1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

يوميات سورية: أحن إلى خبز دمشق.. إلى خبز بلدي

٣١ يوليو ٢٠١٢

لم يتوقع الدمشقيون في طوابير محطات الوقود ومراكز الغاز إطالة ساعات انتظارهم، لكن للحصول على الخبز هذه المرة، فرغم أن أزمة الرغيف ليست جديدة، لاسيما في المناطق الساخنة، إلا أن غيابها أمر مستجد على سكان العاصمة السورية.

https://p.dw.com/p/15hH8
epa03308058 A video grab made from a handout video made available by Shaam News Network on 16 July 2012, shows a vehicle on fire allegedly on the international road at Naher Aisha area of Damascus, Syria. According to the Syrian Arab News Agency (SANA) on 16 July, authorities chased terrorists in Naher Aisha pushing them to flee to an other area. According to activists, Syrian troops with armoured vehicles deployed in Damascus. Other media sources mentioned clashes between security forces and armed men. EPA/SHAAM MEWS NETWORK/HANDOUT BEST QUALITY AVAILABLE/EPA IS USING AN IMAGE FORM AN ALTERNATIVE SOURCE, THEREFORE EPA COULD NOT CONFIRM THE EXACT DATE AND SOURCE OF THE IMAGE. HANDOUT EDITORIAL USE ONLY/NO SALES
صورة من: picture-alliance/ZB

إنه يوم من أيام رمضان.. عقارب الساعة تقارب الواحدة والنصف ظهراً.. مؤشر درجة الحرارة في السيارة يقارب 45 درجة.. الأرصفة تكاد تخلو من المارة في حين لا يتجاوز عدد السيارات المتوقفة عند إشارة المرور على أوتستراد برزة أصابع اليدين.

"ما الحل؟؟" تسأل شقيقتي بعدما أمضينا نحو ساعتين نجوب شوارع المدينة طولاً وعرضاً بحثاً عن كيس أو ربطة خبز. "رمضان كريم وسوريا بخير"، أعلق في محاولة مني لاستجلاب ابتسامة غابت عن شفاهنا العطشى للخبز الغائب قسرياً عن موائد دمشقية كثيرة. توقفت أفران العاصمة ومخابزها الخاصة عن العمل منذ مساء الجمعة (20 تموز/ يوليو 2012) ولعدة أيام بسبب انتهاء مخصصات الطحين لديها وعدم تمكنها من التزود بكميات جديدة. "هنالك زيادة كبيرة في الطلب بسبب الأحداث الأمنية التي نعيشها منذ منتصف الأسبوع الماضي، نزوح العديد من الأهالي من مناطقهم الأصلية لمناطق جديدة ضمن المدينة زاد من هذا الطلب في أفراننا"، يقول صاحب مخبز خاص في منطقة برزة البلد، محله الكبير الذي كانت أنواع الخبز والمعجنات تزدحم على رفوفه، تبدو اليوم خالية حتى من قطعة كعك.. مخاوف الناس وانتشار الشائعات ساهما بدورهما في رفع الطلب على حد قوله: "من كان يشتري كيسين أو ربطتين من الخبز أصبح يطلب خمسة وهكذا.. لا يمكننا منع الناس من شراء كميات إضافية..الخوف كالجوع كافر"، يضيف وهو يعتذر منا عن عدم توفر أي رغيف للبيع لديه.

Damaged buildings are seen in Al-Rasten near Homs July 27, 2012. Picture taken July 27, 2012. REUTERS/Shaam News Network/Handout (SYRIA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST) FOR EDITORIAL USE ONLY. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS. THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. IT IS DISTRIBUTED, EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS
"هنالك زيادة كبيرة في الطلب بسبب الأحداث الأمنية التي نعيشها منذ منتصف الأسبوع الماضي، نزوح العديد من الأهالي من مناطقهم الأصلية لمناطق جديدة ضمن المدينة زاد من هذا الطلب في أفراننا"صورة من: Reuters

الحال واحد في مخابز منطقة المزرعة والجسر الأبيض وشارع بغداد والتجارة وبقالياتها أيضاً، غالبية البقاليات وضعت إعلانات على أبواب محلاتها تقول: "لا يوجد خبز" تجنباً لاستفسارات وأسئلة لا تنتهي من الزبائن. "الأفران التي تورد لنا الخبز كلها خارج دمشق، والحركة من وإلى المدينة وداخلها صعبة وغير آمنة هذه الأيام"، يقول صاحب بقالية كبيرة في منطقة المزرعة مقترحاً شراء معكرونة أو رز في المقابل لحين توفر الخبز. أساله "هل ستأكل أنت وعائلتك معكرونة عند الإفطار؟ "يضحك بخجل قائلاً: "لا والله ابني الكبير منذ الصباح أمام الفرن الآلي لإحضار الخبز.. الله يوفقه".

نصعد مجدداً إلى السيارة، مؤشر درجة الحرارة مازال ثابتاً على الـ45 وأنا وشقيقتي مازلنا أيضاً على التزامنا الثابت بالحصول على كيس خبز. أشغل الراديو في محاولة لتطرية الأجواء، المذيعة بصوتها المغناج تؤكد أن ما يثار حول نقص مادة الخبز غير مبرر وسببه الشائعات وبعض النفوس المريضة التي تسعى إلى تفريغ المخابز من هذه المادة وإيجاد مشكلة لدى المواطن عبر إثارة مخاوفه بإمكانية فقدان رغيف الخبز!!! وبعد فاصل موسيقي قصير تعود المذيعة لتؤكداً نقلاً عن الشركة العامة للمخابز أن جميع المخابز على جاهزية تامة وتعمل بكامل طاقتها، إضافة إلى زيادة عدد خطوط الإنتاج لاحتواء زيادة الطلب على الرغيف.. وإن الأمور تعود إلى طبيعتها، مشيرة إلى أن إنتاج الشركة يصل يومياً إلى 3000 طن منها 150 طناً في دمشق تغطي 60 بالمائة من العاصمة.

تطمينات المذيعة دفعتني إلى التوجه إلى أفران المخابز الاحتياطية على المتحلق الجنوبي للمدينة نهاية أوتستراد المزة، إلا أن كثرة الحواجز على الطريق دفعتني للامتثال لنصيحة شقيقتي وتغيير وجهتي إلى أفران ابن العميد الأقرب في منطقة ركن الدين.

"قد يأتي عيد الفطر قبل أن نتمكن من الحصول على رغيف واحد" قالت شقيقتي وهي تشهق من مشهد جموع المنتظرين عند الفرن الحكومي. "ما باليد حيلة"، أجبتها ونحن نترجل من السيارة ونسعى للحصول على موطئ قدم في طابور الخبز الطويل.

"هنالك مناطق في ريف دمشق لا يوجد بها أفران وكنا نعتمد على شراء الخبز من الأكشاك بشكل يومي لكن توقف الموزعين عن إيصال الخبز جعلنا نأتي إلى هنا للحصول على كيس خبز"، يقول يامن من قدسيا قبل أن يتقدم خطوتين في طابور الانتظار الذي لا ينتهي.

epa03308058 A video grab made from a handout video made available by Shaam News Network on 16 July 2012, shows a vehicle on fire allegedly on the international road at Naher Aisha area of Damascus, Syria. According to the Syrian Arab News Agency (SANA) on 16 July, authorities chased terrorists in Naher Aisha pushing them to flee to an other area. According to activists, Syrian troops with armoured vehicles deployed in Damascus. Other media sources mentioned clashes between security forces and armed men. EPA/SHAAM MEWS NETWORK/HANDOUT BEST QUALITY AVAILABLE/EPA IS USING AN IMAGE FORM AN ALTERNATIVE SOURCE, THEREFORE EPA COULD NOT CONFIRM THE EXACT DATE AND SOURCE OF THE IMAGE. HANDOUT EDITORIAL USE ONLY/NO SALES
شهدت شوارع دمشق اشتباكات في الأيام الماضية بين الجيش النظامي ومقاتلي المعارضةصورة من: picture-alliance/dpa

أما أم هاني فهي تقف في الانتظار منذ الثانية عشر ظهراً: "أقف أنا في طابور النساء وابني يقف مع والده في طابور الرجال"، وقبل أن استوضح منها سبب ازدواجية الانتظار تسارع للتوضيح: "أهل زوجي في ضيافتنا بعد أن نزحوا من الميدان، نحن الآن 22 شخصاً ونحتاج اليوم إلى أربعين رغيفاً للفطور والسحور على الأقل". حال أم هاني ربما يشابه حال الكثير من السيدات الواقفات معنا في طابور الانتظار، إذ يبدو واضحاً من الإشارات المتبادلة بين طابور الذكور وطابور الإناث أن عائلات كثيرة تتشارك الانتظار سعياً لحصة أكبر من الخبز وربما في محاولات يائسة للاستفادة من قصر طابور الإناث النسبي مقارنة بطابور الرجال.

يعد الخبز من المواد الأساسية المدعومة من قبل الدولة، فتصنيع كيلوغرام من الخبز يكلف نحو 35 ليرة سورية، فيما يباع للمستهلك بتسع ليرات ليكون سعر كيس الخبز الذي يضم حوالي 8 أرغفة نحو 15 ليرة سورية. مؤخراً، حددت الشركة العامة للمخابز البيع للمواطن بثلاثة أكياس يومياً.

نتبادل النظرات أنا وشقيقتي حول جدوى الانتظار في الطابور والساعة تقارب الخامسة عصراً، "بابا انتظر أربع ساعات ثم اتصل بي لآتي وأحل محله في الطابور ريثما يذهب هو لشراء بعض الاحتياجات قبل أذان المغرب"، يقول سامر (15 عاماً).

بعيداً عن الفرن بحوالي 10 أمتار يقف بعض الشباب لم تتجاوز أعمارهم السادسة عشر يبيعون كيس الخبز بـ100 ليرة سورية، يخبرنا سامر بعد أن رفض والده شراء الخبز بهذا السعر، "لكن 100 ليرة أفضل من الانتظار لساعات في هذا الحر ونحن صيام"، يقول سامر بحزن.

"حرام.. ما بيجوز من رب العالمين.. أين الدولة؟ لا تستطيع أن تؤمن الخبز حسناً ولكن فلتمنع استغلال الناس على الأقل"، تقول سيدة ستينية بغضب وهي تغادر الطابور خاوية اليدين، ليتدافع إلى مكانها العشرات من السيدات الطامحات بالاقتراب من نافذة توزيع الخبز.

"100 ليرة... والله حرام" تهمس شقيقتي.. وأنا أدفع المبلغ وأحمل بيدي كيس الخبز، "اليوم فقط.. إذا استمر الوضع هكذا، فعلينا بالمعكرونة" أجيبها مازحة في محاولة مني لتجاوز سخطي من اضطراري لدفع هذا المبلغ للبائع، الذي ودعنا بضحكة صفراء قائلاً: "إذا رغبت في المزيد يمكنك القدوم غداً ستجدينني هنا في نفس المكان"..

مساءاً بعد الإفطار، وأنا أتصفح الأخبار على الفيسبوك استوقفني نداء عاجل من الهلال الأحمر يطالب بمساعدات للمدارس التي تم فتحها للنازحين في العاصمة السورية، ويعرض سلسلة من الاحتياجات اللازمة والمستعجلة لسكان هذه المدارس وعلى رأسها "الخبز". ترى هل سيحصلون هم أيضاً على كيس خبز بـ 100 ليرة أم سيضطرون لأكل المعكرونة؟

ملك كمال – دمشق

مراجعة: عماد غانم

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد