1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ناجية من مجاعة "هولودومور" تتمنى العيش لترى انتصار أوكرانيا

٣ ديسمبر ٢٠٢٢

لوبوف ياروش جدة أوكرانية عمرها يزيد عن قرن. لقد نجت من مجاعة "هولودومور"، التي تسبب فيها نظام ستالين في أوكرانيا قبل تسعين عاما. وتتمنى المرأة، التي عاصرت مآسي أوكرانيا عبر العصور، أن تعيش لتشاهد انتصار بلدها على روسيا.

https://p.dw.com/p/4KLBy
لوبوف ياروش إحدى الناجيات من المجاعة التي تسبب بها نظام ستالين في أوكرانيا قبل تسعين عاما
لوبوف ياروش إحدى الناجيات من المجاعة التي تسبب بها نظام ستالين في أوكرانيا قبل تسعين عاماصورة من: DW

تجلس على أريكة داخل منزلها بقرية خودوركيف الأوكرانية، تفكك خيطًا تلو الآخر، وتشعر السيدة التي تجاوزت عامها المئة بأنها باتت مفعمة بالحياة، فهي تجهز بلا كلل الشباك المموهة التي سوف يستخدمها الجنود على الجبهات في قتالهم ضد العدوان الروسي. ورغم أنها تجد صعوبة في الرؤية والسمع، إلا أن الجدة لوبوف ياروش تعمل بكل ما أوتيت من قوة في مسعى لدعم الجنود الأوكرانيين.

ولدت لوبوف ياروش عام 1920 في قرية بوستيلنيكي بمنطقة زيتومير شمالي أوكرانيا، فيما كانت عائلتها في ذاك الوقت في وضع ميسور الحال فكانت تمتلك دواجن وخنازير وأبقار وخيول، بيد أن القوات السوفيتية صادرت ما تمتلكه العائلة لضم ذلك إلى ما عُرف في حينه بـ "المزراع الجماعية" أو المؤسسات الزراعية الكبيرة الخاصة بالنظام الشيوعي.

وعندما وقعت مجاعة "هولودومور" كانت لوبوف ياروش في عامها الثالث عشر.

يشار إلى أنه بين عامي 1932 و1933، سقط نحو  3.5 ملايين أوكراني ضحايا للـ"هولودومور"، التي تعني بالأوكرانية "الإبادة بالتجويع"، التي ارتكبها النظام الستاليني بمصادرته المحاصيل باسم تشارك الأراضي.

في بداية عام 1931، جرى ترحيل عشرات الآلاف من المثقفين الأوكرانيين إلى سيبيريا، وكان بينهم شعراء وكتاب وفنانون بارزون، فيما لم يبدأ النقاش بشكل عام في أوكرانيا بشأن فظائع هولودومور إلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي.

وكان عام الفين وستة عشر قد شهد إقدام  البرلمان الأوكراني  على تصنيف هولودومور "إبادة جماعية"، إذ يقول مؤرخو أوكرانيا إن ما يقرب من أربعة ملايين شخص قد لقوا حتفهم جراء المجاعة في ثلاثينيات القرن الماضي.

ويوم الأربعاء (30 نوفمبر / تشرين الثاني 2022)، صوّت البرلمان الألماني (البوندستاغ)، على الاعتراف بالهولودومور كإبادة جماعية بعد طلب من أربع كتل برلمانية، هي الكتل الثلاث للائتلاف الحاكم المكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، إضافة إلى كتلة المعارضة المحافظة الممثلة بالاتحاد الديمقراطي المسيحي  والاتحاد الاجتماعي المسيحي.

نصب تذكاري في كييف خصص لتخليد ذكرى ملايين الأوكران الذين لقوا حتفهم خلال المجاعة الممنهجة التي قام بها الاتحاد السوفيتي
نصب تذكاري في كييف خصص لتخليد ذكرى ملايين الأوكران الذين لقوا حتفهم خلال المجاعة الممنهجة التي قام بها الاتحاد السوفيتيصورة من: Bryan Smith/ZUMA Press/picture alliance

"الموت جوعا"

تتذكر ياروش ما وقع في فترة الهولودومور، قائلة: "لم يكن ما نملكه من خبز قديم كافيا ولم نستطيع شراء أو إعداد خبز جديد. حاولنا زراعة بعض البطاطس بتقشيرها لتبقى البراعم سليمة فلم يكن لدينا ما نأكله".

وتابعت أنه في ذلك الوقت حاول البعض البقاء على قيد الحياة من خلال طحن أزهار الزيزفون وعشبة القراص وصنع بعض الكعك، مضيفة "كنا نصنع من الفجل مشروبا ساخنا يشبه الشاي وعندما وجدنا بعض القمح قمنا بعمل بعض الحساء وشعرنا ببعض الاسترخاء".

وقد أدى سوء التغذية إلى إصابة ياروش بالورم حتى أنها لم تتمكن من المشي فيما كان يحملها والدها عند الخروج من المنزل فضلا عن أنها كانت تعاني من هلوسة بسبب فظاعة ما عاصرته خلال تلك الفترة.

"أطفال يموتون في البيوت"

وقالت ياروش إن العديد من الأطفال ماتوا في تلك الفترة جراء الجوع، مضيفة: "كان الأطفال يموتون في المنازل، فيما كان الرجال الذين ما زالوا يتمتعون بعض القوة ينتقلون من منزل إلى آخر، ويرون الأطفال قد لقوا حتفهم داخل منازلهم. فقاموا بجمع جثث الأطفال على عربة وكانوا قرابة عشرة أطفال أو أكثر ثم دفنوهم معا".

كانت أسرة ياروش تتألف من خمسة أشقاء، فيما جرى القبض على الشقيق الأكبر من قبل دورية عندما كان يسعى إلى الذهاب إلى قرية أخرى للبحث عن بعض الفجل لأسرته. وتقول ياروش إن شقيقها تعرض للضرب حتى وافته المنية  فيما توفيت شقيقتها الصغرى بسبب الجوع.

الاوكران يحاولون تنظيم حياتهم اليومية

وأضافت أن والدها اضطر إلى دفنهما وحدة بدون أن يساعده أي شخص، مضيفة "كانت لدينا مقبرة قريبة للغاية. حمل والدي شقيقي الأكبر وقام بدفنه. كان المنظر مرعبا فشقيقي وشقيقتي البالغة من العمر أربعة سنوات بلا ملابس وبلا توابيت لقد دفنا عراة، وقد وجد والدي قطعة قماش وقام بلف جثة شقيقتي بها".

وأشارت ياروش إلى نفوق جميع الأبقار التي جرت مصادرتها ووضعها في مزارع جماعية في ذلك الوقت بسبب عدم قيام أي شخص بالاعتناء بها، مضيفة أنه لم يُسمح للأوكرانيين بأخذ الأبقار النافقة لتناول لحومها رغم اشتداد المجاعة.

وقالت بل إن الجنود الشيوعيين عمدوا حتى إلى تسميم الحيوانات، مضيفة أن "الأوكرانيين على مدى عقود التزموا الصمت حيال هذه الفظائع خوفا من الزج بهم في السجون".

هولودومور أمس أمّا اليوم فالحرب الروسية

وقد كتب للفتاة ياروش النجاة من مجاعة هولودومور، لكن حظها كان سيئا إذ سرعان ما اندلعت الحرب العالمية الثانية، فيما تمكنت من الفرار مرتين من النازيين، الذين سعوا إلى ترحيلها إلى ألمانيا لاستغلالها في معسكرات العمل بالسخرة.

وعن ذلك قالت: "جرى إرغامي على السفر إلى ألمانيا ولكنني هربت. وفي المرة الثانية، حاول الجنود أخذي بعيدا عن المنزل، لكني أمسكت بسكين وقمت بجرح نفسي حتى لا يأخذني الجنود إلى ألمانيا".

ثلاثة من أحفاد لوبوف ياروش يقاتلون في جبهات القتال ضد المعتدين الروس.
ثلاثة من أحفاد لوبوف ياروش يقاتلون في جبهات القتال ضد المعتدين الروس.صورة من: DW

وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية، عملت ياروش، وكانت شابة في ذاك الوقت، في إحدى المزارع الجماعية التي كان يديرها الشيوعيون حيث كانت تعمل في صناعة الخشب وتحديدا في نشارة الخشب.

ومرة أخرى تعاصر الحرب، لكن هذه المرة وقد تقدمت بالسن وتجاوز عمرها مائة عام، بعد أن بدأت روسيا التوغل العسكري في أوكرانيا أواخر فبراير / شباط.

وفي هذا السياق، قالت ياروش "هذه أسوأ حرب. لا أحد يتمنى وقوع مثل هذه الحرب".

ثلاثة أحفاد على جبهة القتال

وعقب اندلاع الحرب، تطوع ثلاثة من أحفاد ياروش للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية في الخطوط الأمامية فيما لم تكن الجدة ياروش تجلس بلا عمل، بل كانت تعمل على تجهيز الشباك المموهة.

وقالت السيدة، البالغة من الأعوام 102، إنها أرسلت تسع شباك ليستخدمها الجنود الأوكرانيين، مضيفة "يستخدم الجنود هذه الشباك للاختباء من القوات الروسية".

وفي كل يوم، تقف ياروش أمام منزلها تنتظر عودة أحفادها، فيما يحدوها الأمل أن تعيش اليوم الذي تعاصر فيه انتصار أوكرانيا  في حربها ضد روسيا.

وفي ذلك، قالت "نتضرع جوعا وعانينا من البرد ويبدو أن معاناتنا لن تتوقف. وننتظر تحقيق الانتصار، وأرغب في أن يطيل عمري حتى أرى هذا الانتصار".

ايرينا اوخينا / م ع