1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

خبراء ألمان ـ هذه حسابات حماس ونتانياهو في تأجيج الصراع

حسن زنيند
١٢ مايو ٢٠٢١

التصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين ذكًر العالم بأنه لا يمكن القفز عن حل القضية الفلسطينية. محللون ألمان يرون أن في تصعيد حماس ضرب لغريمتها فتح، تطور يسمح لنتانياهو بتقمص دور القائد الحازم في وقت دقيق من مشواره السياسي.

https://p.dw.com/p/3tJK7
قصف إسرائيلي مكثف على غزة ردا على صواريخ حماس (11 مايو/ أيار 2021)
قصف إسرائيلي مكثف على غزة ردا على صواريخ حماس (11 مايو/ أيار 2021)صورة من: Youssef Massoud/AFP/Getty Images

يتزامن انفجار الوضع في الشرق الأوسط مع معطيات داخلية إسرائيلية وفلسطينية على حد سواء. رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو يجتاز مرحلة دقيقة يواجه فيها تحديات سياسية وقانونية عويصة قد تضع حدا لمشواره السياسي. أما حماس، فدخلت في لعبة لي ذراع مع حركة فتح التي تعيش الضعف والوهن في ظل رئيس (محمود عباس) مسن انهارت شعبيته لدى الفلسطينيين. دوليا، استراتيجية نتانياهو التي دعمتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والتي تقوم على إعطاء الأولوية لتطبيع إسرائيل لعلاقاتها مع الدول العربية، تجد نفسها اليوم أمام اختبار حقيقي. فقد اعتقد الكثيرون أن القضية الفلسطينية هُمشت بشكل نهائي واستراتيجي، خصوصا وأن إدارة بايدن دعمت سياسة التطبيع هذه، واعتبرتها إحدى النجاحات الدولية النادرة للإدارة الأمريكية السابقة. غير أن انفجار الوضع الحالي أظهر للمجتمع الدولي أن القضية الفلسطينية معضلة لا يمكن تجاهلها.

موقع "تاغسشاو" التابع للقناة الألمانية الأولى (11 أبريل / نيسان 2021) استضاف بيتر لينتل، الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط الذي يشرف على مجموعة بحثية تسمى "إسرائيل" لدى مؤسسة العلوم والسياسة في برلين. لينتل اعتبر أن "التقارب بين دول عربية وإسرائيل جاء بسبب ابتعاد هذه الدول بشكل ما عن الفلسطينيين، وجعلها من إيران الخصم الرئيسي في المنطقة، ما ساهم في التقارب مع إسرائيل. كما أن المصالح الاقتصادية لعبت دورًا مهما أيضًا. ولكن في سياق الصراع الحالي، يمكن للمرء أن يشعر بأن العلاقات بدأت تتدهور مجددا. فقد انتقدت البحرين والإمارات العربية المتحدة بوضوح إسرائيل. ومع ذلك، يمكن أن يساعد التقارب الأخير أيضًا في حل النزاع". وحذر الخبير من أن كون إسرائيل تعيش مخاضا صعبا في سبيل تشكيل تحالف حكومي جديد، لا يعني أن الدولة غير قادرة عسكريًا على التحرك. وبالتالي، يمكن لنتانياهو، الذي يتعرض لضغوط سياسية وقانونية، العودة إلى الواجهة في دور القائد الحازم.

 

بين الربح والخسارة ـ خلفيات مقارعة حماس لنتنياهو

 أطلقت حماس على هجومها الصاروخي اسم "سيف القدس" في مسعى لتقديم نفسها على أنها المدافع عن الفلسطينيين في المدينة، مسجلة بذلك نقاطا على منافسها الرئيس محمود عباس من حيث تمثيلية جميع الفلسطينيين. ويعتبر المراقبون أن مصداقية عباس تلقت بالفعل ضربة في وقت سابق هذا العام عندما دعا إلى إجراء انتخابات فلسطينية قبل أن يلغيها. في الجهة الإسرائيلية، ساهمت مظاهرات يهود أورثودكس متطرفين في كب الزيت على النار، يقودها أحيانًا نواب من اليمين المتطرف في الكنيست وأحيانا بحضور أرييه كينغ، نائب رئيس بلدية القدس. ولأن القدس هي واحدة من أكثر نقاط الخلاف حساسية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن جميع الأطراف تشعر بأنها معنية بالأمر، ولهذا السبب تدخلت حماس وأصدرت عدة بيانات مكتوبة بلغة نارية. تلا ذلك موجات الصواريخ الأولى من غزة، ورد الإسرائيليون لتنطلق دوامة العنف كما عهدها العالم في المنطقة.

وبهذا الصدد كتبت "فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ" (11 أبريل) مقالا تحليليا مطولا تحت عنوان "حسابات حماس" واعتبرت أن "هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن التنظيم الإسلامي صعًد الصراع مع إسرائيل من أجل تحسين موقعه تجاه حركة فتح في الضفة الغربية وأمام الرأي العام العربي. القتال من أجل المسجد الأقصى من المرجح أن يلقى الاعتراف والتقدير حتى من قبل دول الشرق الأوسط، التي لم تعد مهتمة كثيرا بالفلسطينيين (..) فقط في العالم الذهني للإسلاميين يمكن تبرير إطلاق الصواريخ على نطاق واسع على مناطق مأهولة بالسكان من أجل تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية من الحرم القدسي ومن أحد أحياء القدس. هناك مبررات واضحة لتصنيف حماس، من قبل الاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية".

إسرائيليا، كان من المفترض أن يتم التوقيع على اتفاق ائتلافي حكومي جديد في إسرائيل من شأنه إخراج بنيامين نتانياهومن رئاسة الوزراء بعد 12 من السلطة.  غير أن ذلك كان سيعتمد على السماح لعرب إسرائيل بالمشاركة في الحكومة، التصعيد الأخير دفعهم لوقف التعاون في هذا الصدد تضامناً مع الفلسطينيين. ولا شك أن نتانياهو يستفيد موضوعيا وبشكل غير مباشر من هذا التطور، كما أوضح موقع "شبيغل أونلاين" (11 أبريل) "لم يقم بنيامين نتانياهو بالكثير لوقف استفزازات المتطرفين اليهود أو للحد من الأعمال العدوانية لقوات الأمن. إنه يستفيد من التصعيد الأخير للعنف، خاصة أنه سيكون من الصعب على منافسيه يائير لابيد ونفتالي بينيت تشكيل ائتلاف حكومي في ظل هذه الظروف. لا يمكنهم الاعتماد على دعم الأحزاب العربية في هذه الظروف".

 

قلق الجالية اليهودية ـ لهيب الشرق الأوسط يصل ألمانيا

تتابع برلين بقلق انفجار الوضع بين إسرائيل والفلسطينيين، فيما اعتبرت الحكومة الألمانية أن من "حق إسرائيل الدفاع المشروع عن النفس في وجه هجمات" حركة حماس. وأوضح المتحدث باسم الحكومة شتيفن زايبرت أن بلاده تدين "بشدة الهجمات المتواصلة بالصواريخ انطلاقا من قطاع غزة على مدن إسرائيلية". كما ندد وزير الخارجية هايكو ماس بالهجمات الصاروخية لحماس ودعا لوقفها فورا. وأضاف " إسرائيل في هذا الموقف لها الحق في الدفاع عن نفسها. لا يمكن التسامح مع هذا التصعيد في العنف أو قبوله". وتخشى برلين أن تصل شرارة لهيب الصراع في الشرق الأوسط إلى المدن الألمانية، خصوصا بعد إحراق أعلام إسرائيلية أمام معبدين يهوديين في مدينتي بون ومونستر بولاية شمال الراين-ويستفاليا. وبعدها طالبت الجالية اليهودية في ألمانيا بتعزيز الحماية المقدمة لها، فيما حمل رئيس المجلس الأعلى لليهود جوزيف شوستر حركة حماس مسؤولية تصعيد العنف. وقال إنّ "إسرائيل واليهود اجمعين معرضون للكراهية والتحريض خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي".

وبهذا الصدد، أدانت وزيرة العدل كريستين لامبرشت "هذه الكراهية المعادية للسامية" واعتبرتها "وصمة عار"، مضيفة أنه في وقت يعانى سكان إسرائيل من خوف مميت في مواجهة الهجمات الصاروخية، لم تظهر هذه الأعمال في ألمانيا "سوى ازدراء شنيع للبشر"، مطالبة بحماية مشددة للمعابد والمنشآت اليهودية. واستطردت لامبرشت "نحن نقف بحزم إلى جانب إسرائيل" وقالت "إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها"، مؤكدة ضرورة تجنب تصعيد العنف. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "كولنر شتات أنزيغر" الصادرة في كولونيا (11 أبريل) "لفترة طويلة لم يصل الصراع في الشرق الأوسط لهذا المستوى من الدموية والتصعيد الخطير كما هو الحال هذه الأيام. عدد القتلى تجاوز العشرين. وماذا يفعل المجتمع الدولي؟ تراه يدعو الجانبين إلى التهدئة الاعتدال. رد فعل بلا جدوى في صراع راكم الكراهية عبر الأجيال. أسلوب لا يمكن أن ينجح. يتطلب الأمر أكثر من مجرد إدانة للهجمات الصاروخية على إسرائيل والتصعيد من قبل الجانبين".

 

تصعيد نوعي ـ صواريخ حماس تصل تل أبيب

عادت مشاهد العنف الدموي بينالإسرائيليين والفلسطينيين لتُذكر العالم بأن جمر الصراع في الشرق الأوسط، وإن خفت في السنوات القليلة الماضية، إلا أنه لم ينطفئ، إذ تكفيه شرارة صغيرة ليشتعل من جديد ومعه المنطقة برمتها. فقد بلغ مشهد التصعيد مستويات جديدة غير معهودة، بعدما تعرضت تل أبيب والقدس لوابل من الصواريخ أُطلقت من قطاع غزّة الذي تشرف عليه حركة حماس، فيما تعرض القطاع بدوره لقصف وغارات أدت لدمار كبير أثقل حصيلة الضحايا. وباتت لغة التهديدات والتهديدات المضادة سيدة الموقف. ويعيش في قطاع غزة قرابة مليوني شخص تحاصرهم إسرائيل منذ 2007، وكان مسرحا لثلاث حروب مدمرة منذ ذلك الوقت بين حماس وإسرائيل في أعوام 2008 و2012 و2014. وهذه هي المرة الأولى التي تصل فيها الصواريخ الفلسطينية الى تل أبيب منذ 2019، وحينها لم تكن بهذه الكثافة.

الخبير الألماني بيتر لينتل اعتبر أن "دوامة الصعيد لها أسباب: منها التوقيت، من بين أمور أخرى، كون شهر رمضان يقترب من نهايته، فقد أغلقت الشرطة هذا العام مكان الاجتماع المركزي للفلسطينيين على الحدود مع القدس الشرقية: الساحة الواقعة أمام باب العامود، لأول مرة، ساحة تستخدم دائمًا بعد الإفطار وهو مكان مهم بالنسبة للمسلمين". وفي هذا السياق تبدو تخوفات مبعوث الأمم المتحدة الى الشرق الأوسط غير مبالغ فيها حين عبر عن مخاوفه من اندلاع "حرب شاملة" بين إسرائيل وحماس.

 

شرارة المواجهات انطلقت من القدس الشرقية

القدس الشرقية كانت مسرحا لأجواء مشحونة منذ أكثر من أسبوعين أدت لمواجهات انفجرت على شكل احتجاجات لفلسطينيين على قرار قضائي بإخلاء أربعة منازل تسكنها عائلات فلسطينية في حي الشيخ جراح لصالح مستوطنين. كما شاب التوتر أجواء المدينة المقدسة خلال شهر رمضان، حيث استعملت الشرطة الإسرائيلية القوة لتفريق المحتجين، مستخدمة الأعيرة المطاطية وقنابل الصوت، بينما يستخدم الفلسطينيون المفرقعات والحجارة. وتوسعت المواجهات الى باحات المسجد الأقصى. قبل أن تنتقل شرارة الاحتجاجات إلى قطاع غزة بل وشملت أيضا بلدات عربية داخل إسرائيل.

وتعتبر إسرائيل القدس بأكملها عاصمة لها، بما في ذلك الجزء الشرقي الذي ضمته بعد حرب عام 1967 ويريده الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المستقبلية. موقع "شبيغل أونلاين" (11 أبريل) أوضح في سياق متصل، أن "الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية يعيشون في ظل التمييز والمضايقة والقيود المفروضة على حركتهم لتشجيعهم على الهجرة". وأوضح الموقع أنه بسبب الرمزية الدينية لمدينة القدس، فقد تقاطع النضال من أجل الوجود واختلط بالمطالب القومية والدينية.

 

كالنار في الهشيم ـ الغضب يطال بلدات عربية بإسرائيل

اندلعت احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين اتسم بعضها بالعنف بين عرب إسرائيل وقوات الأمن الإسرائيلية. وفي تطور ملفت أعلنت إثره الحكومة الإسرائيلية حال الطوارئ في مدينة اللد وسط البلاد حيث اتهمت الشرطة بعض السكان العرب بالقيام بـ"أعمال شغب واسعة النطاق". واللد مدينة مختلطة (77 ألف نسمة، بينهم 47 ألف يهودي و23 ألف عربي) تقع في ضواحي تلّ أبيب، انفجرت فيها مواجهات عنيفة بعد أن قتل فيها عربي إسرائيلي. من جهتها، أفادت وسائل إعلام إسرائيليّة بأنّ نيرانًا أضرمت في ثلاثة معابد يهودية ومتاجر عدّة في اللد. وأكدت الشرطة الإسرائيليّة ليلاً أن 16 فرقة من شرطة الحدود انتشرت في المنطقة للتعامل مع العنف.

وبهذا الصدد كتبت "فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ" "على السياسيين الإسرائيليين أن يأخذوا علما بأن الاحتجاجات طالت أيضا بلدات عربية داخل إسرائيل. قد لا ينتهي الأمر بالضرورة إلى انتفاضة جديدة، لكنه يكشف أن سياسات السنوات القليلة الماضية التي قادها المستوطنون لا تخلو من عواقب على السلام داخل للبلاد. أحد أسباب المواجهة الحالية هو التهديد بعمليات الإخلاء في القدس الشرقية".

جدل حول توصيف سياسة إسرائيل بـ"الفصل العنصري"

أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش (الثاني من أبريل) تقريرا مثيرا للجدل تحت عنوان "تجاوزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد". التقرير اتهم الدولة العبرية بممارسة سياسة "فصل عنصري" ضد الفلسطينيين. وأوضح كاتب التقرير حسين إبيش أن هذا التوصيف بات أكثر تداولا من قبل اليسار سواء في الغرب أو في إسرائيل. يذكر أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ألف كتابا عام 2006 خيًر فيه إسرائيل بين" السلام" و" الفصل العنصري". وذهبت منظمتان حقوقيتان إسرائيليتان "بيتسليم" و "ييش- دين" في نفس الاتجاه وحذرتا من أن الدولة العبرية تمارس نظام "فصل عنصري" على أساس" التفوق اليهودي"، ليس فقط في الأراضي المحتلة ولكن فوق أراضيها أيضا. "هيومن رايتس ووتش" اعتمدت على تعريفات قانونية دولية للفصل العنصري وتفادت استنساخ نموذج جنوب افريقيا. غير أن الولايات المتّحدة أكدت عدم موافقتها على استنتاجات المنظمة الحقوقية معتبرة أن إسرائيل لا تنتهج سياسة "فصل عنصري" بحقّ الفلسطينيّين.

صحيفة "نويس دويتشلاند" (التاسع من أبريل) كتبت أن "المعارك في الشوارع بين المتظاهرين الفلسطينيين الغاضبين، ومعظمهم من الشباب، والشرطة الإسرائيلية تنقل صورة معروفة: الصراع في الشرق الأوسط لا يمكن أبدًا حله. هناك أسباب وتفسيرات: اندلعت الاحتجاجات بسبب عمليات إخلاء منازل في القدس الشرقية حيث تعيش عائلات فلسطينية تدعي عائلات إسرائيلية ملكها في السابق لتلك المنازل، وتطالب بحقوق الملكية القديمة، لكن لا يحق لدولة إسرائيل مصادرة الممتلكات وتوطين المدنيين في منطقة محتلة وفق القانون الدولي الإنساني. هذا ليس كلام عضو من أعضاء حركة حماس، ولكنه تصريح للمتحدث باسم المكتب القانوني للأمم المتحدة. إن إحباط الفلسطينيين ليس سببه الاحتجاجات وأعمال العنف فقط بسبب عمليات الإخلاء، لكن أيضا الظروف المعيشية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية أصبحت ببساطة لا تطاق، في وقت فاقمت فيه جائحة كورونا الأوضاع القائمة".

حسن زنيند