1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ما مصير أكثر من نصف مليون مفقود في العراق؟

٣١ أكتوبر ٢٠٢٠

توالت الحروب علي العراقيين ليختفي مئات الآلاف منهم مخلفين ورائهم عائلات وأحبة ما زالوا في الانتظار رغم مرور سنوات طويلة على الغياب. فمن المسؤول عن البحث عن المفقودين، وهل من أمل في العثور عليهم؟

https://p.dw.com/p/3kcrG
ما يزال مصير مئات الآلاف من العراقيين المختفين بسبب الحروب مجهولا، هل تفلح الجهود العراقية والدولية في الكشف عن مصيرهم؟
خلال االحروب في العراق اختفى الآلاف تحت أنقاض أحياء كثيرة في مدن عديدة كما في الموصل خلال تحريرها من تنظيم داعش الإرهابيصورة من: UNESCO

لم يتبقى منه سوى بضع قطع من النقود وساعة يد وقلم وقلادة معدنية تحمل اسمه، استطاعت السلطات العراقية التعرف منها على هويته. فقد أعلنت العام الماضي عن العثور على رفات الجندي عبد الأمير حاج جبار  الجادري، "بعد أن جرفته السيول من إيران نحو بلدة المشرح العراقية التابعة لمحافظة ميسان جنوبي البلاد"، وفقا لموقع صحيفة الصباح اليومية. وتداول العراقيون حينها الخبر بشأن الجندي المفقود خلال حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، والتي اندلعت عام 1980 واستمرت لثماني سنوات، ليتم تشييع جنازة الجندي بمسقط رأسه في جنوب العراق.

وبالرغم من النهاية الحزينة لذلك الجندي والكشف عن مصيره بعد نحو  40 عاما منذ اختفائه، فعلى الأقل حصلت أسرته أخيرا علي خاتمة لمعاناتهم. ولكن ماذا عن الآلاف الأخرين من المفقودين بالحروب التي توالت علي العراق الواحدة تلو  الأخرى.

"احتجاز تحت مسميات أخرى"ّ؟

أربعون عاما من البحث والانتظار لم تفقد أسرة الجندي العراقي "حربي رعيد فهد" الأمل في العثور على ابنها المفقود منذ حرب العراق مع إيران بثمانيات القرن الماضي.  وفي حوار أجرته DW عربية، يحكي مادح رعيد فهد، شقيق الجندي المفقود، عن طرق أسرته لعدة أبواب بحثا عن ابنها المفقود عقب التحاقه بالجيش العراقي بعد أسبوع واحد فقط من زواجه بشهر يوليو عام ١٩٨٢. ويقول مادح: "توجهنا لعدة جهات بعهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وكانوا يقولون لنا باستمرار  إنه سيعود. وبعد سقوط النظام العراقي توجهنا للمسؤولين الجدد أيضا، ولكننا لم نعثر على شيء". 

ويشير مادح إلى توارد أخبار لأسرته بشأن وجود شقيقه بأحد السجون الإيرانية، ليقرر منذ عامين السفر بنفسه إلى إيران بحثا عن شقيقه هناك. وتواصل مادح هناك مع عدد من الجهات الرسمية والمسؤولين، على حد قوله، ليعلم أن شقيقه ربما يكون ضمن المحتجزين"تحت مُسمى سجين وليس كأسيرحرب". ويضيف مادح أن السلطات الإيرانية ربما أعطت شقيقه أسما فارسيا بالسجلات"، ما يصعب من مسألة الوصول له.

مئات الآلاف اختفوا في حروب العراق التي بدأت قبل 40 سنة ولم تجد نهايتها حتى الساعة
مادح رعيد فهد، عراقي يبحث عن شقيقه منذ أربعين سنة عندما اختفى في خضم الحرب العراقية الإيرانيةصورة من: Privat

المفقودون منذ أيام البعث وحتى اليوم

ويصف مدير دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية بالعراق ضياء طعمة في حوار أجرته DW عربية، ملف المفقودين في العراق بالـ "شائك والمعقد جدا" بسبب المراحل والحروب التي مرت بالعراق وما وقع بكل منها من حالات اختفاء، بداية من نظام البعث وما خلفه من "تغييب قسري ومقابر جماعية"، على حد وصف ضياء، ووصولا إلى الحرب الأمريكية عام 2003 وما تلاها من عمليات إرهابية على يد تنظيم القاعدة أو  تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لاحقا وغيرها من المجموعات المسلحة.  

ويقول طعمة: "نستقبل بمشاركة دائرة الطب العدلي الأسر التي تقوم بمليء استمارة للإبلاغ عن المفقودين… ثم نجمع عينة دم من أسرة المفقود حيث نعمل حاليا على إنشاء قاعدة بيانات لمطابقة العينات مع الرفات التي يتم العثور عليها بالمقابر الجماعية بإجراء تحليل الجينات الوراثية/ DNA للتمكن من تحديد هوية المفقود". ويوضح طعمة أن جميع حالات الفقدان هي من اختصاص دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية، "باستثناء البحث عن مفقودي الحرب مع إيران والحرب مع الكويت حيث تتولى وزارة الدفاع العراقية هذا الملف بالتنسيق مع الصليب الأحمر".

و في حوار أجرته DW عربية ، ترى المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق ICRE، سحر توفيق، أن الجزء الأكبر من المشكلة يتمثل في "غياب قاعدة بيانات موحدة لجميع المفقودين في العراق". وتشرح سحر: "لا يتم التبليغ عن كافة المفقودين فالكثير من أهالي هؤلاء ليس لديهم علم بما يجب القيام به، وبعض المفقودين يتم تسجيلهم بوزارة الداخلية والبعض الأخر بوزارة الدفاع ومجموعة ثالثة مسجلة لدى الصليب الأحمر، ما يصعب حصر جميع الحالات".

وينظم قانون شؤون وحماية المقابر الجماعية رقم 13 لسنة 2015 أليات البحث والتحري والتحقيق عن المفقودين والمقابر الجماعية بالعراق. ولا يقتصر عمل المؤسسات الدولية بملف المفقودين في العراق على الصليب الأحمر فقط، حيث تعمل الحكومة العراقية بالمشاركة أيضا مع كل من اللجنة الدولية لشؤون المفقودين/  ICMP وفريق التحقيق الدولي التابع للأمم المتحدة/ UNITAD.

ففي عام 2017، عقب سقوط بعض المحافظات العراقية بقبضة تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش، صدر قرار من مجلس الأمن الدولي بتشكيل فريق أممي يتولى مساعدة العراق في التحقيق بالجرائم التي ارتكبها التنظيم هناك، ومن ضمنها جرائمالاختفاءوالمقابرالجماعية.

العثور على المفقودين بطريقة غير معقدة

ويتم العثور على المفقودين أحيانا "بأسهل طريقة" على حد وصف المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالعراق، سحر توفيق، حيث يقومون بزيارة غالبية السجون سواء كانت تابعة لوزارة الداخلية أو الدفاع أو العدل للبحث عن المبلغ عن فقدانهم بقواعد بيانات المسجونين، وتبليغ الأهالي في حالة العثور عليهم.

وتقول سحر: "بمجرد حصول الأسرة على خاتمة لقصة ابنها المفقود، تحصل على الراحة حتى لو أخبرتها بالعثور على رفاته ودفنه لأن ذلك يعني أن له قبر يمكنهم زيارته. أما المصير المجهول فهو من أصعب ما يواجه الشخص". ولا توجد إحصائية دقيقة عن أعداد المفقودين بالعراق، نظرا لغياب سجل موحد بجميع الحالات، إلا أن العدد المطروح "تقريبي" ويتراوح ما بين ٥٠٠ ألف لحوالي مليون منذ عام ١٩٦٨ و حتى الآن، وفقا لتقارير دولية.

ومن جانبه، يوضح مدير دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية بالعراق، ضياء طعمة، أن العراق بصدد إنشاء "لجنة تنسيقية" تتكون من عدة وزارات بهدف تحديد نافذة واحدة مخصصة للإبلاغ عن المفقودين، ومن ثم البدء في عملية البحث لدى كافة الجهات التي قد يكون المفقود محتجر لديها. ويضيف طعمة: "بعد إنشاء هذه اللجنة التنسيقية، سيتم إنشاء سجل وطني للمفقودين  بتفاصيل موحدة، ولكن الأمر يحتاج إلى وقت ولتدخل تشريعي".

مراسلون - العراق: العودة الى الجنة المفقودة

"قلبي يحدثني أنه على قيد الحياة"!

وتخشى أسر بعض المفقودين في العراق من "نسيان أبنائهم" في زخم ما تعاني منه العراق من مشاكل أمنية وسياسية واجتماعية واقتصادية، وبالتالي يكون تركيز الجهات المعنية في البحث على المفقودين مؤخرا فقط وليس من اختفى أثرهم منذ سنوات طويلة.

وتؤكد المتحدثة باسم الصليب الأحمر على اهتمام المنظمة بالجميع "بغض النظر عن فترة التغيب"، وتقول: "معاناة الأسر واحدة بغض النظر عن المدة، فأمهات وزوجات المفقودين منذ حرب الخليج الأولى ما زالوا ينتظرون أبنائهم ومازال لديهم أمل وتظل الصفحة مفتوحة، وبعضهم لا يحتفل بأي مناسبة سعيدة لأنهم في انتظار عودة الغائب".

ومازال مادح هو  الأخر في انتظار عودة الغائب ويدعو الجميع لمساعدته في البحث عن شقيقه، ويقول: "من المفترض أن يكون عمر أخي حاليا نحو 62 عاما. أشعر أن من واجبي الاستمرار في البحث عنه، فأنا أنظر حولي لمن هم في مثل عمره اليوم وأراهم ما زالو ا يتمتعون بالصحة والعافية وقلبي يحدثني أنه مازال على قيد الحياة"!

ولم يفقد مادح الأمل في العثور علي أخيه، فهو في انتظار رحمة الله به بينما اسم شقيقه حربي لا يرحل أبدا عن باله، على حد قوله. فهل يعود حربي وآلاف غيره من المفقودين لوطنهم قريبا؟!

دينا البسنلي

 

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات