1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عماد الدين حسين: مصر والسعودية.. تهدئة لا تلغي التوتر

عماد الدين حسين
١٦ فبراير ٢٠١٧

في مقاله* لـDW عربية يسلط الكاتب الصحفي عماد الدين حسين الضوء على توتر العلاقات المصرية السعودية بسبب ملفات ساخنة عدة، ليس آخرها تفضيل القاهرة اللافتة القومية مقابل توجه الرياض إلى اللافتة السنية المذهبية.

https://p.dw.com/p/2XcqU
Kolumnisten Emad El-Din Hussein

العلاقات المصرية السعودية الرسمية ما تزال متوترة، لكن يبدو أن الجانبين قررا إدارة هذا التوتر بطريقة لا تجعله يزداد تصعيداً. وبعد أسابيع طويلة من خروج الخلاف إلى العلن، فمن الواضح أنه لن يجد حلاً سريعاً، بالنظر إلى أن ملفات الخلاف جوهرية وليست مسائل طارئة حتى لو ادعى الطرفان عكس ذلك!.

التطور الجديد هو أن البلدين يبدو أنهما قررا تجميد الخلاف وإرسال إشارات تهدئة متنوعة للرأي العام.

في الأسبوع قبل الماضي زار الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الجناح المصري الرسمي في مهرجان الجنادرية الثقافي التراثي، وقال عبارة ملفتة للنظر هي: "مصر قامت.. مصر عادت".

وفي اليوم التالي زار وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل الطريفي نفس الجناح وبعد أن قابل وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، قال إن الذين يعتقدون بوجود خلافات بين البلدين واهمون . ورد عليه  الوزير المصري بعبارات مماثلة. في الفترة ذاتها أدلى وزير الخارجية المصري السفير سامح شكري بحوار مهم مع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية تحدث فيه عن متانة العلاقات بين البلدين.

 وفي الأسبوع الماضي زار الوزير المصري العاصمة الأردنية عمان، وخلال المؤتمر الصحفي مع نظيره الأردني قال إن علاقات مصر والسعودية، لا تحتاج وساطة من أحد.

بالطبع الكلمات الدبلوماسية المعسولة أمر طيب ومحمود إذا كانت ستساعد في تذويب الخلافات، لكن إن تم إطلاقها في الهواء فقط، فلن تجدي شيئاً!!..

وبالتالي فإن المسئول السعودي الذي قال إن من يروج لخلافات بين البلدين واهم، أمر غريب، فالعلاقات متوترة بالفعل، والكلام المصري بعدم الحاجة لوساطة ليس دقيقاً لأن أكثر من طرف عربي لعب أو حاول لعب دور الوساطة.

كلام سامح شكري في صحيفة الشرق الأوسط مهم، لأن أطرافاً سعودية لا تكن كثير الود للوزير المصري، وتعتقد أنه متشدد، وهو أمر غير صحيح، بالنظر إلى أنه يعبر عن رؤية الحكومة المصرية، وليس عن رؤيته الشخصية، وبالتالي فإن محاولة حصر الخلاف في شخص أمر غريب وعجيب!!.

صار معروفاً ومعلناً وجود خلافات واختلافات بين البلدين في أكثر من ملف. المندوب السعودي في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي كان  أول من أخرج هذه الخلافات إلى العلن، حينما قال  في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي:

"كان من المؤلم أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى الموقف التوافقي العربي من موقف المندوب العربي"المصري"، هذا بطبيعة الحال كان مؤلماً ولكن اعتقد أن السؤال يوجه إلى مندوب مصر."

بعدها تفجرت كل الخلافات ووصلت إلى ذروتها، حينما قررت شركة أرامكو الحكومية السعودية وقف تزويد مصر بالشحنات البترولية المتنوعة والتي تبلغ 700 ألف طن شهرياً طبقاً لاتفاق بين البلدين تم توقيعه  مع زيارة العاهل السعودي إلى مصر في أبريل/ نسيان الماضي.

 ويستغرب  بعض المراقبين في القاهرة  من توقيت  القرار السعودي بوقف الشحنات، الذي تم قبل أيام قليلة من دعوات للتظاهر واسع النطاق في 11 نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، وقبل يومين فقط من الانتخابات الأمريكية، التي كان يتوقع كثيرون أن تفوز بها هيلاري كلينتون، وليس دونالد ترامب.

 البعض وجدها صدفة غريبة في التزامن، في حين تقول أطراف سعودية إن الاتفاق كان بين شركات تجارية وليس اتفاقاً حكومياً ملزماً، وبالطبع فالكل يعرف أن كل الاتفاقات العربية المماثلة لا تتم إلا برضا الحكومات ولا تتوقف إلا بغضبها!!

المهم تجمد الاتفاق الذي كان يعطى تسهيلات متنوعة في السعر وفائدة لا تتجاوز ٢بالمئة بعد 15 عاماً.

صار واضحاً أيضاً أن هناك غضباً سعودياً ما يزال مكتوماً فيما يتعلق بملف جزيرتي تيران وصنافير.

 في أبريل/ نيسان الماضي وقعت الحكومتان اتفاقاً تتنازل بموجبه الحكومة المصرية عن الجزيرتين للسعودية، ووصلت القضية إلى المحاكم حيث أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكماً نهائياً بعدم أحقية الحكومة المصرية في التنازل عن الجزيرتين.

لكن الأهم أن غضباً شعبياً مصرياً عارماً وغير مسبوق اندلع ضد الحكومة المصرية، التي يبدو أنها لن تكون قادرة علي السير في طريق تنفيذ الاتفاقية بالصورة القديمة. ويعتقد بعض المراقبين أن الطريقة التي تصرف بها ولي ولي العهد السعودي مع مصر بشأن هذا الملف وكذلك ملفات أخرى ربما تكون ساهمت في تأجيج الصراع والأزمات وليس تهدئتها.

هناك خلافات أيضاً بين البلدين بشأن ملفات أخرى، أهمها كيفية النظر والتعامل مع ملف الإسلام السياسي. مصر تقول إنه لا يمكن مصالحة أو مهادنة هذا التيار الذي يرفع السلاح ضد الحكومة  والشعب، وأنه لا يوجد فارق كبير بين داعش والقاعدة والإخوان إلا في الدرجة لأن المنبع  واحد. في حين أن هناك رؤى سعودية تقول إنه لا بديل عن التعاون والاعتماد على بعض فصائل هذا التيار خصوصاً في مواجهة ملف التوغل والتغلغل الإيراني في المنطقة الذي يرفع اللافتة الشيعية.

 وبينما تفضل القاهرة اللافتة القومية، تتجه الرياض إلى اللافتة السنية المذهبية في أكثر من مكان خصوصاً اليمن والعراق وسوريا ولبنان.

مجيء ترامب إلى السلطة في أمريكا ربما اقنع الرياض بالتهدئة مع القاهرة، لأنه يبدو وكأنه ثور هائج في متحف للخزف. ورغم  الترحيب السعودي بصدام إدارة ترامب مع إيران، إلا أنها لا تعرف أين سيتوقف هذا  القطار المندفع، وبالتالي فليس من الحصافة أن تتصادم مع القاهرة في هذا الوقت خصوصاً أن علاقة الأخيرة طيبة للغاية مع واشنطن، حتى الآن!.

كما أنه ليس من مصلحة مصر بطبيعة الحال أن تدخل في صدام مع السعودية ليس فقط بسبب المساعدات البترولية، ولكن لوجود أكثر من مليوني مصري يعملون في المملكة،ويقومون بتحويل الجزء الأكبر من العملة الصعبة لبلادهم.

 والأهم أن هناك تهديدات وجودية تخص مستقبل المنطقة العربية ويعتقد العقلاء في الجانبين أنه من دون التنسيق والتعاون فإن فرص "الآخرين" لإعادة رسم خريطة المنطقة تبدو سهلة للغاية. ويطالب  هؤلاء العقلاء بوجود آلية لإدارة خلافات البلدين بصورة متحضرة، بحيث يتم تجنيب الخلافات، والرهان علي ما يجمع البلدين وهو كثير..

في كل الأحوال، فإن الأوضاع تبدو شديدة الضبابية والسيولة في علاقات البلدين وإذا كانت هناك ملفات خلافية كثيرة، إلا أن المحاولات لتهدئة الأمر وتجميده على الأقل لم تتوقف حتى الآن.

عماد الدين حسين، كاتب صحفي مصري 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد