لم يأكل أطفالي الدجاجة
٢٧ يونيو ٢٠١٣تعودت كلما أستلمت راتبي الذي لا يستقر في جيبي إلا بضع دقائق قبل أن ينقرض و يتبخر و يذوب و يتلاشى بفعل توزيعه على أشخاص ينتظرون رأس الشهر لينقضوا عليه و يقطعوه إرباً إربا .. تعودت عند استلام ( المكموع ) ان أشتري دجاجة لأتناولها مع أطفالي في احتفالية أو في الحقيقة (عركة ) على المسكينة التي نحيلها إلى حطام و عظامها إلى رميم و في ذلك اليوم الذي ينتظره أطفالي في نهاية كل شهر ذهبت كعادتي لأشتري الدجاجة و لكني في هذه المرة لم أشأ أن أخذ دجاجتي كالعادة مذبوحة و مجهزة بل أخذتها حية مفعمة بالحياة رغم أنها كانت كئيبة منطوية على نفسها و رغم صغرها و ضآلة حجمها إلا أنها بدأت بالصراخ المخنوق عندما وضعتها في المطبخ و حام حولها الأطفال ليعتنوا بها فهذا يجلب لها الماء و ذاك الطعام حتى حان وقت ذبحها و تجهيزها للطبخ فتابعني أطفالي و أنا أحد السكين و التفوا حولي و انا أوجه الدجاجة المسكينة نحو القبلة فنتفت بضع ريشات من رقبتها فاستسلمت لي بعد مقاومة بسيطة و لكن قبل ان أقوم بعملية الذبح تابعت تلك النظرات في عيون أطفالي و فيها مزيج من التعاطف و الخوف و الرحمة و طالب بعضهم بتركها تعيش متوسلاً و لكن هيهات هيهات فمعدتي كانت تصرخ مستنجدة و لم تؤثر في قناعاتي توسلات أطفالي و بعض الدموع في عيونهم و لكني لم أشأ أن أقوم بجريمتي أمامهم فطلبت منهم الانصراف خوفاً على مشاعرهم و لكنهم أصروا على حضور جلسة الإعدام و مشاهدة المنظر الذي لم يطلعوا على مثله من قبل ، و تمت عملية النحر و لكن لم اسمع هتافات التكبير التي ترافق مثل هذه الأعمال بل كان السكون و الوجوم و الاندهاش يعلو الوجوه البريئة و هم يرون ضحيتي ترقص وسط دمائها و رأسها معلقاً بالكاد بجسمها حتى استكانت و استسلمت فاستلمها القدر لتصنع منها زوجتي طعام الغداء ، و عند جلوسنا إلى المأدبة و بعد ان أهلكنا الجوع جاء الطبق الرئيسي من الأرز البرياني تعلوه تلك المخلوقة التي تغير لونها إلى ألوان صفراء تسر الناظرين و روائح زكية تزيد من الجوع بلة !! كانت العيون ترقب الضحية و مسلطة عليها و كأنها تتخيلها دجاجة حية ثم تنتقل العيون لي لترقب القاتل و نظرات الإدانة و اللوم و ربما المطالبة بالقصاص ! لا ادري ؟
قمت بالمهمة الموكلة لي و هي تقسيم الدجاجة إلى أجزاء و وضعت أمام كل طفل حصته من الغنيمة و استحقاقه بحسب حجمه و قربه من القلب طبعاً و قلت : قولوا بسم الله ... فقال الجميع كالعادة بسم الله ... و لكن لم تتحرك أيديهم لتصل إلى حصصهم كما اعتدنا في مثل هذه المواقف و بقي السكون هو سيد الموقف حاول البعض أن يأكل قليلاً من الأرز و لكن أثار استغرابي انسحابهم التدريجي من الطعام و عدم استطاعتهم تقبّل أكل هذه الدجاجة بعد أن شاهدوا منظر ذبحها رغم جوعهم .
لم يستطيعوا الأكل و بقوا هكذا حتى المساء و لم يعد أطفالي أبدا كما كانوا بعد ذلك اليوم ...و بقيت الدجاجة على حالها لم يمسها أحد بسوء ، كنت في تلك اللحظة أفكر في أولئك الرجال القاسية قلوبهم الذين ينحرون الناس و ألسنتهم تصرخ بالتكبير ( الله أكبر ) أي فطرة صافية غادرت تلك القلوب و تشوهت ؟ و دمتم سالمين .