رسالة أخلاقية وإنسانية وليس استغلال لحظات الضعف الإنساني من أجل إضحاك الجمهور، واسترسل كذلك أنه يمكن تقديم مسلسلات جادة في شهر رمضان وليس بالضرورة مسلسلات تثير غضب الجمهور، لاسيما وأنه توجد بالمغرب أوجه فنية جيدة أثبتت نفسها أمام المسلسلات السورية والخليجية وحتى المصرية، عندما أعطيت لها الفرصة المناسبة على حد تعبير رشيد.
"الممثلين تحولوا إلى مهرجين"
ويقول المحجوب أفريات، صحافي متتبع للشأن الفني بجريدة أخبار اليوم المغربية، إنه بعد مرور سنوات على إنتاج هذه السلسلات الفكاهية، تظل أغلبها فاشلة باستثناء تجارب قليلة، مما يفسر التذمر العام للمغاربة تجاهها. ويضيف هذا الصحافي موضحا: "إذا كانت السنوات الأخيرة قد عرفت بعض ملامح ضوء في بعض الأعمال، فإن الملاحظ هذه السنة أن الاستياء عام". وهذا راجع حسب نفس المصدر إلى أن التفكير في الاعتماد على الأعمال الفكاهية لم يكن تفكيرا عميقا مبنيا على دراسات بل كان فقط قرارا تم من خلال تقليد ما يوجد في الشرق، لتكون النتيجة "المسخ الذي نشاهده يوميا في القنوات الوطنية"، على حد تعبيره.
وفي حديثه عن أسباب رداءة المنتوج المغربي، يفسر المحجوب أفريات أن الأمر مرتبط بكيفية اختيار الأعمال المقدمة، حيث لا تقدم القنوات ضوابط محددة كما أنها لا تعلن أسباب استبعاد المشاريع غير المختارة مما يعطي للعملية ككل صورة غير ديمقراطية حسب نفس المصدر الذي يضيف في تصريح لدويتشه فيله:"يتحدث العديد من الفنانين على أن المحسوبية والصداقة والإكراميات هي التي تتحكم في اختيار الأعمال"، ويصل الأمر إلى الهجوم من خلال الصحافة والتهديدات ويمكن هنا تسجيل الدور السلبي الذي يلعبه بعض الصحافيين والذين يتحولون إلى أدوات ضغط على القنوات كما أن بعضهم يشارك في الأعمال المقدمة مما يؤثر على عملية الاختيار، حسب ما أعرب عنه المحجوب أفريات الذي يرجع كذلك الأسباب إلى كيفية إنجاز الأعمال والتي تفتقر إلى الفكرة الجيدة والسيناريو المحكم إلا فيما ندر، بالإضافة إلى أن هاجس الربح يدفع الشركات المنتجة إلى إنجاز الأعمال بأقل تكلفة وفي وقت وجيز، على حد تفسير أفريات الذي يضيف مشكلا آخر مرتبط بالتشخيص حيث أن أغلب المشاركين في المسلسلات تحولوا من ممثلين إلى مهرجين يقدمون نكتا مجمعة ومكررة.
النهوض بقطاع الدراما في المغرب
ويرى الصحافي محجوب أفريات أن النهوض بقطاع الدراما والكوميديا في المغرب مرتبط أساسا بوضع لجان مستقلة من أشخاص مهنيين لهم القدرة على تقييم الأعمال حسب مبادئ موضوعية وليس المحاباة والمجاملة، كما أن عملية اختيار الأعمال ورفضها يجب أن يصاحبها تقديم تقارير مفصلة حتى يتمكن كل متدخل من معرفة أسباب اختيار عمل معين ورفض عمل آخر، ويضيف أن القنوات يجب أن تمارس رقابة مشددة على الأعمال المقبولة حتى تقدم بشكل لائق.
ويتابع الصحافي مفسرا أن هناك نقاط أخرى تتجاوز الأعمال الرمضانية لترتبط بالوضع الفني بشكل عام في المغرب، حيث أنه توجد العديد من الوجوه الفنية الجديدة لكن لا تعطى لها الفرصة لكي تظهر في شهر رمضان. ويركز أفريات في النهاية على نقطتين أولاهما أن رمضان ليس بالضرورة للفكاهة حيث يمكن تقديم أعمال درامية أسوة بما تقدمه قنوات أخرى. ويسترسل متابعا أن النقطة الثانية مرتبطة بما يسمى بنسب المتابعة والتي تعتمد عليها القنوات من أجل الدفاع عن رداءتها، وفي هذا الإطار "يجب التذكير بأن هذه القنوات هي قنوات عامة، ليست ملزمة بالاحتكام إلى نسبة المتابعة" وأن عليها الرقي بالذوق العام ولذلك فليس من المقبول أن تستمر القنوات في تقديم أعمال رديئة بدعوى أنها تحظى بمشاهدة مرتفعة.
سارة زروال
مراجعة: سمر كرم