1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

توارث عائلاتٍ السلطة والحكم .. آفة أفريقيا بعد الاستعمار

١٨ يناير ٢٠٢٢

احتكار عائلات للسياسة في أفريقيا ليس بالأمر الجديد حيث توجد في القارة عائلات تتوارث السلطة وتنقل الحكم والسلطة إلى أبنائها. وإزاء ذلك، يقول خبراء إن هذا الأمر يضر بالتنمية في أفريقيا ويثير أزمات طاحنة.

https://p.dw.com/p/45LSc
أوهورو كينياتا هو رئيس كينيا وهو أيضا نجل جومو كينياتا أحد رموز حركة التحرر وأول رئيس لكينيا بعد استقلالها
أوهورو كينياتا هو رئيس كينيا وهو أيضا نجل جومو كينياتا أحد رموز حركة التحرر وأول رئيس لكينيا بعد استقلالهاصورة من: Metin Aktas/Anadolu Agency/picture alliance

احتكار عائلات للسياسة وتوريث السلطة والحكم والزعامة السياسية أيضا ليست بالأمر الجديد في أفريقيا، إذ إن القارة السمراء تضم أسراً وعائلات تترأس السلطة وتنقلها إلى أبنائها مثل عائلات "موي" و "كينياتا"و "أودينغا" في كينيا و"غناسينغبي" في توغو و "ديبي" في تشاد و "بونغو" في الغابون و"أكوفو أدو" في غانا وغيرها.

ولا يتوقف الأمر على الدولة الأفريقية القديمة فحتى الدول التي نالت استقلالها حديثا تسير في ركب التوريث، فقد ذكرت تقارير أن رئيس جنوب السودان – الدولة الوليدة – سيلفا كيير ميارديت يقوم بإعداد نجله ثيك ميارديت لخلافته عندما تُجرى الانتخابات الرئاسية العام المقبل.

وإزاء ذلك، يرى المراقبون أن ظاهرة "توريث السلطة" بين العائلات تعيق  انتقال السلطة  وتجعل الأمر حكرا على عائلات بعينها ما يعني احتكار السلطة.

"نظام ملكي"

وفي مقابلة مع DW، يرى المحلل السياسي من كينيا مارتن أدات أن "تركيز السلطة السياسية في يد عائلة واحدة لسنوات يمنح أبناءها بمرور الوقت نفوذا ضخما ما يحوّل نظام الحكم السياسي إلى ما يشبه النظام الملكي".

وشدد أدات على رفضه استمرار هذه الظاهرة بأي شكل من الأشكال، مضيفا "هذه الظاهرة ضارة للغاية لأنها تحرم تولي أي شخصيات أخرى (لا تنتمي إلى العائلات السياسية الحاكمة) من فرصة الوصول إلى السلطة".

محمد إدريس ديبى هو ابن الرئيس التشادى الراحل إدريس ديبى ترأس في السابق الحرس الرئاسي لكنه تولى رئاسة المجلس العسكري الانتقالي بعد مقتل والده
محمد إدريس ديبى هو ابن الرئيس التشادى الراحل إدريس ديبى ترأس في السابق الحرس الرئاسي لكنه تولى رئاسة المجلس العسكري الانتقالي بعد مقتل والدهصورة من: Brahim Adji/Tchad Presidential Palace/AFP

ورغم ذلك، يرى مراقبون وبينهم أليدو سيدو، المتخصص في العلوم السياسية بجامعة غانا، أنه من المهم إلقاء نظرة ثاقبة بشأن توريث السلطة والعائلات السياسية لتحديد ما إذا كانت هذه الظاهرة تصب في صالح أفريقيا أم لا.

وفي مقابلة مع DW، أضاف سيدو: "قد يساعد تحديد فائدة هذه الظاهرة أو ضررها معرفة وتحليل الطريقة التي يتم من خلالها انتخاب هؤلاء الأشخاص أو وصولهم إلى السلطة وكذلك مراحل انتقال السلطة وتوريثها بالإضافة إلى الصفات القيادية لهؤلاء الأشخاص وأيضا البعد الثقافي".

يشار إلى أن ظاهرة "العائلات السياسية" ليست حكرا على أفريقيا إذ أنها توجد في جميع أنحاء العالم.

ورغم ذلك، يؤكد أليدو سيدو على أن الأمر يبدو مختلفا في أفريقيا بسبب التأثير الثقافي الذي يشجع الآباء على توسيع الممالك والنفوذ وأيضا ضمان انتقال هذا الأمر إلى أبنائهم.

وشدد على صعوبة فصل البعد والإرث الثقافي في أفريقيا عن  الممارسات الديمقراطية، مضيفا أن هذا الأمر بات "جزءً من نظامنا الديمقراطي الحديث للحكم".

إضعاف التنافسية؟

بيد أن اللافت في ظاهرة انتقال السلطة بين أفراد العائلة الواحدة في أفريقيا أنها تجرى من دون أي "عملية انتقالية تنافسية" ما يثير توترات سياسية وأعمال عنف فوضوية تعيق التنمية وتزعزع الاستقرار في البلدان الأفريقية.

بدوره يقول أليدو سيدو إن الفارق بين ظاهرة وجود أسر وعائلات سياسية في أفريقيا وغيرها في البلدان الغربية هو أن انتقال السلطة من الأباء إلى الأبناء أو أفراد العائلة الواحدة يتم في أجواء تنافسية حيث تكون الأولوية للكفاءة وليس لاعتبارات النسب والقرابة.

وأضاف "في بلدان أخرى من العالم، يتم التوريث السياسي في ظل عملية تنافسية ونزيهة وأكثر شفافية عما يحدث في أفريقيا. ما يحدث في أفريقيا أن الأب (رئيس البلاد) يقوم بتهيئة ابنه ويلحقه بالجيش حيث تتم ترقيته إلى رتبة قائد الجيش ويخلف والده فيما بعد".

وأشار الباحث الغيني إلى أن سرعة انتقال الحكم أو توريثه تحدث في أفريقيا بوتيرة كبيرة مقارنة بباقي مناطق العالم.

يشغل تيودورو نغويما أوبيانغ مانغي منصب نائب رئيس غينيا الاستوائية ليقترب من خلافة والده رئيس الحالي في البلاد
يشغل تيودورو نغويما أوبيانغ مانغي منصب نائب رئيس غينيا الاستوائية ليقترب من خلافة والده رئيس الحالي في البلادصورة من: Michele Spatari/AFP/Getty Images

بدوره شدد الباحث الكيني أدات على أن القادة الأفارقة لا يولون أي اهتمام بالتنافسية أو النزاهة بسبب مصالحهم وحساباتهم الضيقة. وأضاف "لقد تراكمت الأموال والنفوذ السياسي في قبضة عائلات أفريقية وهي تسعى إلى استغلال هذا الأمر للضغط حتى يتمكنوا من البقاء والحصول على السلطة".

ويسلط أدات الضوء على مخاوف بعض القادة والزعماء الأفارقة من تعرضهم للمساءلة في حالة مغادرتهم المنصب لذا فهم يرغبون من وراء توريث السلطة والحكم إلى أبنائهم توفير الحماية لهم.

ويتفق في هذا الرأي أليدو إذ يؤكد على أن القادة والزعماء يعملون على ضمان الحفاظ على الاستثمارات الخاصة بعائلاتهم وأقاربهم، لذا فهم يرغبون في وجود شخص يمكنه الحفاظ على هذه الثروات العائلية.

التوريث السياسي..مزيد من الفساد والحكم الفاشل

لكن تجدر الإشارة إلى أنه عندما تستمر السلطة في قبضة عائلة واحدة ويتم توارث السياسة والسلطة داخل أفرادها من دون تنافسية أو شفافية، فإن الأمر سيؤدي إلى مزيد من الحكم الفاشل والسيء وسوء الإدارة الاقتصادية على وجه الخصوص.

كذلك تعكف هذه العائلات على نهب المزيد من أموال وثروات البلاد ما يفاقم من  الأزمات الأقتصادية  ويثير توترات سياسية ما يمهد الطريق أمام اندلاع احتجاجات ومظاهرات وانتفاضات كما حدث في السنغال وتوغو.

وفي ذلك، يرى أليدو أن ظاهرة احتكار السلطة في عائلة واحدة غالبا ما ينضوي على حكم سيئ، مضيفا أنه في هذه الحالة "سيتم إدارة الشؤون الاقتصادية بشكل سيء وسيتم نهب الموارد الطبيعية وسيرتفع معدل الفساد بشكل كبير ... كل هذه الأشكال من سوء الإدارة سيؤثر حتما على حياة المواطنين ومعيشتهم".

"آلهة وليس حكام"

وأشار أليدو إلى أن هؤلاء الزعماء والقادة لا يتعرضون للمساءلة فقط بل قد يصل الأمر إلى أنهم يتصرفون في إدارة شؤون البلاد وكأنهم آلهة، مضيفا "العديد من الأفارقة لا يزال لديهم شهية للسلطة رغم انتشار الديمقراطية".

وأضاف "هناك مثال على هذا الأمر أمام أعيننا وهو أن (رئيس أوغندا يوويري) موسيفيني يسعى إلى أن يخلفه نجله في رئاسة البلاد. حتى في زيمبابوي حاول موغابي في السابق أن ينقل السلطة إلى زوجته لكن الأمر فشل بسبب أن زوجته لم تكن قوية من الناحية السياسية وهو ما بدا جليا من رفض الجيش في زيمبابوي ذلك وقام بالإطاحة به من السلطة".

تولى علي بونغو منصب رئيس الجابون منذ وفاة والده عمر بونغو في 2009
تولى علي بونغو منصب رئيس الجابون منذ وفاة والده عمر بونغو في 2009صورة من: Chris Jackson/AFP/Getty Images

محاربة التوريث السياسي..كيف هذا؟

وإزاء كل هذه المعطيات تُطرح تساؤلات عن كيفية وقف التوريث السياسي في أفريقيا في ظل افتقار البلدان الأفريقية إلى قوانين تمنع أو تعيق احتكار السلطة في أيدي عائلة واحدة.

وفي ظل ما يجري في القارة السمراء، يرى أليدو أن الأمر بات على عائق المواطنين إذ إنهم القادرون دون سواهم على إنهاء هذه الظاهرة، مضيفا "تبدأ دساتير الكثير من البلدان بعبارة (نحن الشعب) وهذا الأمر مرجعه أن الشعب يعد أهم مكونات عملية الحكم فضلا عن أن الدساتير تمت صياغتها لتخدم مصالح الشعب، لذا يتعين على المواطنين الانخراط في مقاومة مشروعة".

وأشار أليدو إلى أن معارضة ظاهرة التوريث السياسي قد تتخذ أشكالا عديدة منها اللجوء إلى المحاكم والقانون وأيضا تنظيم مظاهرات واحتجاجات، وهي الوسيلة التي يراها الأفضل والأكثر فعالية خاصة في ظل التلاعب في الأنظمة القضائية من قبل بعض القادة.

أما  أدات فيأمل في أن تكون الشعوب أكثر وعيا حيال الانخراط في المقاومة الرافضة للتوريث السياسي، مضيفا "عندما ترى الشعوب أن قلة قليلة تستحوذ على السلطة، فإنهم سيتمردون".

بدوره، يرى أليدو أنه رغم أن بعض العائلات السياسية ساعدت في تحقيق التنمية في أفريقيا، إلا أنها استبعدت أطياف أخرى من المجتمع وهذا في نهاية المطاف يوفر أرضا خصبة لاندلاع اضطرابات إذ عندما "تسأم الناس فإنها تتمرد وتقاوم الأمر".

وأكد على ضرورة التمسك بالديمقراطية ومبادئها لأنها الكفيلة لضمان "خلق فرص متكافئة للجميع ليعيشوا حياة أفضل ويعم السلام ويدوم".

إيزاك كاليدزي / م ع