1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

جندي ألماني يحكي عن كابوس الحرب في أفغانستان

أندريا غرونو/ عبد الرحمان عمار ١٧ مايو ٢٠١٢

رغم عودتهم إلى بيوتهم لاتزال أشباح الحرب تطارد الجنود الألمان الذين حاربوا في أفغانستان. تجربة الحرب خلقت لديهم اضطرابات نفسية وتسبب لهم المعاناة. الجندي كرويتسر يروي قصته ويوجه النقد لسياسة حكومة ألمانيا في أفغانستان.

https://p.dw.com/p/14pkI
In this Monday, Sept. 19, 2011 photo, a German soldier rests during a break while on long term patrol near Char Darah, outside Kunduz, Afghanistan. As the U.S. and NATO mark 10 years of war in Afghanistan, a grim picture emerges from scores of interviews over six months across the country with ordinary Afghans, government officials, soldiers, and former and current Taliban. (ddp images/AP Photo/Anja Niedringhaus)
صورة من: AP

"كانت أياما سوداء، حياتي لم يعد لها أي معنى يُذكر". هكذا يتذكر الجندي ماركوز  كرويتسر، (اسم مستعار)، الأوقات الصعبة التي أمضاها في أفغانستان كجندي في وحدة القوات العسكرية الألمانية الخاصة (KSK)، وهي الأوقات التي كانت بالنسبة للجنود كابوسا حقيقيا.  ذهب كرويتسر في خمس مهمات عسكرية إلى أفغانستان وأدى عمله على نحو جيد، سواء عند القفز من الطائرات بالمظلات في أماكن تواجد الـ"عدو"، أو خلال المعارك الطويلة ضد المتمردين الأفغان، أو عندما قام ببتر رجل أحد رفاقه من الجنود.

 بعد عودته من أفغانستان حصل كرويتسر على وظيفة جديدة في الجيش الألماني وهي تحضير الجنود الشباب للتدخلات العسكرية في أوقات الحرب، لكن في مرحلة معينة لم يعد قادرا على مواصلة العمل ويقول "لم أعد قادرا على النظر في وجوه جنود المظلات الشباب، لأنني أعرف أنه في أسوأ الاحتمالات، سيعودون جثثا هامدة إلى ألمانيا".

كان كرويتسر في السابق  شخصا متفائلا وكان يتواصل مع محيطه بشكل جيد، أما الآن فقد صار عدوانيا وأصبح مدمنا على الكحول ومحبا للعزلة. منذ حوالي سنتين انتبه أحد رؤسائه إلى حالته الصحية  فنصحه بأن يترك وحدة القوات العسكرية. ازدادت حالة كرويتسر سوءا ولم يعد قادرا على النوم، وأصبحت أفكار وضع حد لحياته تراوده باستمرار.

شبح الأموات يطارده

من بين المشاهد التي لم يستطع كرويتسر نسيانها، أعضاء بشرية متناثرة هنا وهناك لسبعة أطفال أفغان بعد أحدى العمليات الانتحارية. حتى رائحة الجثث المتفحمة للجرحى أو الموتى من رفاقه الجنود أو الأطفال الأفغان لازال يشمها، فيضطر بعدها للتقيؤ. يقول كرويتسر "الأموات حاضرون بشكل دائم أمامي، يذهبون ويعودون. لكنهم لن يذهبوا هذه المرة !". في السابق لم يكن كرويتسر أبا بعدُ، لأنه يعتقد أنه ليس من باب المسؤولية أن يكون أبا وفي نفس الوقت جنديا في وحدة القوات العسكرية.

من بين التجارب السيئة التي يتذكرها كرويتسر أيضا، استخدام طالبان للأطفال والنساء كدروع بشرية أثناء نشوب المعارك. " حينما كنا نذهب إلى المناطق التي يطلق منها طالبان النار علينا نجد أنهم ربطوا الأطفال في النوافذ، وهم يعرفون جيدا أننا لن نطلق النار على أماكن يتواجد فيها المدنيون. هناك رأيت الوجه غير الإنساني لطالبان". ويعترف الجندي كرويتسر أنه لم يطلق النار يوما على النساء أو الأطفال، لكنه رأى بأم عينيه رفاقه وهم يموتون بنيران طالبان. " ذلك المحارب الشاب من الجبهة الأخرى لديه أيضا أب وأم مثلي، ويمكن أن يكون متزوجا ولديه أبناء. هو يحارب من الجبهة الأخرى، لكن أيُّ الجبهتين على حق؟ يجب على المرء طرح سؤال حول الأمر". هذا الحوار الذهني كان كرويتسر يردده عندما كان في قلب المعركة في أفغانستان، في البدايات الأولى لعمله في الجندية كان مثاليا، أما الآن فقد أصبح يطرح أكثر من تساؤل.

German soldiers with the NATO- led International Security Assistance Force (ISAF) stand guard near the side of a road side bomb blast, in Kunduz, Kunduz province north of Kabul, Afghanistan, Saturday, Sept. 5, 2009. (ddp images/AP Photo/Musadeq Sadeq)
الجنود يغامرون بحياتهم كل لحظةصورة من: AP

"الجنود يعيشون على هامش المجتمع ولا يحظون بالاعتراف".

أنجبت عائلة كرويتسر مجموعة من الأبناء الذين عملوا في الجندية رغبة منهم في الدفاع عن مواطني بلدهم ألمانيا في كل مكان في العالم، لكن كرويتسر أصبح ينظر إلى الأمر نظرة نقدية حيث يقول " نعيش كجنود على هامش المجتمع ولا نحظى بالاعتراف". ويعتبر كرويتسر من بين الجنود الأوائل الذين التحقوا بوحدة القوات العسكرية الخاصة في أفغانستان. في بداية الحرب عمل كرويتسر مع عناصر الوحدة الألمانية التي كانت تحت قيادة القوات الأمريكية، وكانت مهمتهم هي تمشيط أماكن تواجد خلايا طالبان وتحديد الأهداف. هذه المهمات كانت تحظى بالسرية التامة وهو ما يعتبره كرويتسر اليوم خطئا " لا يجب الإفصاح عن كل تفاصيل العمليات لكن الجنود في حاجة إلى مساندة المواطنين".

خيبة الأمل من القيادة

كان كرويتسر ينتظر أيضا دعما من طرف باقي القيادات العسكرية خارج وحدة القوات العسكرية الخاصة. ويحكي بنبرة ممزوجة بمشاعر الغضب أن بعض القيادات العسكرية لم تسمح بإنزال العتاد العسكري من الشاحنات "لأنهم لم يفهموا بعد أننا في قلب المعركة". ويضيف "كان بعض القادة يظنون أن اللطافة وحسن المعاملة  كافيين لتسوية الوضع. هذه الطريقة لم تنجح لا في الشمال ولا في الجنوب"، كما يقول. ويتأسف كرويتسر على أن" السياسيين صدقوا أصحاب هذه الأفكار".

Bundeswehrsoldaten gehen am Mittwoch (31.08.2011) nahe Kundus im Distrikt von Char Darreh auf eine Mission, um in Kontakt mit der Bevölkerung zu bleiben. Die Bundeswehr wird im Norden Afghanistans immer wieder in Gefechte verwickelt. Foto: Maurizio Gambarini dpa
الجنود يحاولون التواصل مع السكانصورة من: picture-alliance/dpa

"إذا خرجنا من أفغانستان سيصبح البلد من جديد في قبضة طالبان"

 ويتقزز كرويتسر من النهاية التي سيؤول إليها التدخل الألماني في أفغانسان حيث يقول " سنخرج من أفغانستان سنة 2014 وفي سنة 2015 سيصبح البلد من جديد في قبضة طالبان" ويرى أن " ماقام به مع زملائه لم يغير شيئا "، ويضيف "لقد تم استنفاذ قوى الجنود من أجل لاشيء. حتى النجاح الذي تتحدث عنه المستشارة ميركل لا أراه بعد في الواقع". ويقترح كرويتسر تغيير إستراتيجية التدخل العسكري قائلا "عوضا عن إرسال الجنود يجب استخدام الأقمار الاصطناعية لمراقبة تحركات العدو، وبعد تحديد الأهداف يجب إرسال القوات الخاصة لضرب مواقع العدو وتقوم بمغادرة المكان مباشرة بعد القيام بالعمليات، هكذا سيتم تفادي سقوط العديد من الضحايا في صفوفنا ونقوم بتوفير المليارات من اليورو. لكن  الأمر يبقى مجرد فكرة".

Durchsuchung eines Wagens durch afghanische Polizei in Kunduz im November 2011. dpa 28545756
القوات الدولية تحاول تدريب الشرطة الأفغانية لمكافحة خطر طالبانصورة من: picture-alliance/Ton Koene

فشل في الحياة الزوجية بسبب الجندية

ولا يتمنى كرويتسر أن يلتحق أبناؤه بالجندية، لكنه في المقابل يتمنى أن يحكي يوما ما لأبنائه عن تجاربه كجندي في أفغانستان. فقد فشل زواجه مرتين بسبب الجندية وهو ماحصل للجنود اللآخرين. لكن بعد زواجه مرة أخرى وبعد أن صار أبا،  كان ذلك بالنسبة له عاملا مساعدا لبدء فصول حياة عادية. ويزور كرويتسر طبيبا نفيسا باستمرار بهدف التخلص من الاضطرابات النفسية التي تراوده كما هو الحال عند باقي الجنود الآخرين. فحسب إحصاءات الجيش الألماني فقد وصل عدد المرضى بالاضطرابات النفسية من الجنود حوالي 922، رغم أن جهات أخرى ترى أن العدد أكبر بكثير.

ويأمل كرويتسر أن يهتم الساسة الألمان بوضعية الجنود الذين يتم إرسالهم إلى الحرب قائلا "نحن أيضا ألمان ونحن جزء من هذا الشعب". فبالرغم من أن الوضعية المادية لكرويتسر مستقرة لكونه موظفا في الجيش الألماني، إلا أن جنودا آخرين يجدون صعوبات لتلبية  متطلبات الحياة بعد عودتهم من الحرب وإصابتهم باضطرابات نفسية تمنعهم من مواصلة عملهم في الجندية.

أندريا غروناو/ عبد الرحمان عمار

مراجعة:هبة الله إسماعيل

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد