1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حقوق المرأة في تونس .. تشريعات وردية وواقع مرير

١٣ أغسطس ٢٠٢١

غالبا ما تتباهي النخبة السياسية في تونس بالتشريعات الفريدة، التي تعطي المرأة حقوقا غير مسبوقة في العالم العربي. لكن الصورة على أرض الواقع مختلفة، خصوصا منذ وقوع ثورة 2011، بحسب نساء تونسيات تحدثن لـDW عربية.

https://p.dw.com/p/3yxxm
نساء يتظاهرن ضد بطالة النساء في عيد المرأة في تونس (13 أغسطس/ آب 2021)
سيدات تونسيات تقمن بالاحتجاج على "بطالة المرأة" التي انتشرت في تونس منذ وقوع الثورة. (تونس 13 أغسطس/ آب 2021)صورة من: Khaled Nasraoui

قدمت فاطمة الطرابلسي (43 عاما) من منطقة منوبة القريبة من العاصمة التونسية للمشاركة في وقفة احتجاجية دعت إليها عاطلات عن العمل من أجل المطالبة بتطبيق قانون معلق، صدر قبل عام ويدعو إلى انتداب العاطلين من خريجي الجامعات ممن فاقت بطالتهم 10 سنوات.

 

وبينما كان يفترض أن تكون المناسبة هي يوم الاحتفاء السنوي بـ"عيد المرأة" التونسية، الذي يوافق إصدار قانون الأحوال الشخصية يوم 13 أغسطس/ آب عام 1956، والذي منح حقوقا واسعة للمرأة التونسية تعد استثنائية في المنطقة العربية، فإن العاطلات اخترن هذا التاريخ الرمزي ليكون هذا العام موعدا للمطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبتكافؤ الفرص في الانتداب بالوظيفة العمومية.

لكن فاطمة تفاجأت بتواجد مكثف لقوات الشرطة في شارع الحبيب بورقيبة، حيث تم منع الوقفة الاحتجاجية وتفريقها بينما اصطفت العربات الأمنية أمام مبنى المسرح البلدي؛ لتحول دون تجمع المحتجات من العاطلات عن العمل.

ولم توضح الشرطة سبب المنع بشكل صريح ولكنها على الأرجح كانت متسقة مع الاجراءات الأمنية المرافقة للتدابير الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد يوم 25 يوليو/ تموز بتعليق عمل البرلمان وإقالة الحكومة وتوليه السلطة التنفيذية بالكامل في أعقاب احتجاجات في الشوارع، بالإضافة إلى حالة الطوارئ السارية في البلاد منذ 2015.

عربات الأمن التونسي اصطفت العربات أمام مبنى المسرح البلدي في العاصمة (13 أغسطس/ آب 2021)
عربات الأمن التونسي اصطفت أمام مبنى المسرح البلدي في العاصمة لمنع تجمع المحتجات من العاطلات عن العمل.صورة من: Khaled Nasraoui

بطالة قسرية وقانون معلق

مع ذلك تجمعت فاطمة وعدد من العاطلات وسط الشارع لإعلان مطالبهن إلى وسائل الإعلام وأمام أنظار الشرطة التي ظلت ترقب الوضع عن كثب. وأول تلك المطالب تفعيل قانون يطلق عليه "قانون 38" للانتداب من ّأجل حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة.

وتقول فاطمة الحاصلة على شهادة تقني متخصصة في شؤون الإدارة، وهي عاطلة عن العمل منذ 2007 "جئت للمطالبة بإدراجنا في قانون 38. في سن 43 عام ولا أجد أفق واضح بعد". وتضيف لـDW عربية: "انفصلت عن زوجي وحتى الارتباطات الجديدة فإنها تتوقف دائما على العمل وعلى دخل قار. لا أحد يرضى بزوجة لا تعمل اليوم"، وتتابع بتحسر "كل ما نطلبه اليوم هو مرتب يحفظ لنا كرامتنا".

وتعد فاطمة من بين أكثر من 60 ألف عاطلِ فاقت بطالتهم عشر سنوات ولكن نسبة الإناث بينهم ليسة واضحة. وإجمالا تبلغ نسبة البطالة في تونس 8ر17 بالمئة حسب آخر إحصاء في 2021 تمثل بطالة النساء فيها 8ر23 بالمئة مقابل 15 بالمئة للذكور.

احتجاجات على بطالة النساء في "عيد المرأة" التونسية (تونس 13 أغسطس/ آب 2021)
نساء تونسيات انتهزن فرصة "عيد المرأة" وخرجن للمطالبة بوظائف بعد ازدياد نسبة البطالة بينهن خصوصا. (تونس 13 أغسطس/ آب 2021)صورة من: Khaled Nasraoui

بدأت فاطمة العمل في القطاع الخاص في أعمال عرضية وبمقابل منح محدودة تعادل 150 دينارا شهريا مع إضافة منحة معادلة من الدولة لتحصل في النهاية على 300 دينار تونسي (حوالي 92 يورو).

ويعد هذا الدخل ربع المرتب الحقيقي المعادل لشهادتها الجامعية. وتصف فاطمة هذا الوضع قائلة "هذا استغلال فاحش. نحن نتحدث عن وضع في كنف الثورة منذ 2011 واستمر على نفس الحال حتى عام 2017".

وتعترف فاطمة بأن "الافتقاد إلى العمل وإلى مرتب مناسب مثَّلَ عاملا إضافيا في فشل الارتباطات من أجل الزواج".  وتضيف عن ذلك "تتفادى الأغلبية ذكر هذا لكن هذا هو الواقع".

تشريعات رائدة ونقائص

غالبا ما تتباهي النخبة السياسية في تونس بالتشريعات المتقدمة، التي وضعتها الدولة منذ فترة حكم الزعيم الليبرالي الراحل الجبيب بورقيبة باني دولة الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي. وكان أبرزها قانون الأحوال الشخصية لعام 1956، الذي منع تعدد الزوجات والزواج العرفي وفرض الطلاق في المحاكم المدنية وحق المرأة في طلب الطلاق وشرط موافقة الزوجة على الزواج دون إرغام.

وخلال العقد الأخير أزالت السلطة كل العقبات أمام حق المرأة في الزواج بغير المسلم وأصدرت قانونا يجرم العنف ضد المرأة بما في ذلك العنف الأسري. وطرح الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي مبادرة من أجل إقرار المساواة الكاملة في الميراث بين الجنسين لكنها ظلت مبادرة معلقة بعد رحيله في 2019 وفي ظل تحفظ الطبقة الدينية وعدد من الأحزاب.

غير أن الواقع لا يبدو ورديا على عكس ما تشير إليه التشريعات والمبادرات القانونية. وتقول فاطمة "الوضع ازداد تدهورا من ناحية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية".

وتوضح يسرى ناجي، ممثلة عن المعطلين في قانون 38، لـDW عربية "لم يتغير شيء عن الفترة السابقة للثورة. نطلب من الرئيس قيس سعيد أن ينصت إلينا. مطلبنا تطبيق القانون لأنه كان مجرد لعبة سياسية بيد الطبقة الحاكمة".

قبل عام، زار الرئيس وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، الذي يقدم نفسه نصيرا للطبقة الكادحة، حقلا زراعيا بالمنطقة الريفية في ولاية جندوبة وتعهد للنساء العاملات في جني المحاصيل بتمكينهن من حقوقهن فيما يرتبط بالمساواة في الدخل مع الرجل. وكانت تلك المبادرة في أعقاب سلسلة من حوادث السير المأساوية التي ذهبت بأرواح العشرات من العاملات في وسائل نقل عشوائية وخطيرة.

ويتقاضى النساء اللاتي يشكلن اليد العاملة الأساسية في القطاع الزراعي في تونس بأكثر من نصف مليون عاملة معدل ما بين 10 و 20 دينارا في اليوم (ما بين 3 و6 أورو) ومن دون تغطيات اجتماعية، مقابل ثماني ساعات عمل في اليوم. وقال الرئيس وأستاذ القانون الدستوري آنذاك "ستأتي التشريعات التي ستمنحكن حقوقكن"!

ولكن وفي ظل الأزمة السياسية التي تعصف بتونس ومع تعطل أشغال البرلمان، الذي جمد سعيد اختصاصاته، ليس واضحا متى ستوضع تلك التشريعات.

غياب التمكين الاقتصادي

وتشير الناشطة الحقوقية سوسن جعادي، العضو بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة غير حكومية)، إلى إن المرأة في تونس، وعلى الرغم من التشريعات المهمة التي تحميها، لم تبلغ بما يكفي مرحلة التمكين الاقتصادي بدليل أن نسبة تملك المرأة للأراضي الفلاحية لا يتعدى 5 بالمئة.

مطالب للرئيس التونسي قيس سعيد في "عيد المرأة" التونسية (13 أغسطس/ آب 2021)
بما أن الرئيس قيس سعيد أستاذ قانون دستوري ويقدم نفسه نصيرا للطبقة الكادحة، توجهت هذه المتظاهرة إليه مباشرة بالشكوى من البطالة. صورة من: Khaled Nasraoui

وتضيف جعادي لـDW عربية: "لم نبلغ بعد مرحلة المساواة الفعلية التامة كما ينص على ذلك الدستور مادام هناك فارق في الأجور بين الجنسين يصل إلى مستوى 17 بالمئة ومادام لم يصدر قانون للمساواة في الميراث".

ولا تقف الانتكاسة خلال العقد الأخير عند الحقوق الاقتصادية، اذ تشير الاحصاءات الرسمية إلى تدنٍ مقلق في وضع المرأة مقارنة بنسب التفوق الواضحة في قطاعات التعليم مثلا حيث يمثلن 65 بالمئة من الحاصلين على شهائد عليا.

وفي مقابل ذلك لا تستحوذ المرأة التونسية سوى على 25 بالمئة من المناصب القيادية (في خطة مدير) و8 بالمئة في التمثيل الديبلوماسي، كما تراجع تمثيلها في البرلمان بعد انتخابات 2019 إلى 23 بالمئة بعد أن كانت في حدود 36 بالمئة إثر انتخابات 2014، وذلك على الرغم من إقرار قانون التناصف في القائمات الانتخابية إلى جانب تمثيلها الضعيفة في النقابات، وفق ما ذكرته جعادي.

وتقول الناشطة الحقوقية "إن الوضع الأكثر قتامة أن العنف ازداد ضد المرأة خلال فترة الجائحة. وهناك تعقيدات في التطبيق السليم للقوانين الرادعة كما هناك نقص في اجراءات الوقاية من العنف وندرة مراكز الايواء للنساء اللاتي يتعرضن للعنف".

تونس - طارق القيزاني

فقدان قوانين حماية المرأة التونسية في يومها