تونس تستنير بالتجربة الألمانية في إدارة المؤسسات الصحية
١٠ مايو ٢٠١٤يعتبر المجال الصحي في تونس مجالاً حيوياً يساهم في تشغيل آلاف العاملين. وبالإضافة إلى الإقبال المحلي، تجتذب المؤسسات الطبية التونسية آلاف المرضى من دول الجوار، نظراً لسمعتها الطيبة وتميز المختصين بها. وتعود السمعة الجيدة للأطباء التونسيين إلى رهان يبدو أن الرئيس الأول لتونس، الحبيب بورقيبه، قد كسبه، إذ ركز جهود الدولة لسنوات على قطاعي الصحة والتعليم، الأمر الذي ساهم في ولادة جيل كامل من الأطباء والمختصين حقق مؤشرات مقبولة في مجال الرعاية الصحية للمواطنين والقضاء على العديد من الأوبئة والأمراض.
لكن رغم الخطوات الهامة المنجزة، إلا أن تغير نمط المجتمع وزيادة نسبة كبار السن وظهور أمراض جديدة ساهم في تعميق مشكلات القطاع الصحي العام، الذي بات يشكو من نقص الموارد وهروب الأطباء الاختصاصيين إلى القطاع الخاص، الذي ازدهر في العقد الأخير. وشكلت التغييرات الجديدة تحديات كبيرة أمام المستشفيات العمومية، خصوصاً في مجالات إدارة الموارد المالية والبشرية على حد سواء.
وببادرة من الطبيبة النسائية الدكتورة شجيعة شلومان-عبيد، تم تنظيم ورش عمل لتقديم التجربة الألمانية في مجال إدارة المؤسسات الصحية، برعاية جامعة العلوم التطبيقية نوي أولم في ألمانيا والمؤسسة الألمانية للتبادل الأكاديمي.
تعرف على التجربة الألمانية
وتقول شجيعة شلومان-عبيد، في حوار مع DW عربية، أنها "بعد تجربة عمل طويلة بألمانيا وسنة قضتها بأحد مستشفيات تونس، اكتشفت اختلاف ثقافة العمل وطرق الإدارة والتواصل". هذا الأمر دفعها لربط عدد من الخبراء في تونس مع نظرائهم بألمانيا بهدف تطوير آليات الإدارة في المستشفيات. ونجم عن هذا الجهد مبادرة شارك فيها أساتذة جامعيون من مختلف كليات الطب والصيدلة في تونس وعدد من صناع القرار والمدراء بالهياكل الصحية العامة، حسب قولها.
هذا وشكلت ورش العمل فرصة للتعرف على التجربة الألمانية في مجال إدارة المستشفيات وتشخيص المشكلات التي تعاني منها، إلى جانب بلورة عدد من أفكار المشاريع. وقد أشرف البروفسور راينر بورك، منسق البرامج بمنطقة إفريقيا في جامعة العلوم التطبيقية نوي أولم، على هذه الورش. ويؤكد بورك لـDW عربية أن "المؤسسات الصحية التونسية، وإن كانت على مستوى جيد مقارنة مع العديد من الدول الإفريقية، إلا أنها تعاني من مشكلات تتعلق بإدارة وتسيير ونقص الموارد وكثرة المرضى".
ويسعى البروفسور بورك من خلال هذه الورش إلى إطلاق جملة من المشاريع الممكن تنفيذها في المؤسسات الصحية التونسية بأقل التكاليف وفي وقت معقول. كما شرع في العمل مع عدد من الجامعيين التونسيين لإطلاق برنامج ماجستير مشترك ألماني-تونسي في مجال إدارة المستشفيات، يهدف بالأساس إلى الرفع من كفاءة المسؤولين عن المستشفيات وتحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة.
حاجة ماسة لتأهيل المسؤولين في المجال الإداري
وتقول منية خياط، المديرة العامة للمؤسسات الصحية العمومية، في حوارها مع DW عربية، إن الاستعانة بالتجربة الألمانية في مجال إدارة المستشفيات هي "استجابة لحاجة ماسة في المستشفيات التونسية، التي تشكو من نقص في هذا المجال، إذ أن أغلب الأطباء لم يحصلوا على تأهيل في مجال إدارة المؤسسات الصحية". ويبقى الهدف المنشود، حسب رأيها، هو "تعميم هذا الاختصاص في المؤسسات العمومية للحد من المشكلات التي تعاني منها وتحسين معايير الإدارة ورفع جودة الخدمة الصحية خلال كافة مراحل العلاج، من الاستقبال وحتى العلاج والمتابعة".
أما خالد الزغل، عميد كلية الطب بمدينة صفاقس التونسية، فيعتبر أن "تشخيص الوضع الصحي يتسم بنقص المختصين في مجال إدارة المستشفيات، والهدف هو بلوغ حوكمة أنجع للمؤسسات الصحية مع الأخذ بعين الاعتبار محدودية الموارد وكثرة الطلب عليها".
ورغم هذه الموارد المحدودة، يقبل الكثير من المرضى من دول الجوار عليها، العامة منها والخاصة. ويطمح المختصون في المجال الصحي بتونس إلى "توفير مستوى عال من الخدمات الصحية للمواطن التونسي ولمواطني الدول الأجنبية، خصوصاً دول الجوار"، حسب عميد كلية الطب بجامعة صفاقس.
إصرار على العمل بالمعايير الدولية
ويُستشفّ من ورشة العمل أن هناك إصراراً كبيراً على رفع جودة الخدمات الصحية المقدمة في تونس، وأن المشاركين يسعون إلى الاستفادة من إمكانيات التعاون مع ألمانيا. لذلك، تمت بلورة عدد من مشاريع التعاون، أبرزها برنامج ماجستير إدارة أعمال في المجال الصحي، بحكم تميز التجربة الألمانية الكبيرة في هذا المجال.
وعلى الرغم من اقتناع كل المشاركين بضرورة رفع كفاءة مسؤولي المؤسسات الطبية، يبدو أن بلوغ المعايير الضرورية لجودة الخدمات والسلامة العلاجية للمرضى يتطلب دوراً أكبر للهيئة الوطنية للاعتماد في المجال الصحي، التي تم استحداثها عام 2012 وظل دورها اختيارياً غير إلزامي بالنسبة للمؤسسات الصحية العامة والخاصة.
في هذا السياق، ترى الطبيبة سهام السعفي، عضو الهيئة المذكورة، أن "تحسين الجودة يبقى التحدي الأكبر لمختلف المشاركين". لكن يبدو أن تحسين الجودة هذا ينبغي أن يمر باعتماد المعايير الدولية في المنشآت الصحية والطبية، التي يُنتظر أن تجعل من المريض جوهر العمل الصحي وتفرض على كل الأطراف العمل على خدمته وكسب رضاه والحفاظ على صحته وسلامته، مع الأخذ بعين الاعتبار الموازنة بين موارد المؤسسة الصحية المالية وكلفة العلاج المقدم للمريض.