1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أقلية الهزارة الأفغانية.. شبح الاضطهاد يعود بعودة طالبان

٣ سبتمبر ٢٠٢١

عقب سيطرة طالبان على أفغانستان، تخشى أقلية الهزارة من أن يتم استهدافها من الحركة، ما دفع البعض منهم الى الفرار، فيما انضم آخرون إلى جبهة معارضة مسلحة. بيد أن الكثيرين باتوا حبيس الخوف والعزلة، وفقا لمن تحدثوا إلى DW.

https://p.dw.com/p/3zp0L
نساء من أقلية الهزارة بأفغانستان (8 مارس 2021)
تخشى قومية الهزارة من تعرضها للقمع والاضطهاد على يد حركة طالبان، وبالذات النساءصورة من: Wakil Kohsar/AFP/Getty Images

رغم أنها لا تزال مفعمة بالحياة إلا أنها باتت حبيسة منزلها كغيرها من النساء والفتيات من أقلية الهزارة الأفغانية عقب سيطرة طالبان على زمام الأمور في أفغانستان وتسيير دوريات مسلحة في العاصمة كابول.

الفتاة ماه بيجوم (تم تغيير الاسم) ووجدت ضالتها في مشاهدة الأفلام لعلها تمثل لها السلوان وقد تخرجها من حالة الخوف الشديدة التي باتت تسودها.

وقالت الفتاة التي لم تتجاوز عامها التاسع عشر إن فيلمها المفضل في الوقت الحالي هو فيلم "ثاء رمز للثأر" (V For Vendetta) المقتبس من رواية للكاتب الإنجليزي آلان مور وتدور أحداثه في وضع بائس يسرد قصة مقاتل وحيد يحارب من أجل الحرية ويخطط للإطاحة بطغيان الحكام المتطرفين.

ولسوء حظ الفتاة، لم تجد في الفيلم السلوان، أو ربما الأمل الذي كانت تبحث عنه، بل إن الفيلم زاد من إحباطها، وفقا لما ذكرته.

وأضافت أن الفيلم أعاد إلى ذهنها بمرارة كبيرة المرة الأخيرة التي شاهدت فيها الفيلم عندما كانت طالبة في السنة الأخيرة من دراستها الثانوية وكانت تخطط لدراسة التصوير في الجامعة.

وفي ذاك الوقت، كانت الفتاة مولعة بالرقص على الموسيقى والأغاني الأفغانية وكانت تقضي ساعات في المقهى وتتناول مشروبها المفضل وتتبادل الحديث مع صديقاتها وفي كثير من الأحيان، كانت تخلع حجابها فلم يكن الأمر يشكل خطرا عليها أو على صديقاتها.

اضطهاد تاريخي من طالبان

بيد أنه فجأة تغير الوضع بل وتغير الوضع في أفغانستان بأسرها على وقع سيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم في هذا البلد الذي مزقته الحرب.

وعندما كانت تتحدث الفتاة إلى DW لم تكن قد غادرت منزلها لأكثر من أسبوعين وتحديدا منذ اجتياح طالبان للعاصمة كابول إذ أصابها الأمر باليأس والقلق. وبنبرة حزينة وصوت محطم، قالت الفتاة إن حياتها "دُمرت".

وقد صادف العام الذي ولدت فيه الفتاة سقوط حكم طالبان عام 2001 فيما كانت تسمع من أقاربها قصصا عن مدى وحشية حكم طالبان الذي اتسم بتنفيذ إعدامات علنية وانتشار الجوع وحظر للموسيقى ومنع تعليم الفتيات.

وقالت الفتاة إن أقاربها روا لها كيف كان حكم طالبان أكثر قتامة وترويعا لقومية الهزارة التي تعرضت للاضطهاد وأعمال قتل وإجبار على التخلي عن المعتقدات الدينية.

وتمثل أقلية الهزارة نسبة 20 بالمائة من سكان أفغانستان وتتبع المذهب الشيعي وتعرضت على مدى عقود للتمييز في أفغانستان التي تسود فيها أغلبية سُنية.

وبسبب اتباعهم للمذهب الشيعي وسهولة التعرف عليهم من ملامحهم الآسيوية، أصبح أبناء أقلية الهزارة فريسة سهلة للمتطرفين السنة سواء من حركة طالبان أو تنظيم "داعش" الذين يعتبرونهم كفارا.

وعقب سقوط حكم طالبان عام 2001، تنفس أبناء أقلية الهزارة الصعداء وتحسنت أوضاعهم حتى تولى البعض منهم مناصب عليا في الدولة، بما في ذلك منصب نائب رئيس البلاد.

وشهدت تلك الفترة ازدهار مجتمع الهزارة خاصة في مجال التعليم رغم وجود حالات من التميي ز وتعرضهم للعديد من الهجمات الإرهابية بما في ذلك الهجوم الذي استهدف مستشفى للولادة في كابول العام الماضي.

ورغم أنه لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم إلا أن العديد من الحكومات الأجنبية قالت في حينه إن الهجوم يحمل بصمات تنظيم داعش.

خطر قاتل

يعيش العديد من الهزارة في مدينة باميان وسط أفغانستان
يعيش العديد من الهزارة في مدينة باميان وسط أفغانستانصورة من: Ton Koene/imago images

ومع عودة طالبان لحكم أفغانستان، سعت الحركة إلى تهدئة المخاوف حيال تكرار أسلوبها الوحشي في الحكم، إذ تعهد الناطق باسم الحركة مرارا بأنه لن يكون هناك عقاب للمعارضين وباحترام حقوق المرأة والأقليات.

وأرسلت الحركة ممثلين في أنحاء أفغانستان من أجل تأمين الاحتفال بذكرى عاشوراء التي توافق العاشر من شهر محرم عندما قتل الإمام الحسين بن علي عام 61 هجري الذي يوافق 680 ميلادي.

وتعليقا على هذه التطمينات من قبل طالبان، يعتقد الكثيرون من أقلية الهزارة أن ما أعلنته طالبان ليس سوى دعاية أمام المجتمع الدولي حيث تمثل المساعدات التنموية الدولية شريان الحياة لدعم اقتصاد أفغانستان المريض والذي أصبح على شفا الانهيار.

وتحدثت DW مع العديد من الرجال والنساء من أقلية الهزارة ممن لا يزالون يعيشون في أفغانستان إذ أجمعوا أنهم لا يصدقون تطمينات طالبان.

وفي مقابلة مع DW، قال مهدي راسكح – الذي ينتمي إلى الهزارة وكان نائبا في البرلمان- إن قومية الهزارة تواجه "اضطهادا عرقيا ودينيا" على يد طالبان. وأضاف "أنهم يواجهون خطر مميت".

مذابح ورسائل مروعة

ويبدو أن هذه المخاوف مبررة خاصة مع ما كشفت عنه منظمة العفو الدولية في تقرير اتهمت فيه طالبان بتعذيب وقتل عدد من أقلية الهزارة.

ووثق باحثون ميدانيون أعمال قتل وحشية طالت تسعة من أقلية الهزارة في أوائل شهر يوليو/تموز الماضي بولاية غزني جنوب شرقي أفغانستان، عقب استيلاء مقاتلو الحركة على المنطقة.

ووفقا لتقرير العفو الدولية، فقد قُتل ستة رميا بالرصاص فيما تم تعذيب الثلاثة الآخرين حتى الموت على يد مسلحي طالبان.

وقال التقرير إن عمليات القتل هذه تمثل على الأرجح "نسبة ضئيلة من إجمالي أعمال القتل التي نفذها مسلحو طالبان حتى الآن".

وأرجع التقرير ذلك إلى أن طالبان قطعت خدمة الهاتف المحمول في العديد من المناطق التي استولت عليها مؤخرا وسيطرت على الصور ومقاطع الفيديو التي يتم مشاركتها بعد ذلك من هذه المناطق.

مقاتلون من طالبان في دورية بالعاصمة كابول
تتعرض قومية الهزارة للاضطهاد والتمييز على يد حركة طالبان. مقاتلون من طالبان في دورية بالعاصمة كابولصورة من: Rahmat Gul/AP Photo/picture alliance

وعلاوة ذلك، يخشى شهود العيان الذين يلتقطون الصور على هواتفهم في الغالب الاحتفاظ بها خشية تعرضهم لأي أعمال انتقامية إذ اُكتشف ذلك.

وفي مقابلة مع DW، قالت حبيبة سرابي - سياسية بارزة من أقلية الهزارة – إنها تمتلك أدلة تفيد بوقوع المزيد من الفظائع لكنها لا تستطيع نشر التفاصيل حيال ذلك خوفا من تعرض شهود العيان للخطر على أقل تقدير.

وكانت سرابي أول حاكمة لإقليم أفغاني وكانت واحدة من أربع سيدات شاركن في مفاوضات السلام مع طالبان التي استضافتها قطر.

وعندما أدلت بتصريحاتها لـ DW كانت لا تزال في حالة صدمة حيال سيطرة طالبان على زمام الأمور في أفغانستان.

وبعد فترة وجيزة من المقابلة، أرسلت سرابي رابطا لمقطع مصور قصير سيء يظهر مقاتلين من طالبان وهم يتحدثون أمام الكاميرا فيما قال أحدهم إنهم ينتظرون الإذن من قادة الحركة من أجل "القضاء" على كافة أبناء أقلية الهزارة.

ولم يتسن لـ DW التحقق من مصداقية الفيديو، لكنه انتشر على نطاق كبير بين أقلية الهزارة وهو ما أثار الخوف بينهم.

وفي رد فعلها، قالت إحدى الأفغانيات من أقلية الهزارة في مقابلة مع DW "أشعر وكأني قد فقدت الشعور، أنا مندهشة ومصدومة."

ولا تمثل حركة طالبان مصدر الخوف الوحيد لأقلية الهزارة، فحركة  "داعش- ولاية خراسان" التي ظهرت على الساحة مجددا عقب الانسحاب الأمريكي وانهيار الجيش الأفغاني، تشكل أيضا تهديدا على هذه القومية.

ويخشى الكثير من أبناء أقلية الهزارة من مسار الأحداث في أفغانستان في حال تحول انتباه المجتمع الدولي والإعلام بعيدا عن أفغانستان إذ يؤكدون على أن طالبان ستبدأ في هذا السيناريو بحملة ضد الأشخاص الذين يمكن أن يقودوا المقاومة في الهزارة.

دعوة لحمل السلاح

Afghanistan Zulfikar Omid
قال ذو الفقار أوميد (وسط اليسار) لـ DW إنه يحارب "الإرهاب" خوفا من ظهور جماعات إرهابية جديدةصورة من: Privat

وعلى وقع هذا الأمر، لجأ بعض أبناء أقلية الهزارة إلى حمل السلاح وتشكيل جبهة مقاومة ومن بينهم ذو الفقار أوميد – النائب السابق في البرلمان والذي أصبح حاليا أحد قادة المقاومة.

وفي مقابلة مع DW، قال إنه أسس مقاومة مسلحة من الهزارة وسط أفغانستان تتألف من قرابة 800 مقاتل و 5000 متطوع. وقال إنه اضطر إلى خيار حمل السلاح عقب استنفاده كافة السبل من مناشدات الحكومات الغربية في عدم ترك أفغانستان لقمة سائغة بين فكي طالبان.

وفي اتصال مع DW عبر تطبيق "واتس آب" من مكان مجهول، أضاف "الجميع زعم أن طالبان باتت عصرية وقد تغيرت، لكنها لم تتغير فقد تزايدت أعمال العنف والقتل".

وقال إن رجاله يحملون السلاح "ضد الإرهاب"، على حد قوله خوفا من ظهور شبكات إرهابية جديدة بعد أن أصبحت أفغانستان تحت حكم طالبان.

وأشار إلى أنه عقد محادثات مؤخرا  مع أحمد مسعود-   نجل أحمد شاه مسعود  الذي كان أحد القادة الرئيسيين لمقاومة الاحتلال السوفيتي للبلاد في ثمانينات القرن الماضي وبعد ذلك مقاومة حركة طالبان. وقُتل أحمد شاه مسعود المنحدر من أصول طاجيكية في تفجير انتحاري عام 2001. تعهد مسعود الابن برفض تسليم المناطق الواقعة تحت إمرته لطالبان وبقتال الحركة انطلاقا من إقليم وادي بنجشير.

المقاومة تحقق مكاسب، ولكن

وأصبح إقليم وادي بنجشير الجبلي والواقع شمال كابول، آخر منطقة متبقية خارج سيطرة حركة طالبان وتعد أيضا الجزء الوحيد في أفغانستان الذي يقاوم اجتياح طالبان الكبير لأفغانستان.

الجيد بالذكر أن إقليم وادي بنجشير المحاط بالجبال الشاهقة، كان معقل المقاومة ضد السوفييت في ثمانينيات القرن الماضي وأيضا ضد طالبان التي استولت على السلطة في أواخر التسعينيات.

وفي ذلك، أشار ذو الفقار أوميد إلى إلى اتحاد القوات التابعة لقومية الطاجيك والهزارة معا لقتال طالبان التي باتت مسلحة بعتاد عسكري أمريكي متقدم استولت عليه من الجيش الأفغاني. وشدد على أن رجاله لديهم استعداد "للقتال" ربما بسبب شعورهم باليأس، رغم أن تسليحهم ليس بالحديث مقارنة بتسليح مقاتلي طالبان. وأقر أن مصدر تسليح عناصر المقاومة السوق السوداء المزدهر وأيضا مصادر من حركة طالبان.

ورغم ذلك، فإن خيار المقاومة قد يحمل في طياته "سيناريو كارثي" لأقلية الهزارة، وفقا لما أشار إليه نعمة الله الإبراهيمي - المحاضر في جامعة لاتروب في أستراليا ومؤلف كتاب "الهزارة والدولة الأفغانية". وأضاف أن طالبان يمكنها فرض حصار اقتصادي على مناطق الهزارة ما سيؤدي إلى وقوع مجاعة كبيرة وقد يؤدي ذلك وقوع مذابح على نطاق كبير وأعمال انتقامية ضد أبناء الأقلية. وأشار الإبراهيمي إلى أن الكثير من أبناء أقلية الهزارة قد فروا بينهم متعلمون، مؤكدا أن موجة الهجرة الجماعية لأبناء الأقلية ستودي إلى اختفاء وجودهم داخل البلاد.

طلب اللجوء في باكستان

وعقب سيطرة طالبان، فر أكثر من 6 آلاف لاجئ من بينهم العديد من الهزارة إلى مدينة كويتا الواقعة جنوب غرب باكستان التي تضم أيضا مجتمع كبير من الهزارة، وفقا لمصادر ميدانية.

وتحدثت DW مع أحد الفارين إلى كويتا وهو عامل يبلغ من العمر 27 عاما من ولاية نيمروز في جنوب غرب أفغانستان.

وقال إنه أحد السكان المحليين – عامل ميكانيكي – في كويتا استضافه وسبعة أفراد من عائلته بينهم طفل في منزله.

واستعاد الشاب الأفغاني اللحظات التي تلت وصول طالبان إلى ولاية نيمروز إذ قال "بدأ الجميع يركض في محاولة للهروب من البلاد".

وأشار إلى وقوع حالة فوضى عند الحدود فيما اضطرت عائلته إلى دفع رشاوي إلى المسؤولين من أجل اجتيازهم الحدود الى باكستان رغم أنه لم يكن متأكدا إذا كان حرس الحدود في ذاك الوقت عناصر من حركة طالبان أم جنود من الجيش الباكستاني.

أفغان يعبرون الحدو نحو باكستان خوفا من طالبان (27 أغسطس/آب 2021)
اضطر المئات من قومية الهزارة إلى العيش في مساجد في مدينة كويتا الباكستانية بعد فرارهم من أفغانستانصورة من: Jafar Khan/AP Photo/picture alliance

وفقا لمصادر صحفية، فإن أقلية الهزارة تشكل خمس سكان باكستان البالغ عددهم 207 ملايين نسمة معظمهم من السنة فيما تعرضت الأقلية لعشرات الهجمات منذ 2001.

ورغم ذلك، أكد الشاب الأفغاني على أنه لن يعود إلى أفغانستان ما دامت طالبان المسيطرة.

مصير بائس

أما في كابول، فلم تتمكن الفتاة الأفغانية ماه بيجوم (تم تغيير الاسم) من أقلية الهزارة الأفغانية من الفرار عندما اجتاحت طالبان العاصمة إذ لم تكن أسرتها مؤهلة ليتم إجلاؤها من قبل القوات الأمريكية أو الأجنبية في ذاك الوقت من أفغانستان، إذ كان الأمر مقصورا على نشطاء المجتمع المدني والصحافيين والعناصر التي عملت مع القوات الأجنبية، فيما لم تقدم أي حكومة أجنبية على إجلاء قومية الهزارة.

وفي مقابلات مع DW، قال رجال ونساء من أقلية الهزارة إنهم تٌركوا ليواجهوا مصيرهم بمفردهم وكان عليهم أن يتدبروا أمر أنفسهم.

أما الفتاة التي كانت مولعة بحب السينما وكانت صورتها الشخصية على حسابها في تطبيق "واتس آب" ويظهر وجهها المبتسم وكانت ترتدي وشاحا يُظهر شعرها الطويل، فقد باتت في حالة رعب من أنها لن تتمكن من مواصلة دراستها في ظل حكم طالبان.

وقالت الفتاة وهي تبكي "كامرأة وسيدة متعلمة، فإن مستقبلي في ظل حكم طالبان قاصرا على إنجاب الأطفال والاستعباد الجنسي".

ويبدو أن الفتاة لم يعد لديها أي أمل في أن يقوم الفارس المدافع عن الحرية لنجدتها وإسقاط حكم طالبان على غرار ما كانت تشاهده في فيلمها المفضل.

ولم تستطع الفتاة وقف بكائها، لكنها استطاعت للحظات تمالك نفسها وبهدوء قالت "لا يمكن الهروب من طالبان في أفغانستان".

----

نعومي كونراد - بيرجيتا شولكه-غيل -صمد شريف / م ع

ساهم في إعداد التقرير شاه فهد من باكستان وساندرا بيترسمان من برلين ولويس ساندرز